إلا الصهيونية!
نيسان ـ نشر في 2024/11/19 الساعة 00:00
في عام 1995، شهدت جريدة «الدستور» حدثًا ثقافيًا مميزًا باستضافتها للمفكر الفرنسي البارز روجيه جارودي. أقامت الصحيفة آنذاك سلسلة متكاملة من النشاطات الثقافية والأكاديمية، قدم خلالها جارودي رؤيته حول حوار الحضارات ودور الإسلام في العالم المعاصر، وتفاعل مع نخبة من المفكرين والأكاديميين الأردنيين. وقامت «الدستور» بترجمة ونشر كتابه المهم «الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية»، والذي تناول فيه بالنقد الأساطير المتعلقة بالهولوكوست وتوظيفها لخدمة السياسات الصهيونية. أثار الكتاب جدلًا واسعًا في الأوساط الفكرية والسياسية، مما أدى إلى توجيه تهمة معاداة السامية لجارودي، وانتهى الأمر بالحكم عليه بالسجن عامًا مع غرامة مالية.
يمثل المفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان، نموذجًا آخر للمفكرين المؤثرين في الساحة الأوروبية؛ فقد شغل منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، وجاب أرجاء أوروبا داعيًا للإسلام ومنتقدًا للصهيونية، محققًا حضورًا وتأثيرًا ملموسين. غير أن مسيرته واجهت منعطفًا حادًا مع توجيه سلسلة من الاتهامات إليه تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي. وفي مايو 2023، أصدرت محكمة جنيف حكمًا ببراءته من هذه التهم لعدم كفاية الأدلة.
لكن المفاجأة جاءت في سبتمبر 2024، حين قلبت محكمة الاستئناف السويسرية حكم البراءة، وأصدرت حكمًا بسجنه ثلاث سنوات، منها سنة واجبة النفاذ. أدت هذه التطورات القضائية إلى تداعيات عميقة على حياته الأكاديمية والشخصية؛ حيث تعرضت سمعته للتشويه وتوقفت أنشطته العلمية والفكرية.
يكشف هذا النمط عن مفارقة صارخة في فرنسا، بلد التنوير وموطن روسو وديدرو وفولتير، رواد الحرية والعقلانية وحرية الفكر، فحدود الحرية تبدو واضحة عندما يتعلق الأمر بنقد الصهيونية، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقية شعارات الحرية الفكرية!
لم يتعلم كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الدرس، ففي مايو 2024، اتخذ خطوة جريئة بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، متهمًا إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما فيها التجويع المتعمد والقتل العمد.
كما شمل طلب خان إصدار مذكرات اعتقال لقيادات حماس الثلاثة: يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وإسماعيل هنية، بتهم تتضمن الإبادة والاغتصاب واحتجاز الرهائن. لكن هذا التوازن الظاهري في الاتهامات أغفل التمييز الجوهري بين حركة مقاومة للاحتلال وكيان معتدٍ. وفي الأشهر اللاحقة، أصبح طلب اعتقال قادة حماس لاغيًا بعد أن قام نتنياهو باغتيالهم.
يبرز موقف كريم خان، بخبرته الواسعة كمحامٍ دولي متخصص في القانون الدولي وجرائم الحرب، ومستشار المحاكم الدولية، ورئيس لجان التحقيق في جرائم الحرب، جرأة استثنائية في مواجهة الصهيونية؛ فقد سبق له إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي بوتين في 2023 بتهمة ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، وهي تهمة تبدو أقل خطورة مقارنةً بالتهم الموجهة للقيادة الإسرائيلية.
رغم وضوح الأدلة المقدمة، ظل قرار المحكمة معلقًا. وفي أكتوبر 2024، شهدت القضية تطورًا لافتًا بتنحية القاضية الرومانية يوليا موتوك واستبدالها بالقاضية السلوفينية بيتي هولر بدعوى أسباب صحية، مما أدى إلى مزيد من التأخير في البت في القضية.
استمر كريم خان في الظهور الإعلامي مؤكدًا تمسكه بموقفه بشأن إصدار مذكرات الاعتقال ضد المجرمين الصهاينة، وتوالت الضغوط عليه من الصهاينة والدول الاستعمارية الكبرى، إلى أن خرج إلى العلن بعد أن قدّم طلب إصدار المذكرة، قائلًا إنه يتعرض لضغوط كبيرة لكنه لن يرضخ لها.
وفور تقديم طلبه، بدأت تظهر ادعاءات تحرش جنسي ضده من زميلة سابقة، رغم عدم تقديم شكوى رسمية، في نمط يشبه محاولات الترهيب السابقة. وفي أكتوبر، بدأت التحقيقات في هذه المزاعم، مما يشير إلى احتمال دخوله في مسار مشابه لما واجهه جارودي ورمضان وغيرهما ممن تحدوا المصالح الصهيونية.
كشفت أحداث طوفان الأقصى عن الطبيعة الحقيقية للقانون الدولي والمؤسسات الدولية كأدوات في يد القوى الاستعمارية؛ فرغم واجهتها المتحضرة المتمثلة في الخبراء والاجتماعات والإجراءات القانونية، تظل هذه المنظومة وسيلة لتحقيق ما تسعى إليه القوة العسكرية، مع محاولة إضفاء شرعية على قيم مزعومة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي غرقت في رمال غزة؛ حيث تكشفت هشاشتها في مواجهة الواقع المأساوي في غزة.
يمثل المفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان، نموذجًا آخر للمفكرين المؤثرين في الساحة الأوروبية؛ فقد شغل منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، وجاب أرجاء أوروبا داعيًا للإسلام ومنتقدًا للصهيونية، محققًا حضورًا وتأثيرًا ملموسين. غير أن مسيرته واجهت منعطفًا حادًا مع توجيه سلسلة من الاتهامات إليه تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي. وفي مايو 2023، أصدرت محكمة جنيف حكمًا ببراءته من هذه التهم لعدم كفاية الأدلة.
لكن المفاجأة جاءت في سبتمبر 2024، حين قلبت محكمة الاستئناف السويسرية حكم البراءة، وأصدرت حكمًا بسجنه ثلاث سنوات، منها سنة واجبة النفاذ. أدت هذه التطورات القضائية إلى تداعيات عميقة على حياته الأكاديمية والشخصية؛ حيث تعرضت سمعته للتشويه وتوقفت أنشطته العلمية والفكرية.
يكشف هذا النمط عن مفارقة صارخة في فرنسا، بلد التنوير وموطن روسو وديدرو وفولتير، رواد الحرية والعقلانية وحرية الفكر، فحدود الحرية تبدو واضحة عندما يتعلق الأمر بنقد الصهيونية، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقية شعارات الحرية الفكرية!
لم يتعلم كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الدرس، ففي مايو 2024، اتخذ خطوة جريئة بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، متهمًا إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما فيها التجويع المتعمد والقتل العمد.
كما شمل طلب خان إصدار مذكرات اعتقال لقيادات حماس الثلاثة: يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وإسماعيل هنية، بتهم تتضمن الإبادة والاغتصاب واحتجاز الرهائن. لكن هذا التوازن الظاهري في الاتهامات أغفل التمييز الجوهري بين حركة مقاومة للاحتلال وكيان معتدٍ. وفي الأشهر اللاحقة، أصبح طلب اعتقال قادة حماس لاغيًا بعد أن قام نتنياهو باغتيالهم.
يبرز موقف كريم خان، بخبرته الواسعة كمحامٍ دولي متخصص في القانون الدولي وجرائم الحرب، ومستشار المحاكم الدولية، ورئيس لجان التحقيق في جرائم الحرب، جرأة استثنائية في مواجهة الصهيونية؛ فقد سبق له إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي بوتين في 2023 بتهمة ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، وهي تهمة تبدو أقل خطورة مقارنةً بالتهم الموجهة للقيادة الإسرائيلية.
رغم وضوح الأدلة المقدمة، ظل قرار المحكمة معلقًا. وفي أكتوبر 2024، شهدت القضية تطورًا لافتًا بتنحية القاضية الرومانية يوليا موتوك واستبدالها بالقاضية السلوفينية بيتي هولر بدعوى أسباب صحية، مما أدى إلى مزيد من التأخير في البت في القضية.
استمر كريم خان في الظهور الإعلامي مؤكدًا تمسكه بموقفه بشأن إصدار مذكرات الاعتقال ضد المجرمين الصهاينة، وتوالت الضغوط عليه من الصهاينة والدول الاستعمارية الكبرى، إلى أن خرج إلى العلن بعد أن قدّم طلب إصدار المذكرة، قائلًا إنه يتعرض لضغوط كبيرة لكنه لن يرضخ لها.
وفور تقديم طلبه، بدأت تظهر ادعاءات تحرش جنسي ضده من زميلة سابقة، رغم عدم تقديم شكوى رسمية، في نمط يشبه محاولات الترهيب السابقة. وفي أكتوبر، بدأت التحقيقات في هذه المزاعم، مما يشير إلى احتمال دخوله في مسار مشابه لما واجهه جارودي ورمضان وغيرهما ممن تحدوا المصالح الصهيونية.
كشفت أحداث طوفان الأقصى عن الطبيعة الحقيقية للقانون الدولي والمؤسسات الدولية كأدوات في يد القوى الاستعمارية؛ فرغم واجهتها المتحضرة المتمثلة في الخبراء والاجتماعات والإجراءات القانونية، تظل هذه المنظومة وسيلة لتحقيق ما تسعى إليه القوة العسكرية، مع محاولة إضفاء شرعية على قيم مزعومة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي غرقت في رمال غزة؛ حيث تكشفت هشاشتها في مواجهة الواقع المأساوي في غزة.
نيسان ـ نشر في 2024/11/19 الساعة 00:00