طرد غالانت وفوز ترامب
نيسان ـ نشر في 2024/11/07 الساعة 00:00
في أول زيارة خارجية قام بها عضو الكونغرس الشاب جو بايدن عام 1973 إلى المنطقة، بدأ زيارته في مصر حيث استقبله موظف بسيط من وزارة الخارجية المصرية. ثم انتقل إلى الكيان الصهيوني واستقبلته هناك رئيسة الوزراء جولدا مائير. هناك، أعلن عن انتمائه للصهيونية، ولعل هذه الزيارة تركت في نفسه أثرًا شخصيًا عميقًا بسبب المفارقة بين الاستقبال الحافل من المحتلين والإهمال الذي قوبل به في مصر.
ومنذ ذلك الحين، أصبح بايدن من أبرز الداعمين للصهيونية ومن أشد المنتقدين للعرب. فحينما كان سيناتورًا، صوّت لصالح جميع الحروب ضد العراق، وبلغ حماسه ذروته في عام 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان، حيث قال له مناحيم بيغن مازحًا، وكأنه يدعوه للتهدئة: «علينا أن نحافظ على النساء والأطفال». وكما كان متوقعًا، صوّت لاحقًا لصالح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة وضم مرتفعات الجولان.
وعندما تولى الرئاسة، وفي أول زيارة له إلى فلسطين المحتلة، صرّح أمام الصحفيين في المطار قائلًا: «لن تقوم دولة فلسطينية، وأنا صهيوني أكثر من الصهاينة». وكان قد قال قبلها بسنوات: «أفضل استثمار لنا هو الثلاثة مليارات دولار التي ندفعها للصهاينة لخدمة مصالحنا في المنطقة!»
فقضى بايدن حياته في خدمة الصهيونية، وكان من الطبيعي أن يختتم مسيرته السياسية بالضلوع في واحدة من أكبر عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر، مما أسقط معه نائبته والمرشحة للرئاسة كامالا هاريس، التي خسرت دعم العرب والمسلمين ومناهضي الإبادة الجماعية، تاركًا حزبه منقسمًا بين مؤيد ومعارض لسياساته.
وبرأيي، كانت خسارة كامالا هاريس ضرورية، إذ إن نجاحها كان يعني أن دماء أطفال غزة لا قيمة لها. فهذه الخسارة القاسية قد تكون درسًا للساسة الانتهازيين في المستقبل بأن الدعم الأعمى للدولة المارقة يمكن أن يؤدي إلى خسارة الانتخابات. وربما يتّعظ ترامب من ذلك، فيكون أقل دعمًا للكيان مقارنةً بسلفه.
بعد خسارته في الانتخابات، ومع تبقّي شهرين في منصبه، قد يجد بايدن نفسه أقل عرضة للضغوط الانتخابية، مما يمنحه فرصة لتحقيق ما كان يصرّح به سابقًا حول رغبته في وقف الإبادة الجماعية. وخلال العام الماضي، تعرّض بايدن لإهانات متكررة من نتن ياهو، مما قد يدفعه الآن إلى رفع الغطاء عنه في المحافل الدولية وتقليل الدعم العسكري للصهاينة، بهدف وقف المجازر. قد تساعد هذه الخطوات بايدن في غسل بعض من دماء أطفال فلسطين العالقة بيديه، وتخفيف حالة الانقسام الكبيرة التي خلفها في حزبه وتحسين صورة الولايات المتحدة عالميًا.
أما بالنسبة لنتن ياهو، فقد كان سعيدًا للغاية بوصول ترامب وكان أول المهنئين له، إذ تنكّر فوراً لبايدن الذي كان شريكه، كما فعل سابقاً مع ترامب، فكان أول من هنأ بايدن عند فوزه على ترامب، مما ترك جرحًا عميقًا لدى ترامب، عبّر عنه في مقابلة تلفزيونية. وأعتقد أن إزاحة غالانت كانت خطوة تحضيرية لمجيء ترامب، وكأن نبوءة توراتية في طريقها للتحقق. فرغم إجرامه، كان غالانت الوزير الوحيد الذي غرد خارج سرب الحكومة المجرمة، حيث أراد إيقاف المجزرة ولم يرغب في احتلال غزة. وقد تم استبداله بوزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي اقترح تهجير أهل غزة إلى جزيرة صناعية. ترامب هو الرئيس المفضل لنتن ياهو، الذي سيطلق يده في حرب الإبادة وضم الضفة الغربية.
لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي سفن نتن ياهو، فخطاب ترامب قبل الانتخابات لن يكون كما بعده. وعلى الصعيد الشخصي، أعتقد أن هناك كراهية من ترامب نحو نتن ياهو، وقد أعلن بأن الحرب يجب أن تتوقف قبل أن يطأ البيت الأبيض. أما كامالا هاريس، فقد كان واضحاً أنها ستستمر في نهج سلفها، في حين تبقى كل الخيارات مفتوحة مع ترامب. وبالطبع، سيستمر في دعم الكيان الصهيوني، وسيضغط على دول المنطقة للتطبيع معه بعد إيقاف الحرب، وربما يفاوض بوتين على إيقاف حرب أوكرانيا مقابل تخليه عن إيران.
بعد إقالة نتن ياهو لوزير الدفاع يوآف غالانت، اندلعت احتجاجات واسعة في الشوارع، مما زاد من حدة الانقسام داخل المجتمع الصهيوني وأثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية. جاءت إقالة غالانت استجابةً لضغوط من الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية، بينما كان غالانت يسعى إلى تجنيدهم. يرى المتظاهرون في هذا القرار ظلماً كبيراً، حيث يُطلب من أبنائهم التضحية بحياتهم في المعارك، بينما يُعفى أبناء المتدينين من المشاركة في الحروب.
قد نكون على أعتاب حرب أهلية قادمة قد تعيد خلط الأوراق، أو على أقل تقدير تؤدي إلى هجرة جماعية من الكيان وتركه للمتطرفين، مما قد يدفع ترامب للتضحية بنتن ياهو والبحث عن شخص أقل تطرفاً ليكمل المسار معه.
في كل الأحوال، نحن أمام بدايات جديدة، أكثر وضوحاً من ذي قبل. فالكيان لم يعد يُصوَّر كواحة ديمقراطية، بل بات مجتمعاً متطرفاً يصعب الدفاع عنه. أما السياسة الأمريكية تجاهه فأصبحت واضحة؛ فهي تفعل ما تعلن عنه دون مواربة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح بايدن من أبرز الداعمين للصهيونية ومن أشد المنتقدين للعرب. فحينما كان سيناتورًا، صوّت لصالح جميع الحروب ضد العراق، وبلغ حماسه ذروته في عام 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان، حيث قال له مناحيم بيغن مازحًا، وكأنه يدعوه للتهدئة: «علينا أن نحافظ على النساء والأطفال». وكما كان متوقعًا، صوّت لاحقًا لصالح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة وضم مرتفعات الجولان.
وعندما تولى الرئاسة، وفي أول زيارة له إلى فلسطين المحتلة، صرّح أمام الصحفيين في المطار قائلًا: «لن تقوم دولة فلسطينية، وأنا صهيوني أكثر من الصهاينة». وكان قد قال قبلها بسنوات: «أفضل استثمار لنا هو الثلاثة مليارات دولار التي ندفعها للصهاينة لخدمة مصالحنا في المنطقة!»
فقضى بايدن حياته في خدمة الصهيونية، وكان من الطبيعي أن يختتم مسيرته السياسية بالضلوع في واحدة من أكبر عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر، مما أسقط معه نائبته والمرشحة للرئاسة كامالا هاريس، التي خسرت دعم العرب والمسلمين ومناهضي الإبادة الجماعية، تاركًا حزبه منقسمًا بين مؤيد ومعارض لسياساته.
وبرأيي، كانت خسارة كامالا هاريس ضرورية، إذ إن نجاحها كان يعني أن دماء أطفال غزة لا قيمة لها. فهذه الخسارة القاسية قد تكون درسًا للساسة الانتهازيين في المستقبل بأن الدعم الأعمى للدولة المارقة يمكن أن يؤدي إلى خسارة الانتخابات. وربما يتّعظ ترامب من ذلك، فيكون أقل دعمًا للكيان مقارنةً بسلفه.
بعد خسارته في الانتخابات، ومع تبقّي شهرين في منصبه، قد يجد بايدن نفسه أقل عرضة للضغوط الانتخابية، مما يمنحه فرصة لتحقيق ما كان يصرّح به سابقًا حول رغبته في وقف الإبادة الجماعية. وخلال العام الماضي، تعرّض بايدن لإهانات متكررة من نتن ياهو، مما قد يدفعه الآن إلى رفع الغطاء عنه في المحافل الدولية وتقليل الدعم العسكري للصهاينة، بهدف وقف المجازر. قد تساعد هذه الخطوات بايدن في غسل بعض من دماء أطفال فلسطين العالقة بيديه، وتخفيف حالة الانقسام الكبيرة التي خلفها في حزبه وتحسين صورة الولايات المتحدة عالميًا.
أما بالنسبة لنتن ياهو، فقد كان سعيدًا للغاية بوصول ترامب وكان أول المهنئين له، إذ تنكّر فوراً لبايدن الذي كان شريكه، كما فعل سابقاً مع ترامب، فكان أول من هنأ بايدن عند فوزه على ترامب، مما ترك جرحًا عميقًا لدى ترامب، عبّر عنه في مقابلة تلفزيونية. وأعتقد أن إزاحة غالانت كانت خطوة تحضيرية لمجيء ترامب، وكأن نبوءة توراتية في طريقها للتحقق. فرغم إجرامه، كان غالانت الوزير الوحيد الذي غرد خارج سرب الحكومة المجرمة، حيث أراد إيقاف المجزرة ولم يرغب في احتلال غزة. وقد تم استبداله بوزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي اقترح تهجير أهل غزة إلى جزيرة صناعية. ترامب هو الرئيس المفضل لنتن ياهو، الذي سيطلق يده في حرب الإبادة وضم الضفة الغربية.
لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي سفن نتن ياهو، فخطاب ترامب قبل الانتخابات لن يكون كما بعده. وعلى الصعيد الشخصي، أعتقد أن هناك كراهية من ترامب نحو نتن ياهو، وقد أعلن بأن الحرب يجب أن تتوقف قبل أن يطأ البيت الأبيض. أما كامالا هاريس، فقد كان واضحاً أنها ستستمر في نهج سلفها، في حين تبقى كل الخيارات مفتوحة مع ترامب. وبالطبع، سيستمر في دعم الكيان الصهيوني، وسيضغط على دول المنطقة للتطبيع معه بعد إيقاف الحرب، وربما يفاوض بوتين على إيقاف حرب أوكرانيا مقابل تخليه عن إيران.
بعد إقالة نتن ياهو لوزير الدفاع يوآف غالانت، اندلعت احتجاجات واسعة في الشوارع، مما زاد من حدة الانقسام داخل المجتمع الصهيوني وأثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية. جاءت إقالة غالانت استجابةً لضغوط من الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية، بينما كان غالانت يسعى إلى تجنيدهم. يرى المتظاهرون في هذا القرار ظلماً كبيراً، حيث يُطلب من أبنائهم التضحية بحياتهم في المعارك، بينما يُعفى أبناء المتدينين من المشاركة في الحروب.
قد نكون على أعتاب حرب أهلية قادمة قد تعيد خلط الأوراق، أو على أقل تقدير تؤدي إلى هجرة جماعية من الكيان وتركه للمتطرفين، مما قد يدفع ترامب للتضحية بنتن ياهو والبحث عن شخص أقل تطرفاً ليكمل المسار معه.
في كل الأحوال، نحن أمام بدايات جديدة، أكثر وضوحاً من ذي قبل. فالكيان لم يعد يُصوَّر كواحة ديمقراطية، بل بات مجتمعاً متطرفاً يصعب الدفاع عنه. أما السياسة الأمريكية تجاهه فأصبحت واضحة؛ فهي تفعل ما تعلن عنه دون مواربة.
نيسان ـ نشر في 2024/11/07 الساعة 00:00