غزة تطأُ الموتَ بالموت وتهبُ الحياة للذين في القبور!

الياس فاخوري
نيسان ـ نشر في 2024/05/10 الساعة 00:00
غزة تطأُ الموتَ بالموت وتهبُ الحياة للذين في القبور!
كما فعل ابنها، كذلك فلسطين، بغزتها وعزتها، تقوم من بين الأموات وتطىأُ الموتَ بالموت وتهبُ الحياة للذين في القبور.
- تقُم فيتشتّت جميع أعدائها ويهرُب مُبغضوهُا من أمامِ وجهِهِا.
- ليَبيدوا كما يُبَدَّدُ الدخان وكما يذوب الشمعُ من أمامِ وجهِ النار.
- كذلك يهلك الخطأة المعتدون، ويفرحُ الصدِّيقونَ المقاومونَ حلفاء الساحات المتحدة مسرورين.
- هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ كما شاء رجاله في الميدان، فلنفرح ونتهلَّل به.
- إِنَّ النِّسوةَ حاملاتِ الطِّيب، وافَين باكِراً جدّاً إلى ضَريحِ المُعْطي الحَياة، فَوَجَدْنَ مَلاكاً جَالِساً على الحَجَر، فخَاطَبَهُنَّ هكذا قائِلاً: لِمَ تطلُبنَ الحَيَّ بينَ الأموات؟ ولِمَ تندُبْنَ غيرَ البالي كأَنَّهُ في البِلى؟ إَذهبْنَ وبَشِّرْنَ تلاميذَه (مرقس 16 / الآيات 1-8)
نعم ليلة القدر ما تراه أمامك .. وليس الذي تراه مناما .. احملوا الطيب وبشروا ان النصر والقدر والتاريخ والجغرافيا صناعة غزية فلسطينية .. رفحٌ نوَّرت، والقدس ضوَّأَت (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورً؛ يونس - 5) .. وقبر هاشم ترك الأرض، واستحال غماما!

وهنا تكراراً استعيد جملة أغلى من الشهداء والقبل: فلسطينياً كان ولم يزل!
فلسطينيٌ، ولد في فلسطين، عاشَ في فلسطين، صُلب واستشهد في فلسطين، قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور في فلسطين ليعلن انتصاره ليس على الموت وحسب، بل وعلى قادة اليهود الذين أرادوا قتله في فلسطين ايضاً، لانه المسيح المنقذ الذي لا يلتزم بتعليماتهم ولا يخضع لقوانينهم (John 5:18). وهنا، لا بد ان يحضر "يهوذا الاسخريوطي" الذي خان يسوع وقام بتسليمه لمن كان يطلب موته (Luke 22:3-6).
مثال الفلسطيني وأبناء غزة، اثبت يسوع وظهّر انتصار الدم على السيف (صليب، ومسامير، ورمح، ومطرقة، وسوط، وشوك، وحلقات من الحبال، وخل، وثلاثين من الفضة) تماماً كما شق الفلسطينيون والغزٌيون طريقهم الى الأمل بعيدا من اليأس والاحباط؛ إذن "نفّذوا" و"اجعلوا":
■ "نفّذوا"، بل حققوا نبوءة "ديانا"، النبوءة الوشمٌ في الذاكرة: "اسرائيل" الى زوال مهما توحشت وأراقت من دماء .. لم يكن هذا الوشم مجرد رؤية او نبؤة .. بل هو، في الواقع، استراتيجية وقرار يطوف سماءً وبحراً و"اقصى فيؤكد ان نهاية "اسرائيل" قد كُتبت وان دمارها يدنو وان حتفها قد اقترب لتُمحى من الوجود على ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023: “بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”(القمر – 46).
■ اجعلوا روح ميلاد النصر الغَزٌي (Gazamas) ملئ الكون .. واجعلوا القدس - عاصمة الجمهورية العربية الفلسطينية - تنبض حقاً، ومقاومةً، وتحريراً، وكرامةً، وعدالةً، وسلاماً، واملاً، ومحبة.
إذن"نفذوا" و"اجعلوا" فأنتم "الاعصار الحافي القدمين" كما وصف "باولو بازوليني" السيد المسيح، لدى تقديم فيلمه "الانجيل بحسب متى" .. نفذوا" و"اجعلوا" و"حطموا" أوثان الأزمنة، وأحلّوا محلهم الله، اله المعذبين، والفقراء، والضحايا على هذه الأرض كما فعل السيد المسيح يوم طرد المغتصبين قائلاً "مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" .. صالبو غزة واهلها هم صالبو المسيح فاعلنوا (بل مارسوا) وقوفكم إلى جانب الغزّيين والفلسطينيين .. أعلنوا عداءكم لصالبي المسيح وفلسطين واجهروا، كما ارادت "ديانا"، بصوت واحد: "دماءُ الغزيين والفلسطينيين علينا وعلى أولادنا"!
على نبض ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى بغزته والقدس ينصره طوفان البحر بيمنِه، وطوفان السماء بطير أبابيل) استمراراً تراكمياً لحرب تموز 2006 -- تختزل “رفح غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية .. وهكذا تُطيح غزة بأُسطورة “العجز العربي” حضاريّاً وثقافيّاً.. وتُعيد “النكبة” أو “النكسة” إلى موقعها التقني السياسي!
لكم غبطتُ أبينا آدم وكررتُ ذلك حيث تيقَّن ان اي كلمة تخرج من فمه لم يسبقه اليها بشر! فماذا أُحدّث عن غزة في غمرة وازدحام وتراكم التحليلات الاستراتيجية والجيوسياسية والعسكرية وبعضها أسير التمنيات، وبعضها تحكمه المخاوف، وبعضها حبيسمها معاً! وقد فاق الفعل المقاوم كل اعجاز وبلاغه!
وعليه اكتفي اليوم بالتركيز على معجزة صمود الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة العربية الاسلامية الوطنية وتَصدّيَهم للهجمة الصهيواوروبيكية بكل وحشيتها، وجرائمها، ومجازرها على مدي نيّفٍ وقرن من الزمان – هي هجمة بربرية تحتاج للإتيان بتوصيف قانوني جديد تضمه قواميس القضاء والعدل والمحاكم والهيئات الدولية .. نعم اكتفي هنا ببَركة التصدي لفكرة “العجز العربي” المصحوبة بالانحطاط والتخلف التي زرعها الاستعمار بكل اشكاله متّكئاً على مزاعم الاستشراق الغربي في تحليل الذات العربية وتحقير العرب وكأن الهزائم في ومن صلب تركيبتنا الجينية والنفسية – لكأن “النكبة” او “النكسة” مثلاً مفهوم ثقافي حضاري عربي، وليست مجرد مصطلح تقني سياسي. ان “ذمّ العرب” صناعة صهيواوروبيكية – ينام عليها بعض العرب – غايتها تعطيل “ديناميكية الازمنة” وانتاج العجز واليأس بوجه إسرائيل وعربدتها، و”عرقبادتها" .. ولعل هذا ان يعيدنا الى ما كتبته “ديانا فاخوري”، في اكثر من مناسبة، عمّن يسترسلون بخدعة منطق “ما بعد الأيديولوجيا – زمن العلم والإنسانية” ..
أرادوا وكم عملوا على تصوير الهزيمة والنكبة والنكسة بمختلف المسميات كجزء عضوي من آلية التنظيم الجيني والانزيمي العربي الثقافي الحضاري فخرجنا من الغيبوبة وقاتلناهم حتى من قبورنا؛ نحن الجيل الذي يُسقط خرافة “العجز الجيني العربي”، ويهزم الهزيمة من غزة الى اليمن .. نحن الجيل الذي يكسح ويشلّ المشروع الصهيوني برمّته ويحيله عاجزاً يائساً مستجيراً بالنار وقد أهلكتهم الروح الغزّية بصرختها ان الجنة اقرب الى غزة وكل فلسطين من سيناء ومن الاردن واي مكان!
وهذا يعيدنا الى الزعيم “أنطون سعاده” اذ يقول: “نحن لسنا أمة حقيرة، قليلة العدد، فقيرة الموارد، معدومة الوسائل. نحن أمة قوية عظيمة: قوية بمواهبها، غنية بمواردها، نشيطة بروحها” .. وهكذا أظهر الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة الاسلامية العربية الوطنية تصميماً وإرادة وعزماً وشجاعة وروحاً جهادية نضالية متميزة تستعيد مثال العربي الاسلامي “الامام الحسين” والعربي الفلسطيني “يسوع” بإنتصار الدم على السيف لنُبعَث من جديد اهلاً للحضارات الكبرى من السومرية، الى البابلية، فالعربية التي اهدت القارة العجوز عصراً للأنوار!
"عراضة" التصعيد حرباً تمهيداً للتسوية سلماً (ورحم الله الاستاذ أحمد العواد العربيات، وكان مديراً لمدرسة السلط الثانوية يوم علَّمنا هذه المقولة ونحن طلاب في الصف الاول ثانوي/العاشر) ..
وانسجاماً مع هذه المقولة، تزامن وصول الدبابات الإسرائيلية إلى معبر رفح، عند الحدود مع مصر، مع وصول الوفود المفاوضة إلى القاهرة حيث أرسلت "إسرائيل" وفدها إلى العاصمة المصرية للمشاركة في المحادثات غير المباشرة مع ممثلي المقاومة الفلسطينية .. كما وصل وفد قطري وآخر أميركي بقيادة رئيس "وكالة الاستخبارات المركزية"، وليام بيرنز، الذي كان امضى عدّة ايام متنقِّلاً بين مصر وقطر، في سياق محاولةٍ للتوصل إلى اتفاق .. وهكذا استبقت "اسرائيل" إرسال وفدها بعملية عسكرية محدودة وحملة إعلامية مضخّمة، شارك فيها القادة الأمنيون والسياسيون، وفي مقدّمتهم بنيامين نتنياهو، الذي تحدّث عن العملية في رفح، وكأنها "النصر الساحق والكامل" الذي طالما تعهّد به معلناً: "قواتنا رفعت الأعلام الإسرائيلية على معبر رفح، وأنزلت أعلام حماس" .. العالم يدرك ان هذا ليس الأ دليلاً آخراً على الفشل والعجز والتراجع واستمرار الغرق في الكذب وال"عرقبادة"، حتى لو تم دخول رفح واحتلال غزة بالكامل .. فمن قلب غموض المقاومة البناء، يدفعنا الأمل - وقد خبرناه فغلاً مدروساً، موزوناً، ومحسوباً بدقة - لتخطي معادلة "التطبيع مقابل رفح" عند فريدمان وبلينكن نحو معادلة "شبعا بارضها ومزارعها مقابل رفح" عند المقاومة والأحرار بطوفانهم .. وهنا تتمظهر وحدة الساحات فيشتعل البر والبحر، ويحجب الشمس طير أبابيل، وتغلق المنطقة من باب المندب إلى خليج عدن فمضيق هرمز وصولاً إلى البحر المتوسط!

نعم، " اسرائيل الى زوال":
نبوئتك - "ديانا" - الوشمٌ في الذاكرهْ غدت استراتيجيةً وفعلاً يطوف سماءً وبحراً و"اقصى" على ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 ليأتي إليك التاريخ مشيًا على قدميه ..
ف"هل تأتين باسمةً ..
وناضرةً ..
ومشرقةً كأزهار الحقول؟"

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
    نيسان ـ نشر في 2024/05/10 الساعة 00:00