السنوار .. جنرال الطوفان

نيسان ـ نشر في 2024/10/18 الساعة 00:00
خاص
الرجال الأحرار يختارون أقدارهم كما يختارون قهوتهم، يمضون نحو آجالهم بخطى ثابتة، ولسان حالهم يقول:
يقرّبُ حبُّ الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول
أمام جيشٍ غازٍ يجرّ الحديد والعبيد مجهّزٍ بأحدث التقنيات التي أنتجتها أمريكيا وأوروبا لقتل الإنسان الحديث، وقف جنرال الطوفان وحيدا عاريا لا يحمل سوى القليل من السلاح والكثير من الإيمان، الإيمان المطلق بالله وبأن الأرض يرثها عبادي الصالحون، خاض معركته بشجاعة كبيرة وصبر وشرف، على المبدأ القائل :
وإذا لم يكن من الموت بدٌّ فمن العجز أن تموت جبانا
رمى المحتلّ بالرصاص وما تيسّر من قنابل كان يحملها في يده، ولما أصيب بقذيفة دبابة لم يسقط، بل جلس محتضنا جراحه، محتضنا ذكرياته في هذه البقعة المباركة، محتضنا الضوء الذي يجيء من ثقب النهاية، جلس يتنسم رائحة البحر والزيتون والأرض والشهداء الذين سبقوه، ألقى آخر ما بقي في يده، ألقى عصاه في وجوههم فإذا هي حيّة تسعى، رمى وجوه الغزاة بالرصاص والقنابل والعصا، لآخر نفس ظلّ صامدا يقاوم الغرباء الغزاة.
كان فوت الموت سهلا يا أبا إبراهيم، كان يمكن لك أن تحظى بحياة تفيض بالملذات والرحلات والشواطئ والسيجار الكوبي، ولكن:
نفس الشّريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى
وكأن أبا تمام كان يريدك حين قال:
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
لقد كان فوت الموت سهلا يا أبا إبراهيم، ولكنك لم ترض بأقل من الموت واقفا شامخا كمئذنة في وجه الرياح، ومثلك لا يموت إلا واقفا.
    نيسان ـ نشر في 2024/10/18 الساعة 00:00