معركة اليمن الكبرى ليست عسكرية
نيسان ـ نشر في 2015/11/21 الساعة 00:00
يبدو أن معركة تحرير اليمن في مراحلها النهائية عسكريا وننتظر بفارغ الصبر دخول التحالف العربي والمقاومة الشعبية العاصمة صنعاء ولحسن الحظ فقد لعبت عوامل متعددة إقليميا لصالح القضية اليمنية حيث تحول الاهتمام جذريا نحو سوريا لأسباب لم تخطر ببال أعتى العابثين بأمن المنطقة.
على كل وكما يقول المثل الشعبي ستذهب "السكرة وتأتي الفكرة" والفكرة ليست معركة اليمن أبدا ضد دخلاء لم يكن لديهم منذ البداية مقومات البقاء.
معركة اليمن الكبرى الآن ومشكلته الأساسية هي أن عليه نفض قرون من التخلف في زمن قياسي فلم تبدأ مشكلة اليمنيين بعلي عبد الله صالح ولن تنتهي برحيله كما يتفاءل البعض.
لم تكن حلقة استخدام الحوثيين سوى الورقة الأخيرة بيد الرئيس السابق والمتتبع لتاريخ اليمن يجد أن ما استخدمه صالح هو نهاية مسلسل ابتدأ بعصر الإمامة وكان سينتهي لولا عناية الله بهم فقد ركب صالح موجة الثورة على الإمامة ثم استخدمها فزاعة من خلال حروب ستة خاضها هو نفسه ضد أنصارها وهم الحوثيون وفي الأثناء وخلال أكثر ثلاثين عاما من حكم اليمن فقد طوع صالح اليمنيين من خلال تخديرهم بشيء آخر لم يخطر للأسف حتى ببال اليمنيين فلقد استعمر صالح اليمنيين بالقات وما أدراكم ما القات.
في اليمن مشكلة خاصة جدا استفادت من عصر الحداثة في إحداث تخلف اجتماعي واقتصادي وعادة قبيحة استفحلت بسبب التكنولوجيا ألا وهي مشكلة القات.
يقال إن هذه النبتة دخلت مع أبرهة الأشرم حيث جلبها معه وأنبتها اليمن ثم لاحظ اليمنيون تأثيرها صدفة وكانت في البداية عادة عند كبار السن ثم انتشر مضغها في العقود الثلاثة الأخيرة على نحو خطير جدا قلب حياة اليمنيين رأسا على عقب وهناك على أية حال روايات شتى في كيفية دخول القات اليمن وهذا ليس اهتمامنا في هذا المقام.
يشار إلى أن 90% من البالغين اليمنيين يمضغون القات في فترة تصل إلى أربع ساعات يومياً، بينما تقّل نسبة تعاطيه لدى الإناث إلى 50%.
أدرجت منظمة الصحة العالمية القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة، بعدما أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت ست سنوات احتواء نبتة القات مواد مخدرة ولكن للأسف سكت حكم صالح عن هذا الخطر العظيم، وأصبح القات يباع على أرصفة الشوارع منذ قبل الظهيرة وحتى المساء في حين أن الهم الأكبر لمعظم الرجال في هذه الفترة من النهار أن يبتاعوا حصتهم من هذه النبتة اللعينة التي جلبت الدمار لليمن.
أزعم أن القات أهدر أموالا وخرب عقولا وأشاع فسادا في اليمن أكثر بألف مرة مما فعله الرئيس السابق علي عبد الله صالح. يقولون أن ثروة صالح بلغت ستين مليارا وأقول هذا رقم متواضع جدا بل لا يكاد يذكر قياسا بما سرقته نبتة القات من جيوب اليمنيين, فأنا شاهد عيان وأروي لكم ماذا يحصل فحين يذهب اليمني ليبتاع القات يكون قد ترك عمله وبدد كل الأولويات وهذا يحصل للأسف كل يوم ولا نقول كل أسبوع أو كل شهر ثم يتناول غداء دسما حتى تتحمل المعدة عصارة القات ثم يذهب الى سوق القات ثم تبدأ حلقة كل يوم: شراء ضمة قات تكفي مضغ ساعات حتى المغرب وقد تبدأ جولة ثانية بعد العشاء تنتهي عند منتصف الليل ثم لا نوم لأن القات منبه عظيم المفعول ولو جرى عليه تعريف الأمم المتحدة للمخدرات التي تشمل ما ينبه الأعصاب وما يخدرها ولأنه لا نوم حتى ساعات الفجر الأولى ولا سيما لمن يتناوله حتى ساعة متأخرة من الليل فهذا يعني كسلا عظيما في بداية اليوم لا ينتهي إلا برحلة البحث عن القات في اليوم التالي.
القات في اليمن إذن محور حياة أكثر من عشرة ملايين يمني فلو قلنا بالمتوسط المتواضع أن تكلفة مضغ القات لليمني فقط عشرة دولارات يوميا فهذا يعني على مدار عشرات السنين أرقاما فلكية لا تساوي الستين مليار دولار التي ابتلعها صالح إن صحت الرواية شيئا بجانبها.
الفقرة السابقة تحدثت فقط عن الأثر الاقتصادي المباشر أما إذا تحدثنا عن الأثار الصحية والاجتماعية فنحن على سبيل المثال في الأثر الصحي نتحدث عن شجرة يتم إنباتها غصبا عن الطبيعة بالمواد الكيماوية والهرمونات على مدار العام فإذن اليمنيون ربما أدمنو ليس فقط على مكونات العشبة ذاتها بل أيضا أدمنو على ما اختلط بها من مواد كيماوية خطرة أورثتهم نسبا هائلة في مرض السرطان والفشل الكلوي ونقص النمو.
أما في الأثر الاجتماعي وهذه روايتي كشاهد عيان أيضا فربما يحرم اليمني أطفاله في بعض الحالات من الخبز ليشتري القات وفي الكثير من الحالات يأكل اللحم خارج البيت لتتحمل معدته القات أما زوجته وأطفاله فتضطر الزوجة المسكينة الى طهو بعض الخضار لتطعم أطفالها كي ينعم زوجها بالقات ومستلزماته هذا طبعا إن لم تكن الأسرة ميسورة الحال وتستطيع توفير هذا وذاك. أما عندما يعود اليمني الى المنزل إن عاد ولم يذهب مع أصدقاءه لمجلس قات فهو إن لم تشاركه زوجته مضغ القات مضطر أن يجلس وحيدا سارحا في شعور الغبطة الذي يوفره مضغ القات حتى منتصف الليل أحيانا.
إذن لماذا نستغرب أن بلدا مثل اليمن يمتلك ألفي كيلو متر على أغنى شواطئ العالم بالثروة السمكية ويمتلك نفطا وغازا وثروات طبيعية ليس لها في العالم مثيلا ولديه جزر خلابة ولديه كل المقومات لأن يكون فاحش الثراء ومع ذلك فنسبة سوء التغذية لدى أطفاله تتجاوز الهند التي يعيش فيها ثلاثمائة مليون إنسان في الشوارع.
ولكل ما سبق نقول إن أول ما يجب أن يطاح به بعد انتصار الثورة في اليمن هو القات وإلا فانتصار الثورة ليس سوى وهم سيتبدد سريعا بفعل القات ومافياته مهما أنفق من أموال من أجل إعادة الإعمار.
نيسان ـ نشر في 2015/11/21 الساعة 00:00