الحياد

اسماعيل الشريف
نيسان ـ نشر في 2024/06/23 الساعة 00:00
«الحكمة في الصمت والسعادة في النوم»، سقراط.
العرب لا يتعلمون من التاريخ، ففي الحروب الكبرى لا مكان للحياد.
في صيف عام 1914، كانت أوروبا تعاني من التوترات السياسية والتحالفات العسكرية؛ قررت ألمانيا تنفيذ خطة "شليفن" التي تهدف إلى هزيمة فرنسا بسرعة عن طريق غزوها عبر بلجيكا التي كانت تقف على الحياد، كما يقف العرب على الحياد تجاه الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة.
في 4 آب دخلت القوات الألمانية بلجيكا، وكان الغزو وحشيًّا؛ حيث استخدم الألمان فيه سياسة الأرض المحروقة، فدمروا المدن والبلدات البلجيكية لمنع القوات البلجيكية من استخدامها لمقاومتهم، تعرضت مدينة لوفان لدمار شامل، بما في ذلك مكتبتها الشهيرة التي احتوت على مخطوطات وكتب نادرة تعود للقرون الوسطى.
فيما كنا نذبح الخراف إحياءً لشعيرة عظيمة، كان أطفال غزة يُذبحون على مرأى منا، وتزامن ذلك مع اجتماع قائد القيادة المركزية الأمريكية "الجنرال مايكل كوريلا" مع رئيس جيش الاحتلال، وبعد ذلك جمع لجنة من كبار قادة الجيوش العربية في المنامة، كان هدف الاجتماع شحذ همم الحكومات العربية لحماية ظهر الصهاينة عن طريق المشاركة في قوات حفظ السلام في غزة بعد انتهاء المجزرة، لأن الصهاينة سيتوجهون شمالًا لقتال حزب الله، أو هكذا يزعمون، ولا يستطيعون فتح جبهتين قتاليتين في آن واحد بعد أن أعيَتهم غزة.
رفض العرب الاقتراح الأمريكي مجددًا وقالوا لهم: "ألم نكن على الحياد طيلة الشهور التسعة الماضية؟ أكملوا مهمتكم ونحن ها هنا قاعدون، نحن لم نتدخل في حربكم ولن نتدخل بعدها، لا نريد أن نتواجه مباشرةً مع حماس في غزة خوفًا أو خجلاً لا فرق، لأن حماس تحظى بشعبية لدى الشعوب العربية، وهذا سيسبب لنا إحراجًا إضافيًّا قد يؤدي إلى تفجر ثورات لن نستطيع قمعها. لذلك نرجوكم، أبقونا خارج تلك اللعبة! يا سيد كوريلا، اطلب أي شيء إلا هذا، إذا ما دخلنا في هذه القوات سنكون في حرب مفتوحة مع حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة، وقد خضنا مسبقًا تجربة مريرة مع الحوثيين لا نريد تكرارها مرة أخرى، هذه مخاطرة تفوق طاقاتنا."
يا سيد كوريلا، هذه الحرب أثبتت أن مشكلة المنطقة هي ذلك الكيان الغاصب الذي يرتكب إبادة جماعية منذ تسعة شهور، وهذه الإبادة لن تحمي الدولة المارقة، لكنها ستمهد لحروب كثيرة قادمة، أوقفوا هذه الإبادة الجماعية وسينتهي كل شيء، ولكن فيما يبدو أن الكيان يأبى إلا أن يدفع نفسه للهلاك. هل وصلت رسالتنا؟
سوف يندم العرب على حيادهم هذا، وسيخلد التاريخ موقفهم المتخاذل، وإذا ما وقعت الحرب الكبرى قد يجدون أنفسهم فيها برغم أنوفهم، وسيندمون لأنهم منذ اليوم الأول لم يقفوا مع أطفال غزة وهم يُذبحون.
    نيسان ـ نشر في 2024/06/23 الساعة 00:00