الاعلام: في صمته قوة
نيسان ـ نشر في 2015/11/18 الساعة 00:00
النصيحة التي قدمها المستشار القانوني لنقابة الصحفيين، والمتعلقة بإخضاع اغلب التقارير والمقالات الصحفية للرأي القانوني قبل النشر، تعطي ملمحا عن مستقبل مليء بالمطبات والتعرجات، وبالحفر الاخدودية لمسيرة الاعلام المتعثرة اصلاً!
وإذا كان نداء الاستغاثة الذي أطلقه الراحل د. يوسف إدريس بقوله إن "الحرية المتاحة في العالم العربي كله لا تكفي كاتبا واحداً"، فإن ما يجري فعليا يدعونا لأن نتضامن ونتبنى مقولة الكاتب خيري منصور الذي أضاف أن "هذه الحرية المتاحة لا تكفي مقالة واحدة، إذا قرر كاتبها إطلاق عقله وذاكرتهِ وأصابعه!".
في بلادنا ورغم ان حرية الاعلام انحصرت بين الحرية النسبية، وبين حرية الولاء والطاعة، ونَقْل الخبر الحكومي كما هو دون سؤال، ودون الغوص في المضمون، إلا أنها تعاني المزيد من الحبس الانفرادي بعدما أُخضعت "السلطة الرابعة" لسبعة قوانين، أكثرها مرونة قانون المطبوعات والنشر المثير للجدل.
وإذا أراد الصحفيون حماية انفسهم من كل هذه القوانين وتداعياتها، فعليهم أن يتوقفوا تماما عن ممارسة الاعلام! لماذا ينقلون الخبر الحكومي؟ ولماذا يطلب المسؤولون من المؤسسات الصحفية حضور مؤتمراتهم؟ ولماذا يقبل الاعلاميون تلميع بعض اشخاص لا يقبلون النقد او مجرد التأشير الى الخلل؟!
قد لا يعلم المسؤولون في بلاد العرب ان صورتهم التي حاولت وسائل الاعلام المحلية تلميعها، هي السبب وراء لجوء مواطني تلك الدول إلى وسائل إعلام خارجية، للبحث عن الخبر الصادق فيها، بدلاً من الوسائل الوطنية التي عادة ما تعكس وجهات النظر الحكومي، مع اضافة مواد تجميل، والكثير من التلميع.
ما يُؤسَف له حقيقة أن عدم تقبل الرأي والرأي الآخر لم يقتصر على الجانب الحكومي، بل تعداه الى شخصيات عامة محسوبة على الرأي المعارض التي طالما تغنت بالحرية، ولكنها سقطت مع اول تجربة! هذه الشخصيات فشلت في اول اختبار طالها، رغم أنها مارست النقد بكل أساليبه وأشكاله، واستغلت وسائل الاعلام للنيل من خصومها.
مَن ينظرون الى وسائل الاعلام على أنها ضعيفة، ولا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها، عليهم ان يدركوا ان مجرد صمتها هو قوة، بل قوة قاهرة، ويكفيها فقط ان تتوقف عن نشر اخبار المسؤولين لمدة اسبوع او شهر، بشرط ان يكون هناك حالة من التضامن الفعلي الجماعي، حتى يدرك هؤلاء مدى قوة الاعلام وقدرته الفعلية.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن بعض وسائل الاعلام أساءت للمهنة بالمفهوم الاخلاقي، ولكن عندما يكون العقاب جماعيا تكون الحرية هي المقصودة، رغم أن الحرية هي أساس كل إبداع وتطور، وصناعة وطن متحضر، له بصمة في الحضارة الإنسانية.
ذات يوم سيدرك محاربو الإعلام ان للحرية علاقة بأهم الأشياء في حياتنا مثل الإبداع والهوية والفضيلة والخوف والسعادة والفن، وسوف نكتشف أن الحرية هي حجر الزاوية، ومن خلالها تتحرك الحياة، ونتحرك معها.
نيسان ـ نشر في 2015/11/18 الساعة 00:00