عندما يغضب الرئيس

اسماعيل الشريف
نيسان ـ نشر في 2024/08/06 الساعة 00:00
ما نفع الكلام إذا لم يتبعه عمل - بنيامين فرانكلين
تذكرني العلاقة بين الإدارة الامريكية ونتن ياهو بقصة الرجل الذي هجم عليه لصوص فأخذُوا إبله ولم يستطع مقاومتهم فلما بعدُوا عنه اعتَلى تلة وأخذ يسبهم أقبح السباب ثم رجع إلى قومه فسألوهُ عن الإبل وعما صنع؟ فقال: " أشبعتهم شتماً وفرّوا بالإبل "فصارت مثلاً لمن يقصر فعلهُ ويطلق لسانه.
في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، خلال زيارة نتن ياهو الشهيرة إلى الولايات المتحدة، اجتمع مع بايدن في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وحسب ما تداولته وسائل الإعلام، فقد رفع بايدن صوته وكان غاضبًا، وأعرب عن مخاوفه بشأن الوضع الإنساني في غزة، وانتقد بحزم استمرار العمليات العسكرية. ثم ناقش ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين.
وفور انتهاء الاجتماع، وبدلاً من أن يستجيب نتنياهو لدعوات بايدن "الغاضبة والحازمة" بإيقاف الحرب، قام باغتيال الشهيد إسماعيل هنية، الشخص الذي كان يفاوضه للوصول إلى الهدنة وإطلاق سراح المحتجزين. ثم أطلق صاروخًا على رأسي الصحفي والمصور اللذين كانا يتابعان الخبر، وارتكب عشرات المجازر بحق المدنيين في غزة.
وبعد أن قام نتن ياهو باغتيال الشهيد إسماعيل هنية، نشرت وسائل الإعلام الغربية الخبر التالي: "الرئيس بايدن وبّخ نتنياهو خلال اتصال هاتفي، وتعهد بدعم الدولة المارقة ضد أي تهديد إيراني. وقال أيضًا إنه لا يتوقع المزيد من التصعيد من الجانب الصهيوني. وطلب من نتن ياهو التحرك فورًا نحو إطلاق سراح المحتجزين ووقف إطلاق النار.
من أين لنتن ياهو كل هذه الجرأة؟ عزيزي القارئ، لو كنت أنت أو أنا أو أي شخص آخر، هل كنا سنغتال المفاوض ونشعل المنطقة ونتجاهل كلام الرئيس؟ بالطبع نعم، والسبب بسيط: لأن الرئيس الأمريكي طيلة العشرة أشهر الماضية كان يظهر في وسائل الإعلام الأجنبية غاضبًا ومحبطًا وموبخًا لنتن ياهو، ويضع الخطوط الحمراء التي تجاوزها جميعها النتن. فلماذا هذه المرة سيأخذ نتن ياهو كلام بايدن على محمل الجد؟ فأقوال بايدن وإدارته لم تترجم فعليا إلا في الاتجاه المعاكس، يقولون شيئًا ويفعلون نقيضه! فهم من زودوه بسلاح غير محدود، وحموه في المؤسسات الدولية، وشاركوه في عمليات مشتركة ولوجستية للإبادة التي تحدث في غزة وأرسلوا أساطيلهم لحمايته.
حاولت حصر الأخبار الصحفية التي روجتها ماكينة الدعاية الغربية- لا أسميها وسائل الإعلام – التي اعتقدنا عند قراءتها أن المجزرة ستتوقف فورا، ولكن بدلا من ذلك زادت حدة الإجرام:

2023/11/30خبرعاجل: بلينكن يحذر المسؤولين الإسرائيليين من أن الضغوط العالمية ستزداد طالما استمرت الحرب.
2023/12/28 خبرعاجل: بايدن في مكالمة محبطة مع بيبي: "حل قضية عائدات الضرائب الفلسطينية."
2024/1/14 صبر بايدن ينفذ مع دخول حرب غزة يومها المئة.
2024/1/26 بايدن يخبر نتن ياهو أنه لن يشارك في الحرب في غزة إذا استمرت لمدة عام.
2024/3/5 لن ندعمك: تفاصيل الإنذار الذي وجهه بايدن إلى نتن ياهو.
2024/3/5 وزير "إسرائيلي" يتعرض لانتقادات شديدة في البيت الأبيض بسبب استراتيجية الحرب في غزة.
2024/3/12 الخطوط الحمراء لبايدن في رفح.
2024/3/22 بلينكن يهاجم نتن ياهو: "أنت بحاجة إلى خطة متماسكة أو مواجهة الكارثة في غزة."
2024/3/26 بايدن يخبر نتن ياهو أنه لن يشارك في الحرب في غزة إذا استمرت لمدة عام – نفس الخبر الذي نشر قبلها بشهرين-.
2024/4/3 حرارة البيت الأبيض مرتفعة قبل مكالمة بايدن ونتنياهو.
2024/4/3 انقسام حاد بين "إسرائيل" والولايات المتحدة في اجتماع حول عدد من القضايا الرئيسية المتعلقة بعملية رفح.
2024/4/4 بايدن لبيبي: "غيّر سياستك تجاه غزة، وإلا."
2024/4/4 وبخ بايدن نتنياهو وأعرب عن قلقه من استهداف عمال الإغاثة وشدد على ضرورة تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة.
2024/4/9 في مقابلة مع سي إن إن، بايدن ينتقد نتن ياهو بسبب طريقة تعامله مع الحرب ويقول إنه أخطأ ودعا إلى هدنة لمدة 6-8 أسابيع.
2024/4/10 في مقابلة مع بي بي سي، جدد بايدن انتقاده لنتن ياهو مشيرًا إلى أنه لا يتفق مع أسلوبه في التعامل مع الصراع.
2024/7/26 نتن ياهو منزعج من تعليقات هاريس الانتقادية.
عزيزي القارئ، لا تنخدع بهذه المسرحيات الإعلامية. ما نشهده هو تواطؤ واضح بين الإدارة الأمريكية ونتن ياهو، فكلاهما يسعى لتحقيق نفس الاهداف، حتى لو كان الثمن هو حياة الأبرياء ومعاناة الشعوب. هذه الأخبار ليست سوى دعاية لتحسين صورة الامبراطورية البيضاء وغسل أيديها من الأهوال في غزة. لو أراد بايدن وقف الحرب، لأوقفها في لحظة.
    نيسان ـ نشر في 2024/08/06 الساعة 00:00