هجرة ..ام بلد يأكل ابنائه بشربة ماء ؟؟!

حاتم الأزرعي
نيسان ـ نشر في 2024/12/04 الساعة 00:00
اشعر بإرباك وقلق شديدين كلما دعتني الحاجة لمراجعة اي وزارة أو مؤسسة أو دائرة رسمية لإنجاز معاملة ما ، أو الحصول على خدمة ، ليقيني وقناعتي الراسخة ،المبنية على خبرات وتجارب مريرة سابقة ، بأن هناك من الأشخاص والأنظمة والتعليمات والإجراءات التي تشكل عصيا في الدواليب تحول دون انجاز اي حاجة أو مطلب أو الاستجابة لشكوى بسلاسة دون هدر الكرامة ، والنتيجة الدائمة ،الخروج بخفي حنين .
وترددت كثيرا في الكتابة حول فواتير سلطة المياه ، ذلك أنني واحد من ضحاياها ، ولم أعتد الكتابة في شأن خاص ، لكن من مراجعاتي المستمرة ، للوقوف على ارتفاع قيمة فاتورة استهلاك المياه ،وجدت أن الشكوى من ارتفاع قيمة الفواتير حالة عامة ،يئن تحت وطأتها عدد كبير من المستهلكين للمياه من الشبكة العامة .
وفي التفاصيل ، وجدت نفسي فجأة ودون مقدمات إزاء فاتورة استهلاك مياه خلال شهر واحد تتطلب تحويل راتبي التقاعدي كاملا إلى سلطة المياه ، وربما لا يكفي لسد تعطشها للجباية !!. كما أن قيمة الفاتورة تعادل ثلاثة أضعاف راتب ابني المستأجر للشقة !!.
تابطت شرا ، وبوجهي إلى الجهة المعنية في العاصمة عمان ، وعبثا حاولت ان التقي مسؤولا هناك ، ولم أفلح ، فاكتفيت بالشرح والشكوى والتذمر ،لموظف يجلس خلف حاجز زجاجي ، عند مدخل شركة مياهنا ، وأخذت اسرد اسباب الاعتراض على الفاتورة وفي مقدمتها أن الشقة يسكنها ابني العازب وهو يخرج منذ الصباح الباكر لعمله ويعود مساء ولا يمارس اي نشاط يفضي إلى استهلاك المياه وفي نهاية الأسبوع يغادر الشقه ، التي غالبا لا تصلها المياه وتنقطع عنها لأسابيع ، فكيف يترتب عليها فاتورة قيمتها أكثر من سبعمائة دينار علما أن الاستهلاك الشهري المعتاد لا يتجاوز المقطوعية !!؟؟.
وبعد شرح " وشبرحة " وانفعال واستفاضة في سوق مبررات رفض قيمة الفاتورة لتجاوزها عن حدود المعقول والمنطق ، ومدى الظلم والظيم الذي احاق بي بسببها ،اكتشفت
أن الموظف غير آبه ولا تعنيه التفاصيل التي أسوقها ، واكتفى بالقول : " شكلت لجنة وسوف نبلغك بقرارها خلال شهر عبر رسالة نصية " ومرت الايام ثقيلة بانتظار القرار ، وفي الشهر التالي وقبل صدور القرار صدرت فاتورة أخري باكثر من مائتي دينار .
وفعلا وعقب مدة زمنية أحسستها دهرا بسبب التوتر والقلق والخوف وصلتني الرسالة التالية "نتيجة اعتراضكم عن الاشتراك 423807 تقرر تخفيض مبلغ 502.644 يرجى مراجعة الشركة خلال اسبوع تجنبا لحجب الخدمةعزيزنا المشترك " .
وللأمانة راقت لي "عزيزنا المشترك" ، وشعرت اني ارفع تظلمي لعزيز يأخذ قلقي وتوتري بالحسبان ، فتحمست للتقدم بشكوى لوزارة المياه اعتراضا على المبلغ المتبقي ،لانه ظالم أيضا ولا يتسق مع معطيات الاستهلاك الشهري المعتاد طيلة سنوات ، وتأملت خيرا بأن الوزارة لن ترضى بظلم مواطن اردني .
وخاب ظني ،إذ بعد شهر من الاعتراض ،وصلتني رسالة نصية جاء فيها "نتيجة اعتراضكم على الاشتراك رقم 423807 تقرر تأييد مطالبة يرجى مراجعة الشركة " ، ولم يزعجني القرار بقدر انزجاجي هذه المرة من خلو الرسالة من " عزيزي المشترك " !! واحترت لماذا يا ترى لم أخاطب بلطف كما في رسائل سابقة ؟؟؟.
وفي نهاية المطاف ، والى أن اراجع شركة مياهنا في عاصمتنا الحبيبة عمان ،ستبقى تحاصرني الاسئلة وتلفني دوامة السخط والغضب والاحساس العميق بالظلم والظيم يشاطرني كل ذلك أبناء بلدي الواقعين تحت نير فواتير فلكية تتفن وزارة المياه ومعها الشركات الخاصة الجابية وتبدع في خلق المبررات والصياغات الفنية لخداعنا بأن التحصيل يتسق مع "الاستهلاك " .
ولا تهمني كثيرا الاسئلة حول كيف " شمط " الاستهلاك فجأة من دينارين إلى أكثر من سبعمائة في دورة أو دورتين ؟؟!! ولن اسأل كيف تم " شطب " خمسمائة دينار ؟؟!! ولماذا ابقي على أكثر من مائتي دينار ؟؟ والاسئلة كثيرة ،لكن السؤال الأهم الذي يطاردني ليل نهار ،لماذا تصر الحكومة على وضع رقابنا تحت مقصلة الشركات الخاصة في كل شأن من شؤون حياتنا اليومية ؟؟!!!.
وبعد ذلك وقبله ، وليس بدواعي الفاتورة وتحت تأثير تداعياتها ، فهي اصغر المصائب ،لا بل المصاعب ، أخوض صراعا داميا مع نفسي هل اشجع "سيفا " ابني على الهجرة أم التشبث بالوطن ؟؟ وتنعرني الفاتورة ذاتها في خاصرتي وتخاطبني معزرة " إذا كان راتبه الشهري لا يغطي قيمة فاتورة مياه شهرية ، فكيف يتسنى له العيش في بلد يأكل ابنائه بشربة ماء !!!!.ويأتيها الجواب مني حاسما لا رجعة عنه "وطني ليس حقيبة وانا لست مسافر " ،وسنبقى شوكة في حلق كل من يحاول دفعنا للهجرة بعيدا عن تراب وطن نعشق أن يضمنا حين تنحرنا سكين الفساد غدرا !!
    نيسان ـ نشر في 2024/12/04 الساعة 00:00