الصحراء المغربية تتجه نحو الحكم الذاتي، ورسائل سياسية متسارعة حوله
نيسان ـ نشر في 2024/10/28 الساعة 00:00
بقلم: د امال الجبور
الصحراء المغربية تتجه نحو الحكم الذاتي، ورسائل سياسية متسارعة حول الملف.
كتبت د. آمال جبور- تسارعت الرسائل السياسية الاممية بملف الصحراء المغربية خلال الايام الاخيرة مع اقتراب اعتماد مجلس الامن لقرار جديد في 30 اكتوبر، لتمديد ولاية بعثة الامم المتحدة (مينورسو) لمراقبة وقف اطلاق النار في الصحراءلعام اضافي حتى 31 اوكتوبر2022في ضوء التقرير السنوي الذي سيوزعه الامين العام للامم المتحدة انطونيوغوتيريش حول النزاع الاقليمي في الصحراء، والاحاطة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا حول محاولاته لاستئناف المحادثات بين الاطراف الاربعة الرئيسة في النزاع وهي(المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو) مما يستدعي التوقف والتمعن حول مقاصد هذه الرسائل والغاية من اطلاقها في هذا التوقيت بالذات.
خلال الايام الماضية سربت وكالة رويترز للانباء ثم لاحقا وكالة الانباء الفرنسية ما طرحه المبعوث الشخصي للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا في جلسة مغلقة بمجلس الامن الدولي مشروعا لتقسيم الصحراء المغربية -المنطقة المتنازع عليها- يقوم على انشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي ودمج بقية الاقاليم كجزء من المغرب مع الاعتراف بسيادته عليه دوليا، ولان التسريب لم يأخذ طابعا رسميا حينه، فلم تعلق الرباط عليه حتى انعقاد مؤتمرا صحفيا لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الاستوني مارغوس تساهكن عقدت بالرباط، تلاها اعلان مشترك من الجانبين باعتراف استونيا بجدية المقترح المغربي لحل النزاع، مؤكدا بوريطة بموقف المملكة وشعبها تجاه صحراءه التي لا تتجزا عن ترابه، ومعبرا عن الموقف نفسه في 2002 عندما طرحه جيمس بيكر المبعوث الاممي حينها باقتراح الرئيس الجزائري انذاك.
وبالتالي فان اعادة عرض ميستورا لتقسيم الصحراء يشوبه رسائل سياسية لاطراف النزاع لا تحتمل البراءة لاطلاقها بهذا الوقت من العام الذي لا تزال تشهد اروقة الامم المتحدة اجتماعات معنية بملف الصحراء المغربية من جهة، وحال الامر الواقع للتطورات المهمة التي تدعم مقترح الحكم الذاتي من جهة اخرى، كالمواقف الدولية والاقليمية للمسارات السياسية التي تنشط بها الدبلوماسية المغربية كان اخرها افتتاح قنصلية تشاد بمدينة العيون في آب2024 واعتراف استونيا بالمبادرة المغربية، وايضا تنموية متعددة كالزخم الذي احدثته المبادرة الاطلسية التي اطلقها المغرب لدول الساحل في جنوب الصحراء لتصبح منصة استثمارية دولية وبوابة للقاراة الافريقية، والاهم من كل ذلك الواقع الامني الذي يعزز التفوق المغربي على الصحراء في ظل توترات متعددة تشهدها حدود القارة الافريقية في مناطق متعددة، مقابل تخبط وعدم تراكم في الرؤية التي يتمسك بها الطرف المقابل.
وما يزيد من الاشارات الاستفهامية لعرض دي ميستورا الاخير، مطالبته المغرب وبهذا التوقيت بتفصيل المبادرة المغربية بعد أن قطعت اشواط واشواط في مسارات تقربها أكثر لحل سياسي ونهائي حول هذا الملف المعطل منذ اكثر من 40 عاما، فلماذا تأتي عصىا دي ميستورا معرقلة دواليب الملف التي تتقدم تجاه حل سياسي قريب يلامس مبادرة الحكم الذاتي؟
والسؤال المهم هنا، فهل المطالبة بهذا التفصيل الان يخدم تقدم الملف امام الامم المتحدة والمنتظم الدولي الذي يعرف سلفا الزخم الدولي للمقترح المغربي؟ ام انه موجه لطرف النزاع الذي لا زال يتمسك باطروحة الاستفتاء ؟ ام لاعضاء مجلس الامن الدولي الذي يعتمد عملهم باتجاه الحل السياسي والدخول في مسارات تفاوضية وهو في صميم مُهمة المبعوث الشخصي منذ سنوات؟ ام هو فقط بالون اختبار لقياس ردة فعل الاطراف المتعددة وتحديدا المغربي الذي يتسم بالهدوء، وينتهج سياسية القنوات الدبلوماسية ويحترم وساطة الامم المتحدة في هذا الملف؟ ام ان لدي ميستورا غايات اخرى؟ هذه التساؤلات مشروعة الطرح وذات أهمية للاطراف كافة.
فاذا كانت مقاصد دي ميستورا موجه للجانب المغربي، فقد تلقى الاجابة من بوريطة خلال الندوة الصحفية التي ذكرت في بداية المقال، حول موقف المغرب الواضح والرافض لتوجهات تعاكس الثوابت المغربية نحو صحراءه ونحو نهجه بالتفاوض والحوار، مبينا ان مبادرة الحكم الذاتي نقطة وصول وليست نقطة بداية، وانها تحظى بدعم متواصل على المستوى الدولي والاوروبي في اطار الدينامية التي خلقها الملك محمد السادس واسفرت عن فتح قنصليات ومواقف لدول عظمى، اما فيما يخص التفاصيل حول المبادرة، فقد وضح بوريطة ايضا الاطر التفاوضية للمبادرة والخطوط الحمراء غير قابلة للمس،حاسما موقف المغرب ايضا حول الحديث بالتفاصيل الا عندما تكون الاطراف مستعدة للدخول في مسار المبادرة، وواضعا حدا لعرض دي ميستورا بقوله: " في غياب انخراط الاطراف في هذا المسلسل فان هذه الامور سابقة لاوانها".
اما اذا كان العرض موجه للطرف الاخر، فجبهة البوليساريو عبرت عن رفضها التام للمقترح، لانها متمسكة باطروحة الاستفتاء، لا بل وتبحث في ثنايا خياراتها الى التصعيد لولا الوضع الاقليمي والدولي الذي يحول دون ذلك.
اذا ما غاية ميستورا الان وهوعلى دراية بمواقف الاطراف من هذا العرض، خصوصا ان الفكرة ليست جديدة وتم رفضها سابقا، فلماذا يُحيّها الان بعد سنوات من طرحها في 2002 من قبل جيمس بيكر المبعوث الاممي حينها باقتراح الرئيس الجزائري انذاك؟
والملفت في عرض ميستورا حول تقسيم الصحراء وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، هو التوقيت غير البريء الذي جاء ايضا بعد قرار محكمة العدل الاوروبية في 4 اكتوبر2024 بالغاء اتفاقيتين تجاريتين تتعلقان بالصيد البحري والزراعي، هذا القرار الذي اعتبرته الصحافة الدولية والعربية استفزازا للمغرب للتأثير على سير ملف الصحراء، لكن حسب مختصين قانونيين فأن مؤسسات الاتحاد الاوروبي التي ترسم وتنفذ السياسات الخارجية هما المجلس والمفوضية وعلاقة المغرب معهما قوية وقرار المحكمة لا تأثير له، واذا كان هذا نوع من ابتزاز للجانب المغربي والتاثير على الدعم الاوروبي لملف الصحراء، فان المطلع على شبكة العلاقات الدولية المغربية، يرى بان المغرب ليست رهينة فقط لشراكات تقليدية وخاصة
مع الاتحاد الاوروبي الذي تتباين علاقته مع دوله بين القوية والعادية، فالمتابع يرى ان المغرب نوعت شراكاتها مع الولايات المتحدة الامريكة والصين وروسيا وتجمعات اقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول شرق اسيا (اسيان) بالاضافة الى دول عربية ترتبط معهم بعلاقات متينة وصلبة، ومع ذلك فقد طالب المغرب المجلس والمفوضية والدول الاعضاء باتخاذ التدابير اللازمة لاحترام التزاماتها الدولية، رافضا المغرب توقيع اي اتفاقية جديدة لا يشمل اقليم الصحراء كجزء لا يتجزأ من اراضيه، وهذا الشرط تحديدا كان وراء الغاء محكمة العدل الاوروبية للاتفاقية السابقة باعتبار الاقليم لا زال متنازع عليه.
وبما ان المسارات السياسية حول ملف الصحراء متسارعة وملفتة خلال هذه الفترة، فأن صدور مشروع قرار امريكي صاغته ادارة بايدن قبل ايام وعرضته الولايات المتحدة الامريكية على مجلس الامن، لم يشر الى تقسيم الصحراء المغربية الذي اقترحه ميستورا في 16 اكتوبر الماضي امام مجلس الامن، وتجاهل ايضا الانتقادات التي وجهها ميستورا لخطة الحكم الذاتي المغربية، بحيث فضلت الخارجية الامريكية في نفس السياق عدم التعليق على عرض ميستورا على التقسيم، بينما اعاد المتحدث باسم انطونيو غوتيريش الكرة الى ملعب مجلس الامن.
مشروع القرار الامريكي الذي تجاهل ملاحظات دي ميستورا حول المبادرة المغربية، حمل اشادات متعددة، منها دور دي ميستورا لتقريب مواقف الاطراف، والدور المغربي والاطراف المعنية في تسوية قضية الصحراء المغربية، ومع كل هذه الاشادات فقد تجاهل الامريكيون في موقف ملفت الاجتماعات التي عقدها ميستورا على هامش الدورة 79 للجمعية العامة للامم المتحدة مع ممثلي المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
في السياسة وخاصة في المنتظم الدولي لا يوجد سوء تقدير، بل ثمة اشارات ورسائل ينبغي التقاطها من هذه المواقف والتصريحات، وفهم دلالاتها بالشكل الصحيح، ومنها ما يطرحه المبعوث الشخصي دي ميستورا، فهل هي نوع من الخروج من ازمة فشله في هذا الملف، ام ان مصالح خفية تحرك المبعوث الاممي لبقاء الملف عالقا في صحراءه، خصوصا انه توجه قبل اشهر الى جنوب افريقا لمناقشة الملف مع دولة خارج طرف الملف، ما اثار ردود فعل مغربية لتجاوزه لصلاحيات المبعوث الاممي والخروج عن الاطار الذي يحدد دوره في الوساطة بين الاطراف المعنية فقط ؟
الايام المقبلة على ما يبدو تحمل الكثير من التحولات لمستقبل الصحراء المغربية ومبادرة الحكم الذاتي على المستوى الاقليمي والدولي، وهذا ما يمكن التقاطه أيضا من الخطاب الملكي لمحمد السادس قبل اسبوع خلال افتتاحه الدورة البرلمانية في 11 اكتوبر2024 معطيا حيزا كبيرا لقضية الصحراء في سياق دولي واقليمي حساس، ليؤكد على تحول استراتيجي في نهج المغرب في قضية وحدته الترابية والانتقال من "مرحلة التدبير الى مرحلة التغيير" تستند الى الشرعية الدولية والقانونية، مع زيارة دولة اليوم الاثنين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وتوقع بالقاء خطاب امام البرلمان اي من داخل المؤسسة الدستورية ليكون ملف الصحراء احدى عناوينه، حيث تاتي هذه الزيارة بعد اعلان فرنسا نهاية تموز الماضي تأييدها لخيار الحكم الذاتي كحل لازمة الصحراء، فتوقيت الزيارة ايضا ملفت من دولة مهمة وفاعلة في المجتمع الدولي ولها ثقلها على ملفات كثيرة منها ملف الصحراء المغربية.
صحفية وكاتبة اردنية
الصحراء المغربية تتجه نحو الحكم الذاتي، ورسائل سياسية متسارعة حول الملف.
كتبت د. آمال جبور- تسارعت الرسائل السياسية الاممية بملف الصحراء المغربية خلال الايام الاخيرة مع اقتراب اعتماد مجلس الامن لقرار جديد في 30 اكتوبر، لتمديد ولاية بعثة الامم المتحدة (مينورسو) لمراقبة وقف اطلاق النار في الصحراءلعام اضافي حتى 31 اوكتوبر2022في ضوء التقرير السنوي الذي سيوزعه الامين العام للامم المتحدة انطونيوغوتيريش حول النزاع الاقليمي في الصحراء، والاحاطة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا حول محاولاته لاستئناف المحادثات بين الاطراف الاربعة الرئيسة في النزاع وهي(المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو) مما يستدعي التوقف والتمعن حول مقاصد هذه الرسائل والغاية من اطلاقها في هذا التوقيت بالذات.
خلال الايام الماضية سربت وكالة رويترز للانباء ثم لاحقا وكالة الانباء الفرنسية ما طرحه المبعوث الشخصي للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا في جلسة مغلقة بمجلس الامن الدولي مشروعا لتقسيم الصحراء المغربية -المنطقة المتنازع عليها- يقوم على انشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي ودمج بقية الاقاليم كجزء من المغرب مع الاعتراف بسيادته عليه دوليا، ولان التسريب لم يأخذ طابعا رسميا حينه، فلم تعلق الرباط عليه حتى انعقاد مؤتمرا صحفيا لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الاستوني مارغوس تساهكن عقدت بالرباط، تلاها اعلان مشترك من الجانبين باعتراف استونيا بجدية المقترح المغربي لحل النزاع، مؤكدا بوريطة بموقف المملكة وشعبها تجاه صحراءه التي لا تتجزا عن ترابه، ومعبرا عن الموقف نفسه في 2002 عندما طرحه جيمس بيكر المبعوث الاممي حينها باقتراح الرئيس الجزائري انذاك.
وبالتالي فان اعادة عرض ميستورا لتقسيم الصحراء يشوبه رسائل سياسية لاطراف النزاع لا تحتمل البراءة لاطلاقها بهذا الوقت من العام الذي لا تزال تشهد اروقة الامم المتحدة اجتماعات معنية بملف الصحراء المغربية من جهة، وحال الامر الواقع للتطورات المهمة التي تدعم مقترح الحكم الذاتي من جهة اخرى، كالمواقف الدولية والاقليمية للمسارات السياسية التي تنشط بها الدبلوماسية المغربية كان اخرها افتتاح قنصلية تشاد بمدينة العيون في آب2024 واعتراف استونيا بالمبادرة المغربية، وايضا تنموية متعددة كالزخم الذي احدثته المبادرة الاطلسية التي اطلقها المغرب لدول الساحل في جنوب الصحراء لتصبح منصة استثمارية دولية وبوابة للقاراة الافريقية، والاهم من كل ذلك الواقع الامني الذي يعزز التفوق المغربي على الصحراء في ظل توترات متعددة تشهدها حدود القارة الافريقية في مناطق متعددة، مقابل تخبط وعدم تراكم في الرؤية التي يتمسك بها الطرف المقابل.
وما يزيد من الاشارات الاستفهامية لعرض دي ميستورا الاخير، مطالبته المغرب وبهذا التوقيت بتفصيل المبادرة المغربية بعد أن قطعت اشواط واشواط في مسارات تقربها أكثر لحل سياسي ونهائي حول هذا الملف المعطل منذ اكثر من 40 عاما، فلماذا تأتي عصىا دي ميستورا معرقلة دواليب الملف التي تتقدم تجاه حل سياسي قريب يلامس مبادرة الحكم الذاتي؟
والسؤال المهم هنا، فهل المطالبة بهذا التفصيل الان يخدم تقدم الملف امام الامم المتحدة والمنتظم الدولي الذي يعرف سلفا الزخم الدولي للمقترح المغربي؟ ام انه موجه لطرف النزاع الذي لا زال يتمسك باطروحة الاستفتاء ؟ ام لاعضاء مجلس الامن الدولي الذي يعتمد عملهم باتجاه الحل السياسي والدخول في مسارات تفاوضية وهو في صميم مُهمة المبعوث الشخصي منذ سنوات؟ ام هو فقط بالون اختبار لقياس ردة فعل الاطراف المتعددة وتحديدا المغربي الذي يتسم بالهدوء، وينتهج سياسية القنوات الدبلوماسية ويحترم وساطة الامم المتحدة في هذا الملف؟ ام ان لدي ميستورا غايات اخرى؟ هذه التساؤلات مشروعة الطرح وذات أهمية للاطراف كافة.
فاذا كانت مقاصد دي ميستورا موجه للجانب المغربي، فقد تلقى الاجابة من بوريطة خلال الندوة الصحفية التي ذكرت في بداية المقال، حول موقف المغرب الواضح والرافض لتوجهات تعاكس الثوابت المغربية نحو صحراءه ونحو نهجه بالتفاوض والحوار، مبينا ان مبادرة الحكم الذاتي نقطة وصول وليست نقطة بداية، وانها تحظى بدعم متواصل على المستوى الدولي والاوروبي في اطار الدينامية التي خلقها الملك محمد السادس واسفرت عن فتح قنصليات ومواقف لدول عظمى، اما فيما يخص التفاصيل حول المبادرة، فقد وضح بوريطة ايضا الاطر التفاوضية للمبادرة والخطوط الحمراء غير قابلة للمس،حاسما موقف المغرب ايضا حول الحديث بالتفاصيل الا عندما تكون الاطراف مستعدة للدخول في مسار المبادرة، وواضعا حدا لعرض دي ميستورا بقوله: " في غياب انخراط الاطراف في هذا المسلسل فان هذه الامور سابقة لاوانها".
اما اذا كان العرض موجه للطرف الاخر، فجبهة البوليساريو عبرت عن رفضها التام للمقترح، لانها متمسكة باطروحة الاستفتاء، لا بل وتبحث في ثنايا خياراتها الى التصعيد لولا الوضع الاقليمي والدولي الذي يحول دون ذلك.
اذا ما غاية ميستورا الان وهوعلى دراية بمواقف الاطراف من هذا العرض، خصوصا ان الفكرة ليست جديدة وتم رفضها سابقا، فلماذا يُحيّها الان بعد سنوات من طرحها في 2002 من قبل جيمس بيكر المبعوث الاممي حينها باقتراح الرئيس الجزائري انذاك؟
والملفت في عرض ميستورا حول تقسيم الصحراء وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، هو التوقيت غير البريء الذي جاء ايضا بعد قرار محكمة العدل الاوروبية في 4 اكتوبر2024 بالغاء اتفاقيتين تجاريتين تتعلقان بالصيد البحري والزراعي، هذا القرار الذي اعتبرته الصحافة الدولية والعربية استفزازا للمغرب للتأثير على سير ملف الصحراء، لكن حسب مختصين قانونيين فأن مؤسسات الاتحاد الاوروبي التي ترسم وتنفذ السياسات الخارجية هما المجلس والمفوضية وعلاقة المغرب معهما قوية وقرار المحكمة لا تأثير له، واذا كان هذا نوع من ابتزاز للجانب المغربي والتاثير على الدعم الاوروبي لملف الصحراء، فان المطلع على شبكة العلاقات الدولية المغربية، يرى بان المغرب ليست رهينة فقط لشراكات تقليدية وخاصة
مع الاتحاد الاوروبي الذي تتباين علاقته مع دوله بين القوية والعادية، فالمتابع يرى ان المغرب نوعت شراكاتها مع الولايات المتحدة الامريكة والصين وروسيا وتجمعات اقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول شرق اسيا (اسيان) بالاضافة الى دول عربية ترتبط معهم بعلاقات متينة وصلبة، ومع ذلك فقد طالب المغرب المجلس والمفوضية والدول الاعضاء باتخاذ التدابير اللازمة لاحترام التزاماتها الدولية، رافضا المغرب توقيع اي اتفاقية جديدة لا يشمل اقليم الصحراء كجزء لا يتجزأ من اراضيه، وهذا الشرط تحديدا كان وراء الغاء محكمة العدل الاوروبية للاتفاقية السابقة باعتبار الاقليم لا زال متنازع عليه.
وبما ان المسارات السياسية حول ملف الصحراء متسارعة وملفتة خلال هذه الفترة، فأن صدور مشروع قرار امريكي صاغته ادارة بايدن قبل ايام وعرضته الولايات المتحدة الامريكية على مجلس الامن، لم يشر الى تقسيم الصحراء المغربية الذي اقترحه ميستورا في 16 اكتوبر الماضي امام مجلس الامن، وتجاهل ايضا الانتقادات التي وجهها ميستورا لخطة الحكم الذاتي المغربية، بحيث فضلت الخارجية الامريكية في نفس السياق عدم التعليق على عرض ميستورا على التقسيم، بينما اعاد المتحدث باسم انطونيو غوتيريش الكرة الى ملعب مجلس الامن.
مشروع القرار الامريكي الذي تجاهل ملاحظات دي ميستورا حول المبادرة المغربية، حمل اشادات متعددة، منها دور دي ميستورا لتقريب مواقف الاطراف، والدور المغربي والاطراف المعنية في تسوية قضية الصحراء المغربية، ومع كل هذه الاشادات فقد تجاهل الامريكيون في موقف ملفت الاجتماعات التي عقدها ميستورا على هامش الدورة 79 للجمعية العامة للامم المتحدة مع ممثلي المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
في السياسة وخاصة في المنتظم الدولي لا يوجد سوء تقدير، بل ثمة اشارات ورسائل ينبغي التقاطها من هذه المواقف والتصريحات، وفهم دلالاتها بالشكل الصحيح، ومنها ما يطرحه المبعوث الشخصي دي ميستورا، فهل هي نوع من الخروج من ازمة فشله في هذا الملف، ام ان مصالح خفية تحرك المبعوث الاممي لبقاء الملف عالقا في صحراءه، خصوصا انه توجه قبل اشهر الى جنوب افريقا لمناقشة الملف مع دولة خارج طرف الملف، ما اثار ردود فعل مغربية لتجاوزه لصلاحيات المبعوث الاممي والخروج عن الاطار الذي يحدد دوره في الوساطة بين الاطراف المعنية فقط ؟
الايام المقبلة على ما يبدو تحمل الكثير من التحولات لمستقبل الصحراء المغربية ومبادرة الحكم الذاتي على المستوى الاقليمي والدولي، وهذا ما يمكن التقاطه أيضا من الخطاب الملكي لمحمد السادس قبل اسبوع خلال افتتاحه الدورة البرلمانية في 11 اكتوبر2024 معطيا حيزا كبيرا لقضية الصحراء في سياق دولي واقليمي حساس، ليؤكد على تحول استراتيجي في نهج المغرب في قضية وحدته الترابية والانتقال من "مرحلة التدبير الى مرحلة التغيير" تستند الى الشرعية الدولية والقانونية، مع زيارة دولة اليوم الاثنين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وتوقع بالقاء خطاب امام البرلمان اي من داخل المؤسسة الدستورية ليكون ملف الصحراء احدى عناوينه، حيث تاتي هذه الزيارة بعد اعلان فرنسا نهاية تموز الماضي تأييدها لخيار الحكم الذاتي كحل لازمة الصحراء، فتوقيت الزيارة ايضا ملفت من دولة مهمة وفاعلة في المجتمع الدولي ولها ثقلها على ملفات كثيرة منها ملف الصحراء المغربية.
صحفية وكاتبة اردنية
نيسان ـ نشر في 2024/10/28 الساعة 00:00