التقارب السعودي الإيراني

اسماعيل الشريف
نيسان ـ نشر في 2024/06/24 الساعة 00:00
«عن أُمّنا عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما منكِ بابًا»، حديث شريف.
تقول القصة، بأنه إبان الفتنة الكبرى بين سيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أرسل قيصر الروم برسالة كتب فيها: علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة، فلو أمرتني أرسلت لك جيشًا أوله عندك وآخره عندي يأتون إليك برأس علي، ورد سيدنا معاوية فكتب: أخّان تشاجرا، فما بالك تدخل فيما بينهما وتعلي من نباحك، إن لم تُخرس نباحك أرسلت إليك جيشًا أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي!
ظهر إمبراطور الروم بايدن على شاشة التلفاز يقول بأن جائزة الكيان الكبرى بوقف إطلاق النار والحديث عن دولة فلسطينية هو التطبيع الكامل مع المملكة العربية السعودية.
أعرف أن بايدن كان يتحدث بلغة الأماني، فمن شاهد حضور وزيري خارجيتي السعودية والإمارات جنازة رئيس إيران إبراهيم رئيسي لفهم تمامًا أن هنالك رسالة من هذه المشاركة.
الرسالة هي أن السعودية قد عزمت أمرها أنه لا تطبيع مع الكيان إلا بعد إقامة دولة فلسطينية، والوجهة هي إيران، فقامت أولاً باختبار المياه، فأرسلت مملكة البحرين للتطبيع مع إيران، فالعلاقة بين البلدين تتيح مثل هذه الخطوة، فالسعودية هي الشقيق الأكبر للبحرين، وإذا ما أرادت المملكة اختبار شيء فإنها تجس النبض من خلال البحرين، وعلى ضوئها تقرر إذا ما كانت ستمضي أم ستتوقف فيما هي ماضيه إليه.
سياسة السعودية بطيئة متحفظة، فهي أكبر دولة عربية وتقود المعسكر السُّنّي، فكل خطوة يجب أن تكون محسوبة بدقة.
والسبب الثاني لقيام البحرين بهذه الخطوة بدعم سعودي لأسباب عديدة:
1- تعرف دول المنطقة أن الولايات المتحدة تبتزها بالخطر الإيراني حتى تبيعها السلاح، وتستبدل العدو الصهيوني بعدو جديد هو إيران.
2- بعد هزيمة الكيان في حرب غزة ومن خلفها الولايات المتحدة أصبح أي حديث عن تحالف عربي صهيوني في مواجهة إيران هي نكتة سمجة، فالكيان خسر حربًا أمام فصيل مسلح!
3- إن أي تقارب مع إيران يساهم في تهدئة الشيعة في الدول العربية، واستمرار الحكم السني لها.
4- بعد طوفان الأقصى ينظر العرب إلى الكيان على أنه كيان مجرم دموي، فقد حول المنطقة إلى جحيم، وأنه لا يمكن أبدًا الوثوق بالولايات المتحدة، فحليفتها الحقيقية الوحيدة هي الدولة المارقة.
5- لقد أصبحت إيران وحلفاؤها بعد طوفان الأقصى قوة إقليمية، فحزب الله يوجه الإهانات للكيان، والحوثي يغلق البحر الأحمر، ويقصف مدمرة أيزنهاور أمريكية، فترد الولايات المتحدة بقتل المدنيين، وفصائل المقاومة في العراق ترسل صواريخها ومسيراتها إلى فلسطين المحتلة وتضرب القواعد الأمريكية في العراق، وأي حرب قادمة ضد إيران أو حزب الله سيخسرها الكيان.
6- إيران حقيقة متجذرة موجودة في المنطقة كما الدول العربية الأخرى، على خلاف الكيان أو الولايات المتحدة، فهم دول طارئة في المنطقة ستذهب؛ لذلك فمن الأفضل التعامل بين الجيران بلغة السلام بدلاً من الحرب.
7- من نتائج طوفان الأقصى سيكون تراجعًا ملموسًا لنفوذ للولايات المتحدة في المنطقة، مفسحة المجال لقوى جديدة على رأسها الصين، فهذه الثنائية تتيح للدول العربية مرونة أكبر في سياساتها الخارجية.
وأخيرًا تعلم السعودية من أن فوز ترامب في الانتخابات لن يغير شيئًا، بل على العكس، فالولايات المتحدة قد تُقبِل على حرب داخلية ستكون منشغلة بها.
سنرى قريبًا حِلفين في المنطقة؛ أحدهما سعودي إيراني صيني، وستكون مصر جائزة أحد المتنافسين، وستبدأ الدول الأخرى بالانضمام الى أحدهما، فطوفان الأقصى قد أجهز على النظام العالمي بشكله الحالي.
    نيسان ـ نشر في 2024/06/24 الساعة 00:00