هل يمكن للأردن العودة إلى 'نظرية الوسادات العسكرية'؟
نيسان ـ نشر في 2024/01/16 الساعة 00:00
تزايدت وتيرة التصعيد على الحدود الشمالية الأردنية، مع سورية، في الأسابيع الأخيرة، إذ أعلنت القوات المسلحة الأردنية عن اشتباكاتٍ عنيفةٍ مع مجموعاتٍ من المهرّبين، أدّت إلى مقتل أعداد منهم، وتزايد التوتر والنقاش الداخلي الأردني بشأن أبعاد هذا التصعيد ودلالاته وتداعياته الاستراتيجية والأمنية والعسكرية.
منذ أعوام والأردن يخوض هذه المواجهات على الحدود الشمالية مع مجموعاتٍ تحاول تهريب المخدّرات (وفي أحيانٍ الأسلحة)، ما أدّى إلى إعلان الأردن تغيير قواعد الاشتباك وتوجيه ضربات جوية عسكرية لبعض مصانع المخدّرات وشبكاتها داخل الأراضي السورية (من دون الإعلان عن ذلك رسمياً).
بالتوازي مع ذلك، عزّز الأردن من قطاعاته العسكرية على الحدود السورية، وطوّر من منظومة التصدّي للأساليب الجديدة والمتنوّعة التي تحاول من خلالها هذه الجماعات تهريب المخدّرات (بما في ذلك الطائرات المسيّرة)، ولم تنجح الجهود الديبلوماسية الأردنية وزيارات وزير الخارجية، أيمن الصفدي، إلى دمشق في إنهاء المشكلة.
في الأثناء، تطوّرت قناعات رئيسية في مطبخ القرار في عمّان في التعامل مع هذا التهديد الاستراتيجي؛ أبرزها أنّ النظام السوري لا يملك السيطرة ولا القدرة على وقف هذه العمليات، بل إنّ أطرافا داخل النظام متورطة فيها، وتستفيد منها، في ظل الظروف الاقتصادية التي تشكل ضغطاً كبيراً على الوضعين، الاقتصادي والمالي، في دمشق، وتتضافر مع ما سبق القناعة بأنّ ما يحدُث يرتبط بشبكة إقليمية متكاملة مع نفوذ إيراني وتمويل الجماعات المسلحة التابعة له.
السوق الخليجي- السعودي هو المستهدف الأول من تجارة المخدّرات
لقد بدا واضحاً أنّ التوتر الشديد على الحدود السورية وتطوّر النفوذ الإيراني وفقدان الاستقرار والأمن ارتبط بتراجع ملحوظ في النفوذ الروسي في تلك المنطقة، مع انشغال الروس بالحرب الأوكرانية، وترك الفراغ للنفوذ الإيراني، ففقد الأردن القيمة الاستراتيجية للتفاهمات التي جرت مع الروس لحماية هذه المنطقة، منذ عام 2017، لكن الأردن كان، قبل ذلك، يعتمد على استراتيجية "الوسادات العسكرية" التي مثّلت له جدار حماية ودفاع للأمن القومي الأردني، عبر دور مهم تقوم به الفصائل المسلّحة، في الجنوب السوري، التي تتمتّع بعلاقات وثيقة (مثل جيش العشائر والجبهة الجنوبية) مع الأردن والدول الغربية والعربية، قبل تفكيك تلك الجماعات مع تغير موازين القوى لصالح النظام السوري وتدخل الروس وحزب الله.
السؤال اليوم: هل بإمكان الأردن العودة إلى "نظرية الوسادات" عبر إعادة إنتاج جماعات مسلّحة في جنوب سورية تدافع عن الحدود الأردنية، بما تقدّمه هذه الاستراتيجية من تخفيف الضغط على الحدود الشمالية ونقل التحدّي إلى الداخل السوري؟ هو سؤال مهم يرتبط بتوافر شروطٍ رئيسية، من بينها استعادة الاهتمام الدولي والإقليمي بضرورة وقف هذه الشبكة الإقليمية التي لا تؤثّر على الأمن القومي الأردني فحسب، بل حتى على الأمن الإقليمي بأسره، وهي الرواية التي حاول مطبخ القرار في عمّان إقناع الدول الأخرى، خصوصا في الخليج العربي، وتحديداً في السعودية، التي تواجه هذا التهديد أيضاً، إذ إنّ السوق الخليجي - السعودي هو المستهدف الأول من تجارة المخدّرات، غير أنه لا يبدو أنّ هنالك "صحوة" دولية وإقليمية جدّية لخطورة هذا التهديد، إذ تراجع الاهتمام الدولي كثيراً بسورية، بينما انتقلت السعودية إلى مقاربةٍ أخرى نحو ترميم العلاقات مع النظام السوري.
من دون إعادة ترميم التحالف الدولي والإقليمي ومراجعة الوضع في سورية، بخاصة المنطقة الجنوبية، سيجد الأردن وحده صعوبة شديدة
من دون إعادة ترميم التحالف الدولي والإقليمي ومراجعة الوضع في سورية، بخاصة المنطقة الجنوبية، سيجد الأردن وحده صعوبة شديدة، سواء من خلال عملية التسليح والتجهيز وإعادة بناء هذه المجموعات، أو من زاوية التمويل والمصادر المالية المطلوبة، وهي ما تفوق بطبيعة الحال القدرات المالية للأردن.
من زاوية أخرى، تتطلب العودة إلى هذه الاستراتيجية إعادة بناء الثقة مع المجتمع السوري في الجنوب، بعدما جرى تفكيك هذه المجموعات، وشعرت بخيبة أمل كبيرة من الموقفين، الدولي والإقليمي، فليس من السهولة بمكان استعادتها وتقويتها، وحاضنتها الاجتماعية تستحضر شبح ما حدث معها سابقاً، عندما طُلب منها أن تتخلّى عن سلاحها وتتفكك، وهو الفراغ الذي استثمر فيه الروس سابقاً، خصوصا مع أهالي درعا، وأعادوا تجنيد أعداد كبيرة منهم ضمن ما يسمّى "الفيلق الثامن" الذي تشكّل من أبناء درعا من المقاتلين سابقاً مع الجيش الحرّ، بعد التدخّل الروسي واتفاقيات خفض التصعيد، ودخل هذ اللواء نفسه في مشكلاتٍ عديدةٍ مع النفوذ الإيراني والفرقة الرابعة السورية.
بالرغم من الشروط الصعبة التي تواجه إعادة بناء استراتيجية الوسادات، إلاّ أنّ البيئة الاجتماعية في درعا، والجنوب عموماً، ما تزال تعيش في حالة من التوتر مع النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران، وهنالك غياب الشعور بالأمن والاستقرار في ظلّ مواجهاتٍ وتوتّراتٍ مستمرّةٍ بين الطرفين، لكن الدخول مرّةً أخرى في ترتيباتٍ مختلفةٍ يستدعي مقاربة جديدة دولياً وإقليمياً ما تزال غير ناضجة بعد.
العربي الجديد
منذ أعوام والأردن يخوض هذه المواجهات على الحدود الشمالية مع مجموعاتٍ تحاول تهريب المخدّرات (وفي أحيانٍ الأسلحة)، ما أدّى إلى إعلان الأردن تغيير قواعد الاشتباك وتوجيه ضربات جوية عسكرية لبعض مصانع المخدّرات وشبكاتها داخل الأراضي السورية (من دون الإعلان عن ذلك رسمياً).
بالتوازي مع ذلك، عزّز الأردن من قطاعاته العسكرية على الحدود السورية، وطوّر من منظومة التصدّي للأساليب الجديدة والمتنوّعة التي تحاول من خلالها هذه الجماعات تهريب المخدّرات (بما في ذلك الطائرات المسيّرة)، ولم تنجح الجهود الديبلوماسية الأردنية وزيارات وزير الخارجية، أيمن الصفدي، إلى دمشق في إنهاء المشكلة.
في الأثناء، تطوّرت قناعات رئيسية في مطبخ القرار في عمّان في التعامل مع هذا التهديد الاستراتيجي؛ أبرزها أنّ النظام السوري لا يملك السيطرة ولا القدرة على وقف هذه العمليات، بل إنّ أطرافا داخل النظام متورطة فيها، وتستفيد منها، في ظل الظروف الاقتصادية التي تشكل ضغطاً كبيراً على الوضعين، الاقتصادي والمالي، في دمشق، وتتضافر مع ما سبق القناعة بأنّ ما يحدُث يرتبط بشبكة إقليمية متكاملة مع نفوذ إيراني وتمويل الجماعات المسلحة التابعة له.
السوق الخليجي- السعودي هو المستهدف الأول من تجارة المخدّرات
لقد بدا واضحاً أنّ التوتر الشديد على الحدود السورية وتطوّر النفوذ الإيراني وفقدان الاستقرار والأمن ارتبط بتراجع ملحوظ في النفوذ الروسي في تلك المنطقة، مع انشغال الروس بالحرب الأوكرانية، وترك الفراغ للنفوذ الإيراني، ففقد الأردن القيمة الاستراتيجية للتفاهمات التي جرت مع الروس لحماية هذه المنطقة، منذ عام 2017، لكن الأردن كان، قبل ذلك، يعتمد على استراتيجية "الوسادات العسكرية" التي مثّلت له جدار حماية ودفاع للأمن القومي الأردني، عبر دور مهم تقوم به الفصائل المسلّحة، في الجنوب السوري، التي تتمتّع بعلاقات وثيقة (مثل جيش العشائر والجبهة الجنوبية) مع الأردن والدول الغربية والعربية، قبل تفكيك تلك الجماعات مع تغير موازين القوى لصالح النظام السوري وتدخل الروس وحزب الله.
السؤال اليوم: هل بإمكان الأردن العودة إلى "نظرية الوسادات" عبر إعادة إنتاج جماعات مسلّحة في جنوب سورية تدافع عن الحدود الأردنية، بما تقدّمه هذه الاستراتيجية من تخفيف الضغط على الحدود الشمالية ونقل التحدّي إلى الداخل السوري؟ هو سؤال مهم يرتبط بتوافر شروطٍ رئيسية، من بينها استعادة الاهتمام الدولي والإقليمي بضرورة وقف هذه الشبكة الإقليمية التي لا تؤثّر على الأمن القومي الأردني فحسب، بل حتى على الأمن الإقليمي بأسره، وهي الرواية التي حاول مطبخ القرار في عمّان إقناع الدول الأخرى، خصوصا في الخليج العربي، وتحديداً في السعودية، التي تواجه هذا التهديد أيضاً، إذ إنّ السوق الخليجي - السعودي هو المستهدف الأول من تجارة المخدّرات، غير أنه لا يبدو أنّ هنالك "صحوة" دولية وإقليمية جدّية لخطورة هذا التهديد، إذ تراجع الاهتمام الدولي كثيراً بسورية، بينما انتقلت السعودية إلى مقاربةٍ أخرى نحو ترميم العلاقات مع النظام السوري.
من دون إعادة ترميم التحالف الدولي والإقليمي ومراجعة الوضع في سورية، بخاصة المنطقة الجنوبية، سيجد الأردن وحده صعوبة شديدة
من دون إعادة ترميم التحالف الدولي والإقليمي ومراجعة الوضع في سورية، بخاصة المنطقة الجنوبية، سيجد الأردن وحده صعوبة شديدة، سواء من خلال عملية التسليح والتجهيز وإعادة بناء هذه المجموعات، أو من زاوية التمويل والمصادر المالية المطلوبة، وهي ما تفوق بطبيعة الحال القدرات المالية للأردن.
من زاوية أخرى، تتطلب العودة إلى هذه الاستراتيجية إعادة بناء الثقة مع المجتمع السوري في الجنوب، بعدما جرى تفكيك هذه المجموعات، وشعرت بخيبة أمل كبيرة من الموقفين، الدولي والإقليمي، فليس من السهولة بمكان استعادتها وتقويتها، وحاضنتها الاجتماعية تستحضر شبح ما حدث معها سابقاً، عندما طُلب منها أن تتخلّى عن سلاحها وتتفكك، وهو الفراغ الذي استثمر فيه الروس سابقاً، خصوصا مع أهالي درعا، وأعادوا تجنيد أعداد كبيرة منهم ضمن ما يسمّى "الفيلق الثامن" الذي تشكّل من أبناء درعا من المقاتلين سابقاً مع الجيش الحرّ، بعد التدخّل الروسي واتفاقيات خفض التصعيد، ودخل هذ اللواء نفسه في مشكلاتٍ عديدةٍ مع النفوذ الإيراني والفرقة الرابعة السورية.
بالرغم من الشروط الصعبة التي تواجه إعادة بناء استراتيجية الوسادات، إلاّ أنّ البيئة الاجتماعية في درعا، والجنوب عموماً، ما تزال تعيش في حالة من التوتر مع النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران، وهنالك غياب الشعور بالأمن والاستقرار في ظلّ مواجهاتٍ وتوتّراتٍ مستمرّةٍ بين الطرفين، لكن الدخول مرّةً أخرى في ترتيباتٍ مختلفةٍ يستدعي مقاربة جديدة دولياً وإقليمياً ما تزال غير ناضجة بعد.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2024/01/16 الساعة 00:00