الإخوان المسلمون في الأردن والدولة.. تفاهمات الأمر الواقع

إبراهيم غرايبة
نيسان ـ نشر في 2024/06/09 الساعة 00:00
أجريت انتخابات مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي يفترض أنها محظورة، ثم اجتمع مجلس الشورى وانتخب مراقبًا عامًا للجماعة، واجتمع مرة أخرى لإقرار تشكيلة المكتب التنفيذي، وأعلنت النتائج في وسائل الإعلام.
يحتاج انتخاب مجلس الشورى إلى اجتماع الهيئات العمومية للشعب (حوالي أربعين شعبة) وإلى تنظيم انتخابي عدا الاجتماع والانتخاب تديره لجنة عامة يتفرع عنها عشرات اللجان لمراقبة وتنظيم الانتخابات وفرز النتائج وإعلانها وإقرارها. ثم يجتمع مجلس الشورى المنتخب ويضيف بالانتخاب عددًا من الأعضاء، ثم يجتمع المجلس مرة أخرى بحضور الأعضاء الجدد الذين أضافهم المجلس لينتخبوا المراقب العام. ويفترض أن تكون قد جرت انتخابات أخرى موازية لانتخاب نواب الشعب وهيئاتها الإدارية، وهي عمليات كبيرة ومعقدة تحتاج إلى حضور أعداد كبيرة في مكان يتسع لهم وإثبات حضورهم. يصعب أن تكون مثل هذه العمليات الضخمة سرية وإن كانت بعيدة عن الإعلام. وهذا ما كان يجري أيضًا قبل عام 2015، العام الذي اعتبرت فيه الجماعة غير قانونية.
هذا الإعلان للنتائج والاهتمام الإعلامي لم يكن بالتأكيد تحديًا للسلطات السياسية بل بموافقتها الضمنية، وكذلك الأمر بالنسبة لتنظيم الانتخابات. من الواضح أن هناك رغبة حكومية بعودة الجماعة إلى الواجهة. وهي تفاهمات يحتاجها الطرفان (الحكومة والجماعة) وهي حالة فريدة في الأردن يصعب فهمها خارجه؛ إذ هي علاقة ليست عدائية مثل مصر، لكنها أيضًا ليست حميمة مثل تركيا. وليست رسمية مثل الجزائر والمغرب، وليست علنية ولا سرية.
طبيعة العلاقة بين الحكومة و “الإخوان”
ماذا تريد الحكومة من الإخوان المسلمين؟ ماذا يريد الإخوان؟ ما المصالح والمكاسب المتبادلة بين الطرفين التي تجعل أحدهما يحتاج إلى الآخر ولا يستغني عنه، وفي الوقت نفسه يتبادلان الحذر وعدم الثقة؟ لماذا لم يندمج الإخوان في حزب جبهة العمل الإسلامي أو في الجمعية المسجلة قانونيًا باسم الإخوان المسلمين، ويا دار ما دخلك شر؟!
يعكس مجيء مراد العضايلة رئيسًا لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن اتجاه تيارات الجماعة لاختيار قائد يتجاوز الإقصاء التاريخي الطويل الذي مارسته تيارات الجماعة تجاه بعضها البعض، وأدى إلى خروج عدد كبير من أعضاء الجماعة وقياداتها، ومواجهة تحديات كبيرة تهدد وجود الجماعة ومصيرها، مثل إدارة الاختراقات المتكررة للجماعة. وحتى يمكن تجاوز هذه الأزمة مع الحكومة ولا تسبب ملاحقة شاملة للجماعة وأن تبقى مسؤوليتها محصورة في المشاركين في الاختراقات الأمنية الخطيرة، مثل تهريب وتخزين السلاح والأموال، وضبط الأعضاء والمؤيدين لمنع العدائية والهيجان في الشارع أو محاولات الاقتراب من الحدود وربما التسلل منها أو التدفق إلى غزة والضفة بشكل قانوني أو سري للمشاركة مع حماس والجماعات المقاتلة، وإدارة العلاقة مع حماس التي هيمنت على الجماعة؛ إذ خرج أو أُخرج جميع الأعضاء والقادة المطالبين بإعادة تنظيم وأسس ومبادئ هذه العلاقة. في المقابل، فإن الدولة تخشى إذا ضعفت الجماعة أن تزيد الاختراقات الأمنية والفوضى في الشارع. الجماعة تتطلع إلى تهدئة العلاقة مع السلطة مقابل التزامها بضبط الأعضاء والمؤيدين، والدولة تتطلع إلى ضمانات عملية يركن إليها. وهي ضمانات تحتاج إلى قائد للجماعة يملك تأثيرًا على الجماعة وتياراتها.
“الإخوان” ضرورة للتسخين الإيجابي للانتخابات النيابية

ويشكّل الإخوان المسلمون ضرورة للتسخين الإيجابي للانتخابات النيابية وإضافة قدر من الحقيقة والتنافس والمعنى والجدوى للانتخابات؛ إذ يشبه غياب الإخوان عن الانتخابات أو إقصاؤهم غياب الفيصلي أو الوحدات من الدوري (أخشى أن يكون المثال ليس دقيقًا، فقد تعلمت مؤخرًا وبصعوبة الفرق بين كرة القدم وكرة اليد!).
على عكس ما يشاع ويبدو في وسائل الإعلام والمظاهرات، فإن المهندس مراد العضايلة أقرب إلى الوسطية بين تياري الواقعية السياسية (إذا صح الوصف) وبين تيار الأيديولوجية المعادية للدولة والمجتمع.
بالتأكيد هناك ردود وأمثلة صحيحة عن تصريحات وخطب العضايلة، وغيره من قادة الجماعة وحماس، لكن ذلك كان قبل أن ينتخب مراقبًا عامًا للجماعة. اليوم سيجد نفسه (ومطلوب منه أيضًا من قبل الجماعة والحكومة معًا) محتاجًا إلى واقعية سياسية وتنظيمية تخرج الجماعة من أزماتها المزمنة، لكن الأكثر إلحاحًا من بين هذه الأزمات تجنيب الجماعة مسؤولية عمليات تهريب وتخزين الأموال والأسلحة التي أعلن عنها قبل أيام قليلة، وقد تبين أن هناك عمليات سابقة وأن الأجهزة الأمنية كانت لديها معتقلون مشاركون في عمليات سابقة. ولم يظهر ذلك في الإعلام إلا عندما أفرج عن المعتقلين.
لماذا لم يصلح حزب جبهة العمل الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين المسجلة قانونيًا (قاطعها معظم الإخوان المسلمين) بديلاً يستوعب الإخوان المسلمين، وينظم عملهم العام على نحو قانوني وآمن؟ أعتقد أن الإجابة سيكولوجية متعلقة بالرموز والمعاني التي تعمل وفقها الجماعات الدينية وإن كانت لا تدرك ذلك تمام الإدراك أو تعترف به.
إن الدوافع المعنوية والشعور بالقداسة والمعنى الكبير لعمل الجماعات الدينية يبطلها أسلوب الأحزاب أو التنظيم القانوني للجمعيات. فالجماعات تعمل بدوافع ومحركات ورموز لا يدركها غير المشاركين في هذه الجماعات على اختلافها في جميع الأديان بلا استثناء.
المتدينون تدينًا جماعيًا أو جماعاتيًا تحركهم روابط وتقاليد ورموز لا يمكن تسجيلها أو تنظيمها قانونيًا، وإذا جرى ذلك تفقد الجماعة فاعليتها وتأثيرها. الأخ المسلم، على سبيل المثال، مستعد أن يتطوع بشغف لتنظيف حمامات الجماعة، لكنه لا يتحمس لاجتماع تنظيمي أو قيادي في الحزب أو في جمعية مسجلة لدى الحكومة!
فالجماعات هي “أخويات” وتسمية الإخوان مستمدة من “الأخوية”، تغذيها العلاقة القوية المتماسكة والولاء للجماعة، والسرية أيضًا. إن السرية في عمل الجماعات ضرورة تأسيسية لإضفاء القداسة على العضوية والانتماء والمشاركة فيها، فالحكمة والمعاني والبركة على قدر من الخفاء وتحل على نحو سري.
إن الأسرار في الجماعات ليست مسألة أمنية أو عمليات تهرب أو تخفٍ من الحكومات والسلطات أو الآخرين، لكنها عمليات رمزية مقدسة أو شبه مقدسة، وفي تكرارها والتزامها تتحول إلى طقوس مقدسة مثل الصلاة. السرية والتكرار هما المحور الأساس للجماعات الدينية.
لا يعترف الإخوان وكل الجماعات من كل دين أو مذهب أو اتجاه بهذه المقولة أو لا يدركونها بوضوح، لكنها حقيقة علمية بالنسبة للمتخصصين في مجال علم اجتماع الدين والتنظيم الاجتماعي وعلم نفس الجماعات.
    نيسان ـ نشر في 2024/06/09 الساعة 00:00