استقالات إنسانية وأخلاقية

محمود خطاطبة
نيسان ـ نشر في 2024/05/14 الساعة 00:00
تزايدت في الآونة الأخيرة، مسلسلات تقديم مسؤولين أميركيين لاستقالاتهم من مناصبهم، احتجاجًا وتنديدًا بالحرب التي يشنها الكيان الصهيوني الغاصب على قطاع غزة، والتي قاربت من انتهاء شهرها السابع، وبلغ عديد ضحاياها 35 ألف شهيد، ثُلثاهم من الأطفال والنساء، ونحو 70 ألف جريح، من بينهم إصابات خطيرة، تسببت بإعاقات دائمة لأصحابها.

تعددت أسباب الاستقالات، والنتيجة واحدة، فتبرير أصحاب جميع تلك الاستقالات يدور حول نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بانتهاك دولة الاحتلال الإسرائيلي للمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية، ناهيك عن أنها ضد الإنسانية والأخلاق، والثانية تنتقد نهج وسياسة الولايات المُتحدة، بقيادة الرئيس الأميركي جو بايدن، تجاه ما يجري في غزة.

البداية كانت عندما استقالت المُتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية باللغة العربية، هالة راريت، بسبب مُعارضة سياسة إدارة الرئيس بايدن في القطاع، والتي اعتمدت نهج نشر معلومات مُضللة حول العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، تلاها جُملة من الاستقالات، اعترض أصحابها على إرسال أسلحة أميركية للكيان الصهيوني، والتي من خلالها يرتكب الأخير جرائم حرب، ويذبح الفلسطينيين، ما يجعل الرئيس بايدن شريكًا بإبادة جماعية، تُبث مُباشرة على الهواء.

وبعيدًا عن أسماء المسؤولين الأميركيين المُستقلين، ومناصبهم التي يتقلدونها، أو أسباب استقالاتهم، إلا أنها تبعث بعدة رسائل، أولها أنه قد يخرج من أصلاب أهل الظلم، والإبادات الجماعية، والمجازر الوحشية، والذين أوجدوا نظرية الكيل بمكيالين، وطبقوها على أرض الواقع، من يرفض الظلم والقهر الواقع على الغير، والانحياز الأعمى الذي يدل على وجود أمر سوء، بل أمور سيئة كثيرة، يُراد بها باطل، وهضم حقوق لشعب عانى من نير الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من خمسة وسبعين عامًا.

الكثير يعلم علم اليقين بأن هُناك جهات خفية تحكم وتُقرر وتفعل الأفاعيل التي يندى لها جبين الإنسانية، وتلفظها البشرية جمعاء.. لكن هناك أيضًا يوجد من يقول لا، ويقف بكُل ما أوتي من قوة، رافضًا بأعلى صوته السكوت، جبنًا كان أم استكانة، من إبادة شعب أعزل، ذنبه الوحيد بأنه يُطالب بزوال الاحتلال عن أراضيه، وإقامة دولته المُستقلة على ترابه الوطني.. تلك الأرض التي اغتصبت نهارًا جهارًا، على مرأى ومسمع عالم يدعي بأنه راع لحقوق الإنسان، وأب للحريات، وحام ومغيث لكل مظلوم.

نعم، نستطيع أن نُطلق عليها استقالات إنسانية أخلاقية، كما يتوجب علينا أن نُقر ونعترف بأن هُناك أُناسا لديهم الكثير من الأخلاق والإنسانية، يقدمون ما يستطيعون تقديمه، ولو كان على حساب أرزاقهم، لا بل إنهم مستعدون للحرب في سبيل ذلك.. فعندما تقول إحدى المسؤولات المُستقيلات بأنها «لا تعلم ماذا ستُجيب ابنتها عندما تكبر وتسألها ماذا فعلت لأهل غزة؟»، تلك تضحيات يجب أن تُنقش في الذاكرة لتعليمها لأجيال قادمة، أو حتى لإسماعها للبعض من أبناء جلدتنا، لعلى وعسى، أن تُحقق فائدة.

استقالات، يجب أن يُنظر إليها بكل احترام وتقدير، وإن كان مُعظمنا يعلم بأن القرارات التي تتخذ لصالح الصهاينة العلوج، مصدرها ليس مؤسسات، كما يدعي أهلها، وإنما مجموعات أو جهات لديها ما لديها من خطط وإستراتيجيات، كُلها بلا استثناء «شيطانية»، تسعى بشتى الوسائل لتحقيق أهدافها ومآربها، ولو على حساب رُضع، وأطفال لم يبلغوا الحلم بعد، ونساء تواصل الليل بالنهار لتربية فلذات أكبادهن، وتأمين كسرة خبز لسدّ جوع أولادها، وشيوخ ينتظرون الموت في كُل لحظة.
/الغد)
    نيسان ـ نشر في 2024/05/14 الساعة 00:00