قراءة في عملية داعش بموسكو .. دلالات وسيناريوهات
نيسان ـ نشر في 2024/03/27 الساعة 00:00
تطرح العملية التي نفذها ما يعرف بتنظيم خراسان الذي يعد احد ابرز فروع تنظيم " داعش" الذي تتخذ قياداته من أفغانستان مقرات، فيما بدا يتحرك في فضاءات روسيا و بالدول الإسلامية المستقلة التابعة لها، جملة من التساؤلات حول سياقات العملية وتوقيتها من جهة، وسبب الاستهداف لجهة روسيا من جهة "داعش" في الوقت عينه، لا سيما وانها عملية اتسمت بوحشية" تشكل سمة للخرسانيين" اظهرتها "فيديوهات مسربة من تنظيم داعش"، وتم خلالها استخدام بنادق وسكاكين في قاعة الحفلات فيما تناثرت الجثث على أرض المسرح، وشبت حرائق في القاعات.
مؤكد ان الصور المروعة للعملية واستهداف مدنيين في قاعة احتفالات ، المفترض انها في حالة استنفار وطواريء لمواجهة تهديدات اوكرانية متوقعة ، عبر صواريخ وطائرات مسيرة ، لا تلغي حقيقة انها كشفت اخفاقا استخباريا لأجهزة الامن الروسية في التنبؤ او الحصول على معلومات مسبقة حول العملية، بالإضافة الى انها لم تأخذ على محمل الجد ما اعلنته أمريكا انها مررت معلومات حول استهداف تنظيمات إرهابية لاهداف في موسكو، وهو ما يفسر ما اعلنه الرئيس الروسي"بوتين" انهم القوا القبض على بعض عناصر التنفيذ، لكنهم بصدد التعرف على من وجههم وقدم لهم التسهيلات، وهي مقاربة روسية تنسجم الى حد كبير ليس بتوجيه الاتهامات لأجهزة استخبارية تابعة لاوكرانيا فقط، بل وجهات استخبارية أخرى تدعم القيادة الأوكرانية ممثلة بامريكا والدول الأوروبية.
وللانصاف فان المقاربة الروسية بتصدير الازمة وتوظيفها سياسيا تحاكي مقاربات أمريكية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، خاصة ما يتعلق منها بربط العراق بالحادي عشر من سبتمبر، وهي فكرة مركزية في الرواية الروسية تجاه الحرب على أوكرانيا، ومع ذلك فان ترويج القيادة الروسية لمثل هذه الرواية لن يتجاوز مزاعم و اتهامات ستبقى فاقدة لأدلة قابلة للتحقق، لا سيما وانه يرجح وعلى نطاق واسع في أوساط المتابعين والمراقبين انه ورغم تقاطع مصالح جهات غربية مع أهداف تنظيم داعش في السياقين العسكري والسياسي تجاه روسيا بقيادة "بوتين" الا ان تجارب غربية في أفغانستان تجعل مثل هذه السيناريوهات ضعيفة، وان اقصى ما كان يمكن ان يكون لدى أمريكا والغرب هو "الحصول على معلومات" يرجح انها توفرت عبر اعتراض ومتابعات اتصالات فنية.
لعل ما ينبغي التوقف عنده التعرف بايجاز على تنظيم خراسان الذي بايع تنظيم داعش عام 2015، فهذا التنظيم الذي الأكثر ترجمة لمقاربة "إدارة التوحش" ،ووفقا لتقديرات استخباراتية غربية يضم حوالي "7" الاف مقاتل غالبيتهم من الاوزبك والطاجيك، بقيادة شاب متطرف معروف باسم "ثناء غفاري" وبعد ان كان التنظيم محاصرا يتحرك في مناطق محدودة في شمال شرق أفغانستان، وخوضه حروبا مع القاعدة وطالبان، توسع حضوره وانتشاره منذ أواخر عام 2020بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وركز عملياته على هداف إيرانية وأخرى روسية، حيث نفذ عملية نوعية ضد سفارة روسيا في كابول، إضافة لعمليات دموية نوعية داخل ايران، وخاصة في جنوب شرق ايران قريبا من الحدود مع أفغانستان، ويبدو ان عدم قدرة طالبان على الإمساك بمفاصل الحكم في كل الأراضي الأفغانية وتراجع تنظيم القاعدة بعد اغتيال زعيمه" ايمن الظواهري" وفر فرصة للتنظيم للتوسع والاستقطاب، لا سيما في ظل شكوك عميقة لدى قطاعات من الافغانيين بان تنظيمي طالبان والقاعدة تعاونا في أفغانستان مع ايران وروسيا، علاوة على اتفاق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبالزامن فانه وبعد الضربات التي تعرض لها تنظيم داعش في سوريا منذ عام 2019، تمت إعادة هيكلة الولايات البعيدة، في اطار لامركزية جديدة، كان من بينها دمج المكاتب المسؤولة عن ولاية خراسان وولاية شرق آسيا مع المكاتب المسؤولة عن تركيا والقوقاز وروسيا، مما اعطى زخما جديدا للخرسانيين، وقيادتهم لهذه الساحات.
اما التوقيت، فلا يعتقد انه يمكن عزل تزامن العملية التي يبدو انه تم التخطيط لها منذ عدة اشهر مع الإعلان عن فوز الرئيس "بوتين" بولاية رئاسية جديدة ، بعد انتخابات جرت قبل أيام من تنفيذ العملية، وبذلك فمن المرجح ان التنظيم يحدد عبر هذه العملية استراتيجيته ومواقفه في التعامل مع موسكو، وهي استراتيجية تستند لارث سوفياتي بالتعامل مع شعوب الدول الإسلامية في جمهوريات اسيا الوسطى، وقتل امالها بالاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتنصيب موسكو ودعمها أنظمة استبدادية مارست ذات السياسات الدكتاتورية، وتسببت في زيادة نسب الفقر والجوع، وهي المظاهر نفسها التي كانت سائدة قبل الاستقلال، والى جانب ذلك فانه ورغم الشكوك باهداف روسيا في مواجهة القاعدة وداعش في العديد من الساحات من بينها الساحات الافريقية، كونها المنافس لشركاتها الخاصة لفرض نفوذ روسي في القارة السمراء، فان هذه الجهود اثرت على تنظيم داعش في افريقيا، خاصة في حقول استثمارية تدر عليه عوائد مالية هائلة، وهو ما يمكن عده احد الأسباب غير المباشرة لعملية موسكو.
مؤكد ان تفاصيل اكثر سيتم كشفها حول العملية، وستحاول كل الأطراف الفاعلة توظيفها لصالحها ولصالح مقاربات سيتم انتاجها بما يخدم استراتيجياتها خاصة من قبل موسكو، لكن عملية بهذا الحجم لا شك انها ترتبط بجملة عناوين يمكن ان تطرح عبر تساؤلات حول: قدرة الأجهزة الأمنية الروسية على مواجهة خطر حقيقي يمثله التنظيم، ثم ان الاستهداف المزدوج للتنظيم لكل من موسكو وطهران، يطرح تساؤلات حول ارتباطه بصوابية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبمرجعية ان واشنطن كانت بمواجهة الإرهاب في أفغانستان تقدم خدمات مجانية للصين وروسيا والصين، وبالتزامن هل كان على روسيا ان تتوقع عودة الجهاديين الى الجمهوريات الإسلامية بعد تفكيك "داعش" في مقرها بسوريا، لكن يبقى السؤال الأهم هل تشكل العملية بهذا الحجم اخر العمليات ضد موسكو، ام ستكون روسيا ومصالحها في الجمهوريات الأسلحة عرضة لاستهداف واسع ومركز في السنوات القادمة، وهل سينتقل الفعل الإرهابي الى الأقلية الإسلامية في غرب الصين.
* خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية
مؤكد ان الصور المروعة للعملية واستهداف مدنيين في قاعة احتفالات ، المفترض انها في حالة استنفار وطواريء لمواجهة تهديدات اوكرانية متوقعة ، عبر صواريخ وطائرات مسيرة ، لا تلغي حقيقة انها كشفت اخفاقا استخباريا لأجهزة الامن الروسية في التنبؤ او الحصول على معلومات مسبقة حول العملية، بالإضافة الى انها لم تأخذ على محمل الجد ما اعلنته أمريكا انها مررت معلومات حول استهداف تنظيمات إرهابية لاهداف في موسكو، وهو ما يفسر ما اعلنه الرئيس الروسي"بوتين" انهم القوا القبض على بعض عناصر التنفيذ، لكنهم بصدد التعرف على من وجههم وقدم لهم التسهيلات، وهي مقاربة روسية تنسجم الى حد كبير ليس بتوجيه الاتهامات لأجهزة استخبارية تابعة لاوكرانيا فقط، بل وجهات استخبارية أخرى تدعم القيادة الأوكرانية ممثلة بامريكا والدول الأوروبية.
وللانصاف فان المقاربة الروسية بتصدير الازمة وتوظيفها سياسيا تحاكي مقاربات أمريكية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، خاصة ما يتعلق منها بربط العراق بالحادي عشر من سبتمبر، وهي فكرة مركزية في الرواية الروسية تجاه الحرب على أوكرانيا، ومع ذلك فان ترويج القيادة الروسية لمثل هذه الرواية لن يتجاوز مزاعم و اتهامات ستبقى فاقدة لأدلة قابلة للتحقق، لا سيما وانه يرجح وعلى نطاق واسع في أوساط المتابعين والمراقبين انه ورغم تقاطع مصالح جهات غربية مع أهداف تنظيم داعش في السياقين العسكري والسياسي تجاه روسيا بقيادة "بوتين" الا ان تجارب غربية في أفغانستان تجعل مثل هذه السيناريوهات ضعيفة، وان اقصى ما كان يمكن ان يكون لدى أمريكا والغرب هو "الحصول على معلومات" يرجح انها توفرت عبر اعتراض ومتابعات اتصالات فنية.
لعل ما ينبغي التوقف عنده التعرف بايجاز على تنظيم خراسان الذي بايع تنظيم داعش عام 2015، فهذا التنظيم الذي الأكثر ترجمة لمقاربة "إدارة التوحش" ،ووفقا لتقديرات استخباراتية غربية يضم حوالي "7" الاف مقاتل غالبيتهم من الاوزبك والطاجيك، بقيادة شاب متطرف معروف باسم "ثناء غفاري" وبعد ان كان التنظيم محاصرا يتحرك في مناطق محدودة في شمال شرق أفغانستان، وخوضه حروبا مع القاعدة وطالبان، توسع حضوره وانتشاره منذ أواخر عام 2020بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وركز عملياته على هداف إيرانية وأخرى روسية، حيث نفذ عملية نوعية ضد سفارة روسيا في كابول، إضافة لعمليات دموية نوعية داخل ايران، وخاصة في جنوب شرق ايران قريبا من الحدود مع أفغانستان، ويبدو ان عدم قدرة طالبان على الإمساك بمفاصل الحكم في كل الأراضي الأفغانية وتراجع تنظيم القاعدة بعد اغتيال زعيمه" ايمن الظواهري" وفر فرصة للتنظيم للتوسع والاستقطاب، لا سيما في ظل شكوك عميقة لدى قطاعات من الافغانيين بان تنظيمي طالبان والقاعدة تعاونا في أفغانستان مع ايران وروسيا، علاوة على اتفاق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبالزامن فانه وبعد الضربات التي تعرض لها تنظيم داعش في سوريا منذ عام 2019، تمت إعادة هيكلة الولايات البعيدة، في اطار لامركزية جديدة، كان من بينها دمج المكاتب المسؤولة عن ولاية خراسان وولاية شرق آسيا مع المكاتب المسؤولة عن تركيا والقوقاز وروسيا، مما اعطى زخما جديدا للخرسانيين، وقيادتهم لهذه الساحات.
اما التوقيت، فلا يعتقد انه يمكن عزل تزامن العملية التي يبدو انه تم التخطيط لها منذ عدة اشهر مع الإعلان عن فوز الرئيس "بوتين" بولاية رئاسية جديدة ، بعد انتخابات جرت قبل أيام من تنفيذ العملية، وبذلك فمن المرجح ان التنظيم يحدد عبر هذه العملية استراتيجيته ومواقفه في التعامل مع موسكو، وهي استراتيجية تستند لارث سوفياتي بالتعامل مع شعوب الدول الإسلامية في جمهوريات اسيا الوسطى، وقتل امالها بالاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتنصيب موسكو ودعمها أنظمة استبدادية مارست ذات السياسات الدكتاتورية، وتسببت في زيادة نسب الفقر والجوع، وهي المظاهر نفسها التي كانت سائدة قبل الاستقلال، والى جانب ذلك فانه ورغم الشكوك باهداف روسيا في مواجهة القاعدة وداعش في العديد من الساحات من بينها الساحات الافريقية، كونها المنافس لشركاتها الخاصة لفرض نفوذ روسي في القارة السمراء، فان هذه الجهود اثرت على تنظيم داعش في افريقيا، خاصة في حقول استثمارية تدر عليه عوائد مالية هائلة، وهو ما يمكن عده احد الأسباب غير المباشرة لعملية موسكو.
مؤكد ان تفاصيل اكثر سيتم كشفها حول العملية، وستحاول كل الأطراف الفاعلة توظيفها لصالحها ولصالح مقاربات سيتم انتاجها بما يخدم استراتيجياتها خاصة من قبل موسكو، لكن عملية بهذا الحجم لا شك انها ترتبط بجملة عناوين يمكن ان تطرح عبر تساؤلات حول: قدرة الأجهزة الأمنية الروسية على مواجهة خطر حقيقي يمثله التنظيم، ثم ان الاستهداف المزدوج للتنظيم لكل من موسكو وطهران، يطرح تساؤلات حول ارتباطه بصوابية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبمرجعية ان واشنطن كانت بمواجهة الإرهاب في أفغانستان تقدم خدمات مجانية للصين وروسيا والصين، وبالتزامن هل كان على روسيا ان تتوقع عودة الجهاديين الى الجمهوريات الإسلامية بعد تفكيك "داعش" في مقرها بسوريا، لكن يبقى السؤال الأهم هل تشكل العملية بهذا الحجم اخر العمليات ضد موسكو، ام ستكون روسيا ومصالحها في الجمهوريات الأسلحة عرضة لاستهداف واسع ومركز في السنوات القادمة، وهل سينتقل الفعل الإرهابي الى الأقلية الإسلامية في غرب الصين.
* خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية
نيسان ـ نشر في 2024/03/27 الساعة 00:00