الملكة رانيا العبدالله فى قمة الويب بالدوحة

حسين دعسة
نيسان ـ نشر في 2024/02/29 الساعة 00:00
«شاهدنا كيف انقلبت مساحاتنا على وسائط التواصل الاجتماعى وتحولت الصور الملونة التى كانت تعج بها حساباتنا إلى مشاهد أحادية اللون: أكفان بيضاء، أنقاض رمادية وشاشات بيضاء وسوداء تتوسطها تحذيرات من قسوة المحتوى».
.. كلمات لها وقعها ودرايتها، عززتها الملكة رانيا العبدالله، بقوة النطق السامى، الإنسانى، الذى أثار الجدل والتقدير، أمام قمة الويب التى تستضيفه العاصمة القطرية الدوحة.
جاء توظيف الملكة رانيا، مشاركتها فى القمة التى يتابعها نخب المعلوماتية والتواصل الاجتماعى عبر شبكة الويب، المعلوماتية والذكاء الاصطناعى التى استقطبت فى قطر، قيادات وشخصيات مهمة فى قمة الويب للتأكيد على أن الواقع الافتراضى على وسائل التواصل الاجتماعى، نقل الحرب على قطاع غزة بتفاصيلها المرعبة ولحظاتها الدموية.
* بعد أكثر من 140 يومًا من الحرب.. أعلم تمامًا ما ينتظرنى!.
الملكة رانيا العبدالله، تدرك بوعى وثقافة أصيلة، ورؤى إنسانية، واسعة الطيف، الدلالات السياسية والثقافية، عندما قالت: «أتردد مرات عديدة فى مشاهدة ما وراء هذه التحذيرات، فبعد أكثر من 140 يومًا من الحرب أعلم تمامًا ما ينتظرنى: لقطات مروعة للحياة والموت من ذلك المكان الذى أصبح الأكثر بؤسًا فى عالمنا. رضع تغطى أجسامهم حروق موجعة، أطفال استبدلت أطرافهم بضمادات غارقة بالدماء، وأمهات يكشفن الأكفان عن وجوه ملائكية لقبلة وداع أخيرة».
.. وأمام قوة الحقيقة، مأساة الحرب على غزة، حرب الإبادة والتجويع، تنبض الكلمات بحرقة: «أعتقد لبرهة، وأنا أقلب مشاهد تلك الحرب التى خلت من الرحمة، أن الحال لن يزداد سوءًا... إلا أنه يتفاقم. يهوى مقياس الإنسانية إلى مستويات جديدة. أفعال لا يمكن تصورها.. أصبحت أمورًا اعتيادية: مستشفيات تتعرض للقصف، أماكن عبادة تُدمر، مدنيون يقتلون وبأيديهم الرايات البيضاء».
*لم تخدم المعايير المبهمة الفلسطينيين يومًا
.. فى ظل الواقع والحالة فى قطاع غزة، ترى رانيا العبدالله، أنه: «سواء على الإنترنت أوأرض الواقع، لم تخدم المعايير المبهمة الفلسطينيين يومًا. انظر إلى الأسس العالمية لحقوق الإنسان، القانون الدولى، والقيم العالمية للمساواة والعدالة، ستجد أن بعض المبادئ الأساسية تُعرّف من جديد لتبرر مستوى من العنف لا يمكن تبريره إطلاقًا».
*أسئلة للتاريخ والمجتمع الدولى.. والأممى.
فى منطق إنسانى، حقوقى، ووطنى، أشارت الملكة إلى أسئلة يتردد صداها فى أرجاء العالم، وهى أسئلة ستبقى أيقونة فى ذاكرة التاريخ والمجتمع المدنى والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات العالم الثقافية والإنسانية والإغاثية:
*السؤال الأول:
-لماذا يُشجب قتل البعض لكن يبرر قتل آخرين؟.
*السؤال الثانى:
- لماذا يعتبر حرمان طفل من الطعام جريمة، فى حين يعتبر تجويع مليون طفل غزى نتيجة مقبولة للحرب؟.
*السؤال الثالث:
-.. وما فائدة تغيير الاعتقادات إن لم نستطع تغيير الواقع؟.
*السؤال الرابع:
- لماذا يجب اختبار إنسانية الفلسطينيين؟.
*السؤال الخامس:
-لماذا على البعض أن يعمل على قدم وساق لنيل التعاطف، فى حين يقدم للآخرين بلا مقابل؟.
*السؤال السادس:
-.. وما أهمية إيمان الملايين بأنك قد تعرضت للظلم، إذا سُمح للظلم بالاستمرار؟.

.. وما بين سؤال وآخر، واجهت الملكة، الواقع المؤلم فقالت: «لم يكن أهل غزة يومًا أكثر ارتباطًا بالعالم من أى وقت مضى – لكنهم لم يكونوا أكثر عزلة فى الوقت ذاته. قُطعت عنهم سبل الماء والغذاء والدواء والوقود وكل ما يلزم لاستمرار الحياة، لكنهم استمروا فى استخدام هواتفهم للوصول إلينا».
.. وأنه، «قد حلم الفلسطينيون بذاك اليوم الذى سيخبرون فيه قصتهم للعالم. واليوم أصبح صوتهم مسموعًا بوضوح، لكن بأى كلفة؟» مشيرة إلى أن «الدعم الجماعى جاء على حساب القتل الجماعى».
*نحن بحاجة لوقف لإطلاق النار. وقف الدمار، وقف للنزوح.
قمة الويب.. فسحة تباين موقفنا طريقنا عبر هذا التواصل، لهذا شددت جلالتها، عند قالت:
«نحن بحاجة لوقف لإطلاق النار. وقف للدمار، وقف للنزوح.. ووقف للحرمان المتعمد. يجب على هذه الحرب أن تنتهى الآن. العرقلة المتعمدة لدخول المساعدات يجب أن تنتهى. وعلى الرهائن والمعتقلين من كلا الطرفين أن يعودوا إلى بيوتهم».
.. بالتأكيد، هذه محطة، ولنقل جهاز إنذار «لكن هذه هى البداية فقط. فالفلسطينيون يريدون ما يعتبره أغلبنا حقوقًا بديهية: حقهم فى تقرير المصير، القدرة على حكم أنفسهم بكرامة وأمان. والتحرر من الاحتلال. ولا يمكن تحقيق أى من ذلك، دون دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل».
وأضافت: «التضامن مع الفلسطينيين يجب ألا يكون أمرًا عابرًا. فالملايين ممن رفعوا أصواتهم يجب ألا يسمحوا بتراجع قصة فلسطين إلى الهامش مرة أخرى». مشيرة إلى أنه «حين نُخفق فى الوقوف مع الحق، نُقر بلا منازع بكل ما هو باطل. فكل صوت يحمل فى مداه أمواجًا من الإمكانية. إن اتحدَت ستخلق واقعًا جديدًا للشعب الفلسطينى».
وقالت «بلا شك، ما من قوة تفوق قوة جموعٍ عالمية واعية وممتعضة تطالب بنهاية ظلم تاريخى». بإمكان الضغط الشعبى أن يعيد رسم المستقبل.
*التضامن الجماعى.
تنتبه الملكة إلى أهمية: التضامن الجماعى أجبر قادة على اتخاذ خطوات اعتُقِد أنها مستحيلة... لزوال العبودية... لإنهاء التفرقة العنصرية... لإسقاط الجدران. فالتغيير ممكن، والظلم قابل للزوال»، وأنه: «علينا أن نُصر على عالم حيث السلام والكرامة والحرية هى حقوق بلا منازع. لأجلكم ولأجلنا... ولأجل شعب فلسطين. لأن قصتهم هى جزء من قصتنا. وفى وقوفنا معهم، نقف مع أنفسنا أيضًا».
وفى كلمتها رسمت جلالتها تدرجًا موضوعيًا للقضية الفلسطينية حيث قالت «بالتأكيد، فتحت هجمات السابع من تشرين الأول فصلًا جديدًا فى صراع طويل. لكن القصة الأكبر امتدت لسنوات أطول من أعمار معظمنا: خمسة وسبعون عامًا لم ينعم الفلسطينيون خلالها يومًا بالسلام».
وقالت: «لوقت طويل، تم تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ومصداقيتهم... وتم تحويلهم إلى شعب يمكن استباحته دون عواقب. تم تجاهل واقعهم كشعب تحت الاحتلال، وتشويه مجتمعهم المتنوع من أطباء وأساتذة وناشطين، وسحق وتجريم محاولاتهم العديدة للمقاومة غير المسلحة – من حملات الإضرابات والعصيان المدنى التاريخية إلى مسيرة العودة الكبرى فى غزة».
ونوهت بأنه «تم اختزال الشعب الفلسطينى إلى أعداء فى رواية لطرف آخر – صُوروا للعالم على أنهم تهديد للأمن أو إرهابيين. لكن اليوم، ولأقسى الأسباب، أصبح الفلسطينيون على مرأى العالم. فبعد ثلاثة أرباع قرن من بداية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، رأى الملايين حول العالم للمرة الأولى ما يعنيه أن تكون فلسطينيًا».
*أفعال الحرب على البشرية.
فى طروحات رانيا العبدالله، رؤية حول ضرورة فهم المجتمع الدولى، الأفعال الحروب، وبالذات الحرب على غزة، وتنظر بوعى لتفسير ما يحدث:
«أفعال الحرب لا تكون دائمًا واضحة على هيئة قصف جوى أو كمين أوعملية اختطاف. أحيانًا، يأتى العنف على صورة حصار مطبق يمتد لأكثر من سبعة عشر عامًا، أو عقود من عمليات القتل اليومية. يأتى على شكل نقاط تفتيش أو جدار عازل أو عنف من مستوطنين مسلحين أو اعتقالات بلا سبب وإهانات لا تنتهى تحت وقع احتلال».
وترى من زوايا متعددة: «هذه هى مشكلة ما يسمى بحلقات العنف: لا يوجد اتفاق من أين تبدأ القصة، ويركز كل طرف على معاناة شعبه ويقلل من معاناة الآخرين – ودوائر الصدى الرقمى تشجع حالة التمترس بأن رأينا هو الوحيد الصائب»؛ ذلك أن «دوائر الصدى فى أذهاننا مبرمجة على رفض أى حقائق أومعلومات لا تؤكد قناعاتنا. ومع ذلك، الحرب فى غزة والتى تبث للعالم مباشرةً، أظهرت بشكل واضح الاختلال فى موازين القوى الذى أملى قصة هذا الصراع. وقد دُفع الكثيرون فى الغرب للشك بمصداقية الصورة التى طُبعت فى أذهانهم عن القضية الفلسطينية، وأنهم قد لا يمتلكون القصة الكاملة لها»، مشيرة إلى أنه «عندما يُسلب أحد أطراف الصراع من حقه فى سرد الرواية، لا يبقى أمامنا إلا رواية منقوصة».
حتما «ليس من السهل زعزعة القناعات الراسخة، لكن عندما نخرج من أريحية ما هو مألوف نجد الفرصة للفهم والتواصل والنمو». منوهة بأنه «يمكن لأحدهم القبول بأن قيام دولة إسرائيل كان - بالنسبة للكثيرين - بمثابة رد على ظلم تاريخى، وفى الوقت ذاته يُقر بأن ذلك أوجد ظلمًا ما زال قائمًا على شعب آخر»، لهذا توضح جلالتها: «لكن العديدين ممن عبروا عن هذه المشاعر واجهوا رد فعل سلبيا، وكأن المساواة بين قيمة حياة الفلسطينيين والإسرائيليين هى جريمة. وكأنما الفلسطينيون موجودين خارج حدود إنسانيتنا».
قمة الويب قطر، نقطة تحول لفهم الحدث الافتتاحى لقمة الويب العالمية فى الشرق الأوسط، والتى تدير عددًا من الأحداث التكنولوجية فى العالم.
وهى، قمة لأربعة أيام، يخوض خلالها، ألف شركة ناشئة من 80 دولة من بينها الأردن، وتستقطب القمة نحو12 ألف مشارك من أكثر من 120 دولة.
.. أعطت القمة فرصا لوعى هذا العالم من قضايا المنطقة والعالم، وركزت على حال الحرب على غزة، وأثرها على مستقبل الإنسانية والمجتمع الدولى.
الدستور المصرية
    نيسان ـ نشر في 2024/02/29 الساعة 00:00