بحثت عن هويتي في سطور البيان الوزاري، فلم أجدها 'هوية الأردني ثابت أول، وكرامته ليست للتفاوض، وحقه في حياة كريمة يجب أن يكون الأولوية القصوى'
نيسان ـ نشر في 2024/12/02 الساعة 00:00
سيدي الرئيس
الأردن ليس مجرد اقتصاد أو مؤسسات حكومية؛ إنه ثقافة وتقاليد راسخة، وهوية متجذرة في البادية والريف والمدن. هو دم الشهداء الذين ارتوت به الأرض، وعزف الأجداد أهازيجه تحت سماء الكرامة. هو كفاح الأمهات في سهوله، وصمود رجاله في ميادين الكرامة. ومع ذلك، جاء البيان الوزاري ليُهمّش هذه القيم العظيمة، ويغرق في لغة الأرقام والمشاريع، وكأن الوطن يمكن اختزاله في حساباتٍ باردةٍ وأرقامٍ جامدة.
أين الالتزام بحماية الإرث الثقافي الأردني الذي يمثل روح هذا الشعب وعزيمته التي لا تُكسر؟ أين الخطط لتعزيز التقاليد التي تميز هذا الوطن وتجعله متفرداً في محيطه، وسط أمواج العولمة التي تسعى لتذويب الهويات وطمس الكرامة؟
البيان الوزاري الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام مجلس النواب، وعلى الرغم من شعاراته الطموحة وخططه الواسعة، تجاهل أن الهوية منشأ الانتماء، والانتماء هو أبو الأداء، والأداء هو أبو المنجز. كيف يمكن للحكومة أن تطمح لتحقيق إنجازات بينما يغيب في خطابها التركيز على الانتماء الوطني كشرطٍ أساسي لكل تقدم؟
الأردنيون الذين صمدوا في وجه كل التحديات، وضنك العيش، لم يسمعوا في هذا البيان ما يطمئنهم بأن تضحياتهم وهويتهم هي أساس السياسات الوطنية. كأن الحكومة نسيت أن هذا الشعب الذي قدّم أبناؤه حياتهم على أسوار القدس وفي اللطرون وباب الواد، يحتاج إلى خطابٍ يُعيد إليه الثقة بأن الأردن ليس مجرد دولة عابرة، بل وطنٌ خالد.
لعل من المثير للاستغراب أن يُلقى هذا البيان أمام مجلس نيابي يضم بين أعضائه من ينكرون الأردن، بل ويعملون على تقويض هويته، هناك من ينظر إلى الأردن على أنه مجرد كيان وظيفي نشأ لخدمة مصالح دولية، وهناك من يشكك في قيادة الوطن، ويتهمها بحماية الصهاينة ودعمهم، متجاهلين الحقيقة الساطعة بأن القيادة الأردنية وقفت على الدوام مدافعة عن الحق الفلسطيني، حاملةً لواء الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ووهناك من يتحالف مع مشاريع خارجية تسعى لتقويض السيادة الأردنية، خصوصاً من يتبنون أجندات إيران وأهدافها في المنطقة.
كيف يمكن لحكومة أن تتحدث عن شراكة مع مجلس كهذا، يضم بين صفوفه من يرى الأردن مجرد أداة عابرة أو منصة لأجندات خارجية؟
إحدى الإخفاقات الكبرى التي يعاني منها الأردن اليوم هي تجاهل الهوية التاريخية الأردنية في المناهج الدراسية، وهو أمر يشكل تهديداً طويل الأمد لتماسك الأجيال القادمة وفهمهم لهويتهم الوطنية. المناهج الحالية تكاد تخلو من تسليط الضوء على تاريخ الأردن العريق، من ممالك مؤاب وعمون وأدوم، إلى التضحيات الكبرى التي قدمها الأردنيون في الحروب والمعارك التي صاغت معالم هذه الأمة.
الأخطر من ذلك هو معاداة الكثير من المعلمين والمعلمات لفكرة الهوية التاريخية الأردنية. فبدلاً من غرس حب الوطن وتاريخه في نفوس الطلاب، نجد أن بعض المعلمين يسعون للتشكيك في أهمية هذه الهوية، معتبرين الأردن كياناً وظيفياً أو دولة عابرة، وهو أمر يُضعف شعور الأجيال الصاعدة بالانتماء والفخر بوطنهم.
إذا أردنا بناء وطن قوي ومتماسك، فعلينا أن نبدأ من المدارس. المناهج يجب أن تعكس الهوية الأردنية بصدق ووضوح، ويجب تدريب المعلمين على أن يكونوا سفراء لهذه الهوية، لا أن يتحولوا إلى أدوات تهدمها. غياب هذه الهوية عن مناهج التدريس هو جريمة ثقافية بحق الأردن ومستقبله، واستمرار هذا النهج سيؤدي إلى أجيال تفتقد الانتماء لوطنها.
الحكومة، التي تدعي في بيانها الوزاري الالتزام بالتعليم والتحديث، عليها أن تدرك أن أول خطوة في هذا المسار هي إصلاح المناهج، وتطهير قطاع التعليم من أي أفكار أو ممارسات تُعادي الهوية الوطنية. من يرفض الاعتراف بتاريخ الأردن ودوره، ليس له مكان في صفوف المعلمين الذين يشكلون عقول الأجيال القادمة.
من الكارثي والعجيب أن تتجاهل الحكومة في بيانها الوزاري واحدة من أكبر الكوارث التنموية التي يعاني منها الأردن: التركز الاقتصادي في عمان والزرقاء على حساب باقي المحافظات. بينما تُخصص الميزانيات والمشاريع الكبرى لهاتين المدينتين، تعاني المحافظات الأخرى من الإهمال المزمن والفقر المدقع، رغم أنها تمتلك إمكانيات طبيعية وبشرية هائلة يمكن أن تساهم في نهضة البلاد إذا ما أُحسن استثمارها.
الأردني، الذي يُكافح يومياً لتأمين لقمة عيشه وسط أزمات اقتصادية خانقة، يجد نفسه مضطراً لتحمل تكلفة أزمات لم يكن له يد فيها. لماذا يُكتب على الأردني أن يدفع فاتورة اللجوء من الدول المجاورة؟ ففي المدارس، يواجه الأردني اكتظاظ الصفوف التي تكاد لا تستوعب أبناءه بسبب الضغط الناتج عن موجات اللجوء، وفي المستشفيات، تنتظر الأم الأردنية ساعات طويلة لتجد سريراً لطفلها المريض، لأن النظام الصحي غارق في خدمة أعداد تفوق طاقته، وفي سوق العمل، يصارع الشاب الأردني لإيجاد فرصة وسط منافسة غير عادلة مع عمالة وافدة تقبل بأقل الأجور، ما يدفعه إلى البطالة أو الهجرة.
الأردني لم يطلب أن يكون هو الحامل الوحيد لتكاليف اللجوء. فمنذ عقود، فتح الأردني بيته وشارك طعامه وماءه، وتحمل عبء الإخوة الوافدين من الدول المجاورة، لكن هذا الكرم الإنساني تحول إلى عبء دائم يثقل كاهله، بينما المجتمع الدولي يُلقي بالوعود ولا يفي بها.
لماذا يُطلب من الأردني وحده أن يُضحّي؟ لماذا لا يُقدّم العالم الدعم الكافي ليخفف من أعبائه؟ الحكومة مطالبة بأن تضع المواطن الأردني في المقام الأول، وأن تدافع عنه في كل محفل دولي. كرامة الأردني ليست للتفاوض، وحقه في حياة كريمة يجب أن يكون الأولوية القصوى. الأردني لم يخلق ليكون حائط الصد لكل الأزمات دون أن يجد من يُسانده أو يُخفف عنه.
الأردني الذي أفنى عمره في بناء وطنه، بعرقه وجهده، يواجه اليوم واقعاً مراً يفرض عليه تحمل ليس فقط تكلفة اللجوء، بل أيضاً رؤية ما بناه يُهدَم على أيدي بعض اللاجئين الذين تحولوا من مستفيدين من كرم الأردن إلى أصحاب أجندات تطرح المشاريع شرقاً وغرباً، دون أي اعتبار للهوية الوطنية أو حق الأردني في وطنه.
كيف يُسمح لهؤلاء بأن يصبحوا أصحاب القرار؟ لقد استقبلهم الأردن كمحتاجين، وأعطاهم المأوى والعمل، ولكنهم اليوم يقدمون المشاريع التي تُهمل مصلحة الأردني، وتهدم ما بناه هذا الشعب عبر عقود. مشاريعهم لا تهدف إلى تعزيز الوطن، بل إلى تغيير معالمه وتشويه هويته، وكأن الأردن بات منصة لتحقيق مصالحهم الشخصية والسياسية، يتشدقون بالتقدم والازدهار، بينما ينسجون خططاً تُقصي الأردني وتجعله غريباً في أرضه.
ما الذي يبقى للأردني إذا تم تهميشه؟ المشاريع المطروحة اليوم ليست سوى واجهة لسياسات أعمق تهدف إلى سلب الأردني منجزاته، وتفكيك أسس الدولة التي بناها بعرقه وتضحياته. هذه المشاريع لا تراعي حقوق الأردنيين، ولا تحترم ثقافتهم وهويتهم التي صمدت أمام كل الأزمات.
الحكومة مطالبة بإعادة النظر بجدية في هذا الخلل، فلا يمكن أن يُترك الأردني وحده يصارع من أجل الحفاظ على وطنه، بينما يتم السماح للآخرين بطرح مشاريع تُهدد وجوده وتُقوّض ما بناه أجداده وآباؤه. الأردني أولاً، وحقه في وطنه غير قابل للتفاوض. إذا كان هؤلاء الوافدون يعتقدون أن الأردن يمكن أن يكون ساحة لتنفيذ مخططاتهم، فعليهم أن يدركوا أن الأردني لن يقف صامتاً.
الأردني هو من بنى هذا الوطن، ومن واجب الحكومة أن تصون هذا البناء، وتحميه من أي مشاريع تهدد أساساته. الأردني هو صاحب الحق، ومن لا يحترم هذا الحق، لا مكان له في مستقبل هذا الوطن.
الأرقام لا تكذب؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن كل 2231 ديناراً يتم إنفاقها على التنمية في عمان يقابلها دينار واحد فقط يُنفق في الطفيلة. هذا التفاوت الصارخ ليس فقط غير عادل، بل هو تهديد مباشر لوحدة النسيج الوطني. كيف يمكن لحكومة تدّعي العمل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة أن تستمر في تكريس هذه الفجوة التنموية؟
الأدهى من ذلك أن الحكومة، بدلاً من العمل على تخفيف هذا التركز الاقتصادي، تخطط لمزيد من المشاريع التي تزيد من مركزية التنمية في عمان والزرقاء، متجاهلة أن المحافظات الجنوبية والشمالية تكاد تختنق من نقص الفرص وتراجع الخدمات الأساسية.
إذا أرادت الحكومة تحقيق التوازن الحقيقي، فعليها أن تبدأ بإعادة توزيع الاستثمارات والمشاريع الكبرى بما يحقق العدالة بين المحافظات. الأردن ليس عمان والزرقاء فقط، بل هو الطفيلة ومعان والكرك وإربد وعجلون أيضاً، التهميش المستمر للمحافظات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، ما يشكل قنبلة موقوتة لا يمكن تجاهلها.
يا دولة الرئيس، الأردن ليس رقماً في حسابات الحكومة، وليس مشروعاً اقتصادياً ينتظر التمويل الخارجي. إنه وطنٌ له تاريخ وثقافة وهوية، وله شعبٌ يمجد تقاليده الراسخة. البيان الوزاري غاب عنه الحديث عن هذه الهوية التي تتعرض لمحاولات الطمس والتذويب، أين الحديث عن حماية الثقافة الأردنية، أين الخطط لتكريس تقاليد البادية والريف والمدن الأردنية كجزء أصيل من نهضة الوطن؟
الأردنيون الذين واجهوا التحديات وصمدوا أمام أعتى الأزمات يريدون حكومةً تعترف بثقافتهم وهويتهم، لا أن تتعامل معهم كأرقام في معادلات التنمية.
يا دولة الرئيس، إذا أردتم النجاح في تنفيذ برامجكم، فعليكم أن تبدأوا من الأساس: كرامة الأردنيين وهويتهم. فالأردنيون ليسوا مجرد منفذين لخططكم، بل هم الشركاء الحقيقيون في بناء هذا الوطن، كما أن حماية الكرامة الوطنية تبدأ بالاعتراف بتضحيات الأردنيين وصمودهم، لا بتجاهلها.
وعلى الجميع أن يعلم نفسه ويتأقلم مع حقيقة أن الأردن ليس دولة مؤقتة ولا كياناً وظيفياً. إنه وطنٌ خالدٌ بروح أبنائه وهويتهم وتضحياتهم. إذا كان البيان الوزاري قد أغفل هذه الحقيقة، فإن الأردنيين لن يغفروها.
حافظوا على وطننا وهويتنا وكرامتنا وحقنا السيادي وقيادتنا وجيشنا، نكن معكم الى اخر المشوار.
"من لا يؤمن بأن هوية الأردني هي أساس أي مشروع؛ فلا مكان له بيننا"
الأردن ليس مجرد اقتصاد أو مؤسسات حكومية؛ إنه ثقافة وتقاليد راسخة، وهوية متجذرة في البادية والريف والمدن. هو دم الشهداء الذين ارتوت به الأرض، وعزف الأجداد أهازيجه تحت سماء الكرامة. هو كفاح الأمهات في سهوله، وصمود رجاله في ميادين الكرامة. ومع ذلك، جاء البيان الوزاري ليُهمّش هذه القيم العظيمة، ويغرق في لغة الأرقام والمشاريع، وكأن الوطن يمكن اختزاله في حساباتٍ باردةٍ وأرقامٍ جامدة.
أين الالتزام بحماية الإرث الثقافي الأردني الذي يمثل روح هذا الشعب وعزيمته التي لا تُكسر؟ أين الخطط لتعزيز التقاليد التي تميز هذا الوطن وتجعله متفرداً في محيطه، وسط أمواج العولمة التي تسعى لتذويب الهويات وطمس الكرامة؟
البيان الوزاري الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام مجلس النواب، وعلى الرغم من شعاراته الطموحة وخططه الواسعة، تجاهل أن الهوية منشأ الانتماء، والانتماء هو أبو الأداء، والأداء هو أبو المنجز. كيف يمكن للحكومة أن تطمح لتحقيق إنجازات بينما يغيب في خطابها التركيز على الانتماء الوطني كشرطٍ أساسي لكل تقدم؟
الأردنيون الذين صمدوا في وجه كل التحديات، وضنك العيش، لم يسمعوا في هذا البيان ما يطمئنهم بأن تضحياتهم وهويتهم هي أساس السياسات الوطنية. كأن الحكومة نسيت أن هذا الشعب الذي قدّم أبناؤه حياتهم على أسوار القدس وفي اللطرون وباب الواد، يحتاج إلى خطابٍ يُعيد إليه الثقة بأن الأردن ليس مجرد دولة عابرة، بل وطنٌ خالد.
لعل من المثير للاستغراب أن يُلقى هذا البيان أمام مجلس نيابي يضم بين أعضائه من ينكرون الأردن، بل ويعملون على تقويض هويته، هناك من ينظر إلى الأردن على أنه مجرد كيان وظيفي نشأ لخدمة مصالح دولية، وهناك من يشكك في قيادة الوطن، ويتهمها بحماية الصهاينة ودعمهم، متجاهلين الحقيقة الساطعة بأن القيادة الأردنية وقفت على الدوام مدافعة عن الحق الفلسطيني، حاملةً لواء الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ووهناك من يتحالف مع مشاريع خارجية تسعى لتقويض السيادة الأردنية، خصوصاً من يتبنون أجندات إيران وأهدافها في المنطقة.
كيف يمكن لحكومة أن تتحدث عن شراكة مع مجلس كهذا، يضم بين صفوفه من يرى الأردن مجرد أداة عابرة أو منصة لأجندات خارجية؟
إحدى الإخفاقات الكبرى التي يعاني منها الأردن اليوم هي تجاهل الهوية التاريخية الأردنية في المناهج الدراسية، وهو أمر يشكل تهديداً طويل الأمد لتماسك الأجيال القادمة وفهمهم لهويتهم الوطنية. المناهج الحالية تكاد تخلو من تسليط الضوء على تاريخ الأردن العريق، من ممالك مؤاب وعمون وأدوم، إلى التضحيات الكبرى التي قدمها الأردنيون في الحروب والمعارك التي صاغت معالم هذه الأمة.
الأخطر من ذلك هو معاداة الكثير من المعلمين والمعلمات لفكرة الهوية التاريخية الأردنية. فبدلاً من غرس حب الوطن وتاريخه في نفوس الطلاب، نجد أن بعض المعلمين يسعون للتشكيك في أهمية هذه الهوية، معتبرين الأردن كياناً وظيفياً أو دولة عابرة، وهو أمر يُضعف شعور الأجيال الصاعدة بالانتماء والفخر بوطنهم.
إذا أردنا بناء وطن قوي ومتماسك، فعلينا أن نبدأ من المدارس. المناهج يجب أن تعكس الهوية الأردنية بصدق ووضوح، ويجب تدريب المعلمين على أن يكونوا سفراء لهذه الهوية، لا أن يتحولوا إلى أدوات تهدمها. غياب هذه الهوية عن مناهج التدريس هو جريمة ثقافية بحق الأردن ومستقبله، واستمرار هذا النهج سيؤدي إلى أجيال تفتقد الانتماء لوطنها.
الحكومة، التي تدعي في بيانها الوزاري الالتزام بالتعليم والتحديث، عليها أن تدرك أن أول خطوة في هذا المسار هي إصلاح المناهج، وتطهير قطاع التعليم من أي أفكار أو ممارسات تُعادي الهوية الوطنية. من يرفض الاعتراف بتاريخ الأردن ودوره، ليس له مكان في صفوف المعلمين الذين يشكلون عقول الأجيال القادمة.
من الكارثي والعجيب أن تتجاهل الحكومة في بيانها الوزاري واحدة من أكبر الكوارث التنموية التي يعاني منها الأردن: التركز الاقتصادي في عمان والزرقاء على حساب باقي المحافظات. بينما تُخصص الميزانيات والمشاريع الكبرى لهاتين المدينتين، تعاني المحافظات الأخرى من الإهمال المزمن والفقر المدقع، رغم أنها تمتلك إمكانيات طبيعية وبشرية هائلة يمكن أن تساهم في نهضة البلاد إذا ما أُحسن استثمارها.
الأردني، الذي يُكافح يومياً لتأمين لقمة عيشه وسط أزمات اقتصادية خانقة، يجد نفسه مضطراً لتحمل تكلفة أزمات لم يكن له يد فيها. لماذا يُكتب على الأردني أن يدفع فاتورة اللجوء من الدول المجاورة؟ ففي المدارس، يواجه الأردني اكتظاظ الصفوف التي تكاد لا تستوعب أبناءه بسبب الضغط الناتج عن موجات اللجوء، وفي المستشفيات، تنتظر الأم الأردنية ساعات طويلة لتجد سريراً لطفلها المريض، لأن النظام الصحي غارق في خدمة أعداد تفوق طاقته، وفي سوق العمل، يصارع الشاب الأردني لإيجاد فرصة وسط منافسة غير عادلة مع عمالة وافدة تقبل بأقل الأجور، ما يدفعه إلى البطالة أو الهجرة.
الأردني لم يطلب أن يكون هو الحامل الوحيد لتكاليف اللجوء. فمنذ عقود، فتح الأردني بيته وشارك طعامه وماءه، وتحمل عبء الإخوة الوافدين من الدول المجاورة، لكن هذا الكرم الإنساني تحول إلى عبء دائم يثقل كاهله، بينما المجتمع الدولي يُلقي بالوعود ولا يفي بها.
لماذا يُطلب من الأردني وحده أن يُضحّي؟ لماذا لا يُقدّم العالم الدعم الكافي ليخفف من أعبائه؟ الحكومة مطالبة بأن تضع المواطن الأردني في المقام الأول، وأن تدافع عنه في كل محفل دولي. كرامة الأردني ليست للتفاوض، وحقه في حياة كريمة يجب أن يكون الأولوية القصوى. الأردني لم يخلق ليكون حائط الصد لكل الأزمات دون أن يجد من يُسانده أو يُخفف عنه.
الأردني الذي أفنى عمره في بناء وطنه، بعرقه وجهده، يواجه اليوم واقعاً مراً يفرض عليه تحمل ليس فقط تكلفة اللجوء، بل أيضاً رؤية ما بناه يُهدَم على أيدي بعض اللاجئين الذين تحولوا من مستفيدين من كرم الأردن إلى أصحاب أجندات تطرح المشاريع شرقاً وغرباً، دون أي اعتبار للهوية الوطنية أو حق الأردني في وطنه.
كيف يُسمح لهؤلاء بأن يصبحوا أصحاب القرار؟ لقد استقبلهم الأردن كمحتاجين، وأعطاهم المأوى والعمل، ولكنهم اليوم يقدمون المشاريع التي تُهمل مصلحة الأردني، وتهدم ما بناه هذا الشعب عبر عقود. مشاريعهم لا تهدف إلى تعزيز الوطن، بل إلى تغيير معالمه وتشويه هويته، وكأن الأردن بات منصة لتحقيق مصالحهم الشخصية والسياسية، يتشدقون بالتقدم والازدهار، بينما ينسجون خططاً تُقصي الأردني وتجعله غريباً في أرضه.
ما الذي يبقى للأردني إذا تم تهميشه؟ المشاريع المطروحة اليوم ليست سوى واجهة لسياسات أعمق تهدف إلى سلب الأردني منجزاته، وتفكيك أسس الدولة التي بناها بعرقه وتضحياته. هذه المشاريع لا تراعي حقوق الأردنيين، ولا تحترم ثقافتهم وهويتهم التي صمدت أمام كل الأزمات.
الحكومة مطالبة بإعادة النظر بجدية في هذا الخلل، فلا يمكن أن يُترك الأردني وحده يصارع من أجل الحفاظ على وطنه، بينما يتم السماح للآخرين بطرح مشاريع تُهدد وجوده وتُقوّض ما بناه أجداده وآباؤه. الأردني أولاً، وحقه في وطنه غير قابل للتفاوض. إذا كان هؤلاء الوافدون يعتقدون أن الأردن يمكن أن يكون ساحة لتنفيذ مخططاتهم، فعليهم أن يدركوا أن الأردني لن يقف صامتاً.
الأردني هو من بنى هذا الوطن، ومن واجب الحكومة أن تصون هذا البناء، وتحميه من أي مشاريع تهدد أساساته. الأردني هو صاحب الحق، ومن لا يحترم هذا الحق، لا مكان له في مستقبل هذا الوطن.
الأرقام لا تكذب؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن كل 2231 ديناراً يتم إنفاقها على التنمية في عمان يقابلها دينار واحد فقط يُنفق في الطفيلة. هذا التفاوت الصارخ ليس فقط غير عادل، بل هو تهديد مباشر لوحدة النسيج الوطني. كيف يمكن لحكومة تدّعي العمل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة أن تستمر في تكريس هذه الفجوة التنموية؟
الأدهى من ذلك أن الحكومة، بدلاً من العمل على تخفيف هذا التركز الاقتصادي، تخطط لمزيد من المشاريع التي تزيد من مركزية التنمية في عمان والزرقاء، متجاهلة أن المحافظات الجنوبية والشمالية تكاد تختنق من نقص الفرص وتراجع الخدمات الأساسية.
إذا أرادت الحكومة تحقيق التوازن الحقيقي، فعليها أن تبدأ بإعادة توزيع الاستثمارات والمشاريع الكبرى بما يحقق العدالة بين المحافظات. الأردن ليس عمان والزرقاء فقط، بل هو الطفيلة ومعان والكرك وإربد وعجلون أيضاً، التهميش المستمر للمحافظات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، ما يشكل قنبلة موقوتة لا يمكن تجاهلها.
يا دولة الرئيس، الأردن ليس رقماً في حسابات الحكومة، وليس مشروعاً اقتصادياً ينتظر التمويل الخارجي. إنه وطنٌ له تاريخ وثقافة وهوية، وله شعبٌ يمجد تقاليده الراسخة. البيان الوزاري غاب عنه الحديث عن هذه الهوية التي تتعرض لمحاولات الطمس والتذويب، أين الحديث عن حماية الثقافة الأردنية، أين الخطط لتكريس تقاليد البادية والريف والمدن الأردنية كجزء أصيل من نهضة الوطن؟
الأردنيون الذين واجهوا التحديات وصمدوا أمام أعتى الأزمات يريدون حكومةً تعترف بثقافتهم وهويتهم، لا أن تتعامل معهم كأرقام في معادلات التنمية.
يا دولة الرئيس، إذا أردتم النجاح في تنفيذ برامجكم، فعليكم أن تبدأوا من الأساس: كرامة الأردنيين وهويتهم. فالأردنيون ليسوا مجرد منفذين لخططكم، بل هم الشركاء الحقيقيون في بناء هذا الوطن، كما أن حماية الكرامة الوطنية تبدأ بالاعتراف بتضحيات الأردنيين وصمودهم، لا بتجاهلها.
وعلى الجميع أن يعلم نفسه ويتأقلم مع حقيقة أن الأردن ليس دولة مؤقتة ولا كياناً وظيفياً. إنه وطنٌ خالدٌ بروح أبنائه وهويتهم وتضحياتهم. إذا كان البيان الوزاري قد أغفل هذه الحقيقة، فإن الأردنيين لن يغفروها.
حافظوا على وطننا وهويتنا وكرامتنا وحقنا السيادي وقيادتنا وجيشنا، نكن معكم الى اخر المشوار.
"من لا يؤمن بأن هوية الأردني هي أساس أي مشروع؛ فلا مكان له بيننا"
نيسان ـ نشر في 2024/12/02 الساعة 00:00