أم خالد الصابرة في حضرة الغياب

محمد المحيسن
نيسان ـ نشر في 2024/07/26 الساعة 00:00
لو قُدِّر لها أن تعود لتستلقي بجانب شجرة التين المغروسة داخل "الحوش" في منزلنا المتواضع الذي بقي متروكًا بلا سكان في مخيم العروب، لما توانت عن ذلك. كان هذا، وذكريات المدرسة وأشياء أخرى عن الطفولة في المخيم، الحديث الأخير الذي دار بيني وبين شقيقتي أم خالد قبل رحيلها عن الدنيا بساعات، وقبل أن تطلب مني الدعاء بالرحمة، استدارت نحو القبلة وبيدها المسبحة.
وكأنها اشتاقت إلى ذلك المكان العذب والمريح، بعد سنوات من الجهد والتعب والانتظار والصبر الذي بلغ حد الشقاء. سنوات تعلمت فيها فن التعايش مع الغياب ومع تقلبات الحياة، بل والتماهي مع الظروف الصعبة مهما كانت قاسية بصمت وصبر المحتسب.
لم تكن أم خالد شقيقتي التي رحلت عن الدنيا بعد معاناة مع مرض السرطان سوى امرأة صقلتها التجارب وأكسبتها مزيجًا من حب الحياة، فتعالت على الألم حتى بتنا نظن أنها شفيت من مرضها الخبيث مع كل زيارة لمنزلها الكريم. صحيح أن الفراق هو القاتل الصامت، والقاهر الميت، والجرح الذي لا يبرأ، ورغم كل هذا، ما ينبغي علينا سوى الصبر رغم لحظات الضعف التي تلاحقنا من حين إلى حين. فقد كنت عنوانًا للصبر والاحتساب وربما كنت آخر تلك السلالة الباسلة التي لم تفقد المناعة، ولم تفقد الشغف والتعلق بأمل إلى المدى الأخير.
كانت أم خالد أماً عظيمة لثمانية أبناء، عانت في الحياة منذ شبابها في سبيل تربيتهم وتحمل مسؤوليتهم. لم تستسلم للظروف بعد وفاة زوجها، وعلى قدر شدة وألم الفراق لزوجها استطاعت الحفاظ على الأسرة وتماسكها بيد صلبة، ولكنها مليئة بالحنان والدفء وأحيانًا الشدة.
رحمك الله شقيقتي أم خالد، فقد صبرت صبر الجبال ولن يخذلك الله أبدًا، فهو من وعد الصابرين بالنعيم.
    نيسان ـ نشر في 2024/07/26 الساعة 00:00