توزّعوا بين 'وأنا مالي' و'بدك تحرقني' .. يا خسارة

حسين الرواشدة
نيسان ـ نشر في 2024/03/10 الساعة 00:00
ما يتحدث به معظم أعضاء الطبقة السياسية الأردنية في الغرف المغلقة، يختلف تماما عما يقولونه أمام الكاميرات، وأمام الجماهير، إنهم لا يجرؤون على مصارحة الأردنيين بحقيقة قناعاتهم، لا عن الحرب على غزة، ولا عن ارتداداتها على بلدنا، يكررون ذات الخطاب العام الذي لا علاقة له بواقع أردني مزدحم بالتحولات والأزمات والقضايا التي تحتاج للنقاش والتوافق على حلول ومعالجات لها، كما أنهم يهربون حين تواجههم بسؤال الاختفاء والاختباء، والتمنع عن الدفاع عن مواقف الأردن، أو التحذير من موجات التشكيك التي تطاله، ومن محاولات الاستفراد بالرأي العام. ما تسمعه منهم إجابة واحدة : (بدك تحرقني) في الشارع؟
‏قلت في مرات عديدة: ربما أفهم أن تفكر الطبقة السياسية بانتهازية حين تكون الدولة في حالة (قمرة وربيع) واسترخاء، أفهم، أيضا، أن تحسب حسابات الشعبية والشارع، أو أن تسدي النصائح لأصحاب القرار في السر لا في العلن، لكن ما لا أفهمه، ولا يمكن أن يقبله أردني، أن تمتد هذه الانتهازية السياسية أو تتوسع أو تتحول إلى (عموم بلوى) في وقت يمر به بلدنا بأصعب المراحل والظروف، ثم أن يصبح «الخلاص الفردي « النخبوي، والتفكير بـ»المغنم والمغرم» فقط، المعيار الوحيد، والمحرك الثابت لهؤلاء الذين «يتبرطعون» في خيرات البلد، لكنهم يبخلون عليه بكلمة صادقة، أو موقف مخلص ونزيه، أو لحظة «إيثار» قد يتطهرون بها من شحّهم وأنانيتهم المفرطة.
‏إن أهم درس تلقيناه، في الأشهر الخمسة المنصرفة، من الطبقة السياسية، تحديدا، هو (وأنا مالي؟)، معظم الأحزاب التي عولنا عليها لرسم مرحلة جديدة للتحديث، لم نسمع لها صوتا يتحدث عن قضايانا الأردنية او مشروعنا الوطني بجرأة وصراحة، معظم رجالات الدولة أغلقوا هواتفهم، وغابوا عن المشهد، وآثروا الصمت، وركبوا سكة السلامة، صرخة (وأنا مالي؟) طاردت معظم الذين كانوا، في موسم المعارضات، يدبّون الصراخ حول أي قضية محلية تستدعي انتزاع ما يلزم من إعجاب الجمهور وتصفيقهم، ذريعة بعض هؤلاء أن إدارات الدولة لا تتحدث معهم، أو أن الجمهور لا يريد أن يسمع إلا ما يطربه، أو أن مواجهة الأردنيين بما يقتنعون به سيصب خسارات في رصيديهم السياسي، وبالتالي فهم ليسوا مستعدين لدفع كلفة المواقف، حتى لو كانت لأجل الأردن.
‏إذاً، من يقف مع الدولة في أوقاتها الصعبة وأزماتها إذا غابت الطبقة السياسية الوطنية، وفَقدَ المجتمع الرؤوس التي يفترض أن تقوده في المسارات التي تصب بالمصالح العليا للبلد؟ أكيد، هذا الفراغ ستملؤه الفوضى والارتباك، ومن الممكن أن يتسلل إليه كثيرون من حملة المباخر، أو مقاولي الحروب والعصابات الخفية، التي تترصد حالات الانقسام والصراع بين القضايا داخل إطار المجتمع، وبصراحة أكثر، المرحلة القادمة -في تقديري- ستكون مفتوحة على جبهات مجهولة، هدفها المشترك تأجيج المشاعر، واستغلال حالة الغضب، وذلك لنقل الأزمة، بنيرانها المشتعلة، إلى من تبقى من بلدان مستقرة، أولها بلدنا، مما يقتضي الانتباه والحيطة والحذر، وقبل ذلك استنفار كل الأردنيين الحريصين على بلدهم لمواجهة أي خطر، أو محاولة استهداف، تحت أي عنوان.
‏من أجل حماية بلدنا، ودفع كل من يتقصده بسوء، لابد أن تتحرك إدارات الدولة، وأعضاء الطبقة السياسية، للقيام بواجباتهم الوطنية؛ الأردنيون لن يقبلوا من أحد أن يعتذر عن عدم مصارحتهم بالحقائق كما هي، ولا من الذين تم تكريمهم بألقاب الدولة والمعالي و الباشوات أن يستقيلوا من دورهم في هذا الوقت العصيب، الأردنيون، أيضا، لن يسامحوا الذين خذلوهم وانضموا لحزب (وأنا مالي ؟)، ولن يقبلوا تبريراتهم، كما أنهم لن يثقوا بالآخرين الذين يغردون خارج السرب الوطني، أو غيرهم ممن يرددون «الكليشيهات» التي تنزل عليهم بالبرشوت، أو ممن يخشون أن تحرقهم المواقف الوطنية إذا ما جهروا بها أمام الكاميرات.
أقول كلمة واحدة فقط : يا خسارة.
الدستور
    نيسان ـ نشر في 2024/03/10 الساعة 00:00