الإرهاب بين الأسد وهستيريا (داعش)
نيسان ـ نشر في 2015/11/21 الساعة 00:00
بات أمراً واقعاً لا بد من الاعتراف به. الغرب في حال ارتباك أمام الإرهاب. مذبحة باريس التي تبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لم تكشف شيئاً جديداً عن مدى وحشية هذا التنظيم الإرهابي وهمجيته. لكنها أطلقت حالاً من الهستيريا في الغرب تمكن تسميتها بـ«هستيريا داعش»، وهي كذلك لأنها تأخذ كل ملامح الهستيريا التي تغذيها مشاهد الدم والقتل العشوائي لأبرياء فرنسيين كانوا يتناولون طعاماً في مطعم، أو يشاهدون مباراة كرة قدم، أو مسرحية، ولا علاقة لهم، لا من قريب أو بعيد، بصراعات تدور رحاها في منطقة نائية اسمها الشرق الأوسط. ولأن هذا استهداف يمثل ذروة الإجرام والاستهتار بأرواح الناس لم ترتفع الأصوات مطالبة بالقضاء على «داعش» وحسب، بل تجاوزتها إلى المطالبة بإخضاع المسلمين الأوروبيين والأميركيين لمعاملة خاصة، وبعدم قبول المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وأميركا. الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند اقترح تغيير الدستور الفرنسي لهذا الغرض تحديداً. وهناك الآن حكام 11 ولاية أميركية تعهدوا بالعمل على عدم قبول أي مهاجر مسلم في ولاياتهم. بل إن بعضهم قال إنه لن يقبل مهاجرين من الشرق الأوسط من غير المسيحيين. وإذا أضفنا إلى ذلك الموقفَ العنصري لليمين المتطرف في أوروبا من العرب والمسلمين، وتصاعدَ هذا الموقف في أعقاب موجة المهاجرين وهجمات باريس الأخيرة، فإنه يعكس مؤشراً مقلقاً على تصدع في ثقافة العلمانية، وتراجع لمفهوم المواطنة المدني في الغرب.
هذا حال من التعبير العاطفي المباشر، أو العنصري أمام موجة إرهابية لها سياق تاريخي فيه الكثير من الإرهاب الذي يتداخل، تقاطعاً أحياناً وتنافراً أحياناً أخرى، بصراعات سياسية لها ما يبررها. وقد اختزلت هذه الهستيريا في سؤال ذي دلالة: هل يجب التخلص أولاً من «داعش» أم من الرئيس السوري بشار الأسد؟ أصوات كثيرة في الغرب الآن تطالب بأن تكون الأولوية للتخلص من «داعش». بالنسبة إلى هؤلاء ليس مهماً ما حصل ويحصل للشعب السوري على يد «داعش» ونظام الأسد، الأهم من ذلك ما حصل وما يمكن أن يحصل للأوروبيين على يد هذا التنظيم. الشعب السوري يتعرض للقتل يومياً منذ ما يقرب من خمس سنوات، وقد قتل منه حتى الآن أكثر من 300 ألف، وهجّر أكثر من عشرة ملايين. لكن الهستيريا لم تصب أوروبا وأميركا إلا بعد مقتل 129 فرنسياً في مذبحة باريس. هل في هذا الموقف رائحة عنصرية؟ أم أنه موقف طبيعي للطرف الأقوى في الصراعات الدولية عندما يفقد رشده ورؤيته الاستراتيجية في لجّة هذه الصراعات؟
سؤال آخر: هل من المصلحة أو الحكمة السياسية اختزال أزمة الشرق الأوسط في «داعش» وضرورة التخلص منه كأولوية سابقة على غيرها؟ ينطلق هؤلاء من أن تنظيم «داعش» هو الذي يهدد أمنهم وعيشهم، ويستهدفهم مباشرة وليس الرئيس السوري أو الميليشيات التي تحارب دفاعاً عنه. يعترفون بأن الأسد ديكتاتور دموي، وبأن له مساهمة ودوراً كبيراً في تفشي الإرهاب في المنطقة. لكن دوره ومساهمته في كل ذلك لا يطاولان أوروبا أو أميركا مباشرة. ماذا عن تهديد الإرهاب بكل ألوانه للمنطقة، ولحلفاء الغرب في هذه المنطقة؟ أبرز من يمثل هذا الاتجاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه وزير خارجيته جون كيري. كلاهما يرى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي ونهاية للحرب الأهلية في سورية من دون خروج بشار الأسد من المشهد نهائياً. في هذا إقرار بأن بقاء الأسد عامل رئيس في تفشي الإرهاب، أو كما يردد كيري بأن الأسد بات عامل جذب للإرهابيين، إلا أن سياسة أوباما منذ بداية الثورة السورية ساهمت وتساهم في إطالة أمد بقاء الأسد، وبالتالي في تفاقم ظاهرة الإرهاب. هل من المبالغة القول في هذه الحال إن السياسة الأميركية تساهم، وإن بشكل غير مباشر أو مقصود في تغذية الإرهاب، وتحديداً إرهاب داعش؟ تماشياً مع ذلك تنهمك إدارة أوباما، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، بما يسميه جون كيري سياسة الحل الانتقالي التي يفترض أن تبدأ بعد أسابيع، كما يقول. واللافت في هذه السياسة أنها تنطلق من التعاون مع روسيا فلاديمير بوتين التي ترى أن لا شأن للحل السياسي في سورية بمصير الأسد، وأن هذا يجب أن يترك للشعب السوري يقرر في شأنه ما يراه.
السؤال الذي يتجاهله أوباما وكيري هنا هو: هل سيفضي هذا الحل الانتقالي إلى ترجيح رؤية أوباما برحيل الأسد، أم رؤية بوتين ببقائه في المشهد؟ وكيف؟ واشنطن وموسكو متفقتان على أن الأولوية الآن هي للقضاء على «داعش». الإشكالية ليست في تبني هذه الأولوية بحد ذاتها، وإنما في أنها أولوية يتم تبنيها بشيء من التكاذب المتبادل، ومن دون استراتيجية واضحة، أو هدف نهائي متفق عليه بين الأطراف التي اجتمعت في فيينا. ماذا مثلاً لو تحقق القضاء على «داعش» (وهو أمر مشكوك فيه على كل حال) وتسبب ذلك بتعزيز قوة الأسد؟ هذه نتيجة لا تتسبب بقلق كثير في موسكو. على الناحية الأخرى، المفترض أن هذه النتيجة تقلق واشنطن كثيراً. لكن يبدو أن أوباما إما غير آبه بإمكان هذه النتيجة، أو يرى أن إمكان تحققها ضعيف في كل الأحوال. كيف؟ لا أحد يعرف. هنا يتضح الغموض في سياسة إدارة أوباما تجاه الحال السورية، ومن ثم حال الإرباك التي تتسبب بها بين حلفاء واشنطن.
في هذا السياق يتذكر الجميع صفقة نزع السلاح الكيماوي للنظام السوري عام 2013، التي تمت بوساطة ومبادرة روسية. حصل ذلك في أعقاب استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في صيف ذلك العام. وانتهت الصفقة بأمرين لافتين: تراجع أوباما الشهير عن خطه الأحمر، والسماح للروس بتحقيق مكسب سياسي للأسد، ساهم في إطالة أمد بقائه. تفرض هذه السابقة التشكيك في موقف أوباما المعلن من الحل الانتقالي الذي انتهى إليه اجتماع فيينا. كما تفرض عدم استبعاد تراجعه عن شرط تنحي الأسد وخروجه من المشهد في نهاية الحل الانتقالي. وهذا أمر وارد جداً ولا ينبغي استبعاده، فالعملية السياسية لمقترح الحل الانتقالي هي الآن تحت السيطرة الروسية بفعل وجودها العسكري في سورية. وبوتين ليس معروفاً بميوله الشعبية أو الديموقراطية. وبما أن بشار الأسد في عرف الرئيس الروسي هو رئيس منتخب شعبياً، فما الذي يمنع إعادة انتخابه بالآلية نفسها في نهاية المرحلة الانتقالية؟ وإمكان تراجع أوباما مرة أخرى هو ما توحي به تصريحاته ووزير خارجيته، وهي تصريحات غامضة ومطاطة وتحتمل أكثر من معنى وأكثر من تفسير.
الشاهد هنا أولاً: أن الحل الانتقالي المقترح مؤشر على حجم التراجع السياسي في الغرب عن الرؤية الاستراتيجية التي عرف بها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة التي أفضت إليها. أصبح الخوف والتردد، والرؤية الآنية الضيقة هي التي تسم الفكر السياسي الغربي. وهذا ما يتجسد في سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط، وتأثيرها الواضح على المواقف الأوروبية. والشاهد ثانياً: أن ما حصل في باريس، وقبله في بيروت، لا يمكن فصله كنتيجة عن هذا التحول في السياسة الغربية من حيث أنه ترك الوضع السياسي في الشرق الأوسط يتعفن سنة بعد أخرى. أهل المنطقة هم المسؤول الأول عن ذلك، صحيح، لكن حجم الغرب وحضوره في الصراعات الدائرة فيها لا يعفيه من المسؤولية أيضاً. والمساحة التي يتم تجاهلها بين المسؤوليتين تغذي الإرهاب ومعه حال الهستيريا في الغرب حالياً. التساهل مع «داعش» جريمة، لكن التذرع بوحشية هذا التنظيم للتساهل مع الأسد يفضي إلى الجريمة ذاتها. لنتذكر أن «داعش» ظهر بعد الغزو الأميركي للعراق، وفي ظل نظام الأسد الذي يمتد عمره قرابة نصف قرن من الزمن. كيف يمكن الفصل بين السبب والنتيجة في هذه الحال؟ الحياة
هذا حال من التعبير العاطفي المباشر، أو العنصري أمام موجة إرهابية لها سياق تاريخي فيه الكثير من الإرهاب الذي يتداخل، تقاطعاً أحياناً وتنافراً أحياناً أخرى، بصراعات سياسية لها ما يبررها. وقد اختزلت هذه الهستيريا في سؤال ذي دلالة: هل يجب التخلص أولاً من «داعش» أم من الرئيس السوري بشار الأسد؟ أصوات كثيرة في الغرب الآن تطالب بأن تكون الأولوية للتخلص من «داعش». بالنسبة إلى هؤلاء ليس مهماً ما حصل ويحصل للشعب السوري على يد «داعش» ونظام الأسد، الأهم من ذلك ما حصل وما يمكن أن يحصل للأوروبيين على يد هذا التنظيم. الشعب السوري يتعرض للقتل يومياً منذ ما يقرب من خمس سنوات، وقد قتل منه حتى الآن أكثر من 300 ألف، وهجّر أكثر من عشرة ملايين. لكن الهستيريا لم تصب أوروبا وأميركا إلا بعد مقتل 129 فرنسياً في مذبحة باريس. هل في هذا الموقف رائحة عنصرية؟ أم أنه موقف طبيعي للطرف الأقوى في الصراعات الدولية عندما يفقد رشده ورؤيته الاستراتيجية في لجّة هذه الصراعات؟
سؤال آخر: هل من المصلحة أو الحكمة السياسية اختزال أزمة الشرق الأوسط في «داعش» وضرورة التخلص منه كأولوية سابقة على غيرها؟ ينطلق هؤلاء من أن تنظيم «داعش» هو الذي يهدد أمنهم وعيشهم، ويستهدفهم مباشرة وليس الرئيس السوري أو الميليشيات التي تحارب دفاعاً عنه. يعترفون بأن الأسد ديكتاتور دموي، وبأن له مساهمة ودوراً كبيراً في تفشي الإرهاب في المنطقة. لكن دوره ومساهمته في كل ذلك لا يطاولان أوروبا أو أميركا مباشرة. ماذا عن تهديد الإرهاب بكل ألوانه للمنطقة، ولحلفاء الغرب في هذه المنطقة؟ أبرز من يمثل هذا الاتجاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه وزير خارجيته جون كيري. كلاهما يرى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي ونهاية للحرب الأهلية في سورية من دون خروج بشار الأسد من المشهد نهائياً. في هذا إقرار بأن بقاء الأسد عامل رئيس في تفشي الإرهاب، أو كما يردد كيري بأن الأسد بات عامل جذب للإرهابيين، إلا أن سياسة أوباما منذ بداية الثورة السورية ساهمت وتساهم في إطالة أمد بقاء الأسد، وبالتالي في تفاقم ظاهرة الإرهاب. هل من المبالغة القول في هذه الحال إن السياسة الأميركية تساهم، وإن بشكل غير مباشر أو مقصود في تغذية الإرهاب، وتحديداً إرهاب داعش؟ تماشياً مع ذلك تنهمك إدارة أوباما، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، بما يسميه جون كيري سياسة الحل الانتقالي التي يفترض أن تبدأ بعد أسابيع، كما يقول. واللافت في هذه السياسة أنها تنطلق من التعاون مع روسيا فلاديمير بوتين التي ترى أن لا شأن للحل السياسي في سورية بمصير الأسد، وأن هذا يجب أن يترك للشعب السوري يقرر في شأنه ما يراه.
السؤال الذي يتجاهله أوباما وكيري هنا هو: هل سيفضي هذا الحل الانتقالي إلى ترجيح رؤية أوباما برحيل الأسد، أم رؤية بوتين ببقائه في المشهد؟ وكيف؟ واشنطن وموسكو متفقتان على أن الأولوية الآن هي للقضاء على «داعش». الإشكالية ليست في تبني هذه الأولوية بحد ذاتها، وإنما في أنها أولوية يتم تبنيها بشيء من التكاذب المتبادل، ومن دون استراتيجية واضحة، أو هدف نهائي متفق عليه بين الأطراف التي اجتمعت في فيينا. ماذا مثلاً لو تحقق القضاء على «داعش» (وهو أمر مشكوك فيه على كل حال) وتسبب ذلك بتعزيز قوة الأسد؟ هذه نتيجة لا تتسبب بقلق كثير في موسكو. على الناحية الأخرى، المفترض أن هذه النتيجة تقلق واشنطن كثيراً. لكن يبدو أن أوباما إما غير آبه بإمكان هذه النتيجة، أو يرى أن إمكان تحققها ضعيف في كل الأحوال. كيف؟ لا أحد يعرف. هنا يتضح الغموض في سياسة إدارة أوباما تجاه الحال السورية، ومن ثم حال الإرباك التي تتسبب بها بين حلفاء واشنطن.
في هذا السياق يتذكر الجميع صفقة نزع السلاح الكيماوي للنظام السوري عام 2013، التي تمت بوساطة ومبادرة روسية. حصل ذلك في أعقاب استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في صيف ذلك العام. وانتهت الصفقة بأمرين لافتين: تراجع أوباما الشهير عن خطه الأحمر، والسماح للروس بتحقيق مكسب سياسي للأسد، ساهم في إطالة أمد بقائه. تفرض هذه السابقة التشكيك في موقف أوباما المعلن من الحل الانتقالي الذي انتهى إليه اجتماع فيينا. كما تفرض عدم استبعاد تراجعه عن شرط تنحي الأسد وخروجه من المشهد في نهاية الحل الانتقالي. وهذا أمر وارد جداً ولا ينبغي استبعاده، فالعملية السياسية لمقترح الحل الانتقالي هي الآن تحت السيطرة الروسية بفعل وجودها العسكري في سورية. وبوتين ليس معروفاً بميوله الشعبية أو الديموقراطية. وبما أن بشار الأسد في عرف الرئيس الروسي هو رئيس منتخب شعبياً، فما الذي يمنع إعادة انتخابه بالآلية نفسها في نهاية المرحلة الانتقالية؟ وإمكان تراجع أوباما مرة أخرى هو ما توحي به تصريحاته ووزير خارجيته، وهي تصريحات غامضة ومطاطة وتحتمل أكثر من معنى وأكثر من تفسير.
الشاهد هنا أولاً: أن الحل الانتقالي المقترح مؤشر على حجم التراجع السياسي في الغرب عن الرؤية الاستراتيجية التي عرف بها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة التي أفضت إليها. أصبح الخوف والتردد، والرؤية الآنية الضيقة هي التي تسم الفكر السياسي الغربي. وهذا ما يتجسد في سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط، وتأثيرها الواضح على المواقف الأوروبية. والشاهد ثانياً: أن ما حصل في باريس، وقبله في بيروت، لا يمكن فصله كنتيجة عن هذا التحول في السياسة الغربية من حيث أنه ترك الوضع السياسي في الشرق الأوسط يتعفن سنة بعد أخرى. أهل المنطقة هم المسؤول الأول عن ذلك، صحيح، لكن حجم الغرب وحضوره في الصراعات الدائرة فيها لا يعفيه من المسؤولية أيضاً. والمساحة التي يتم تجاهلها بين المسؤوليتين تغذي الإرهاب ومعه حال الهستيريا في الغرب حالياً. التساهل مع «داعش» جريمة، لكن التذرع بوحشية هذا التنظيم للتساهل مع الأسد يفضي إلى الجريمة ذاتها. لنتذكر أن «داعش» ظهر بعد الغزو الأميركي للعراق، وفي ظل نظام الأسد الذي يمتد عمره قرابة نصف قرن من الزمن. كيف يمكن الفصل بين السبب والنتيجة في هذه الحال؟ الحياة
نيسان ـ نشر في 2015/11/21 الساعة 00:00