أبْصَرْنَ بعينيهِ.. عبّاس العقاد عاشقا (1)
نيسان ـ نشر في 2024/12/16 الساعة 00:00
بروين حبيب
قبل ستين سنة من الآن بتمامها في عام 1964 توفي الأديب والمفكر المصري عباس محمود العقاد، بعد أن كان ملء السمع والبصر في الحياة الأدبية والفكرية العربية في القرن العشرين، ولا نذكره إلّا وترد على الخاطر سلسلة عبقرياته وموسوعيّته ومعاركه الأدبية مع صديقه اللدود طه حسين ومع الرافعي وغيرهما. وحين نقارن بين الاحتفالات التي أقيمت هذه السنة للذكرى الثمانين لوفاة أنطوان دو سانت إكزوبيري أو مئوية وفاة فرانز كافكا وقد كتبتُ عنهما في الأسبوعين الماضيين، نرى الفارق جليا بين أمم تقدر مبدعيها وتعيد طباعة أعمالهم، وعالمنا العربي الذي تمر فيه ذكرى وفاة مبدعيه الكبار وكأنها لا حدث، وإلّا من تذكر بدر شاكر السياب مثلا وهذه السنة أيضا هي الذكرى الستون لوفاته؟
وعباس محمود العقاد لفت الأنظار إليه بكتاباته لا شك في ذلك، ولكن أيضا بحياته الشخصية، خاصة علاقاته الغرامية، وهو الذي عاش أعزب طيل حياته. وأذكر حين كتبت كتابي «أبصرت بعينيها.. المرأة في حياة طه حسين أدبه» عانيت في لملمة شتات الموضوع، فقد فوجئت أنه لم يكتب فيه من قبل سوى شذرات بسيطة، ولولا سيرته الذاتية «الأيام» ومذكرات زوجته سوزان «معك» لفقدنا الكثير من قطع البازل في قصة حبهما الملهمة، بعكس العقاد فقد كَتبَ هو وكُتِبَ عن المرأة في حياته، بل صدرت كتب كاملة في الموضوع، فإضافة إلى روايته الوحيدة «سارة» التي وثق فيها قصة حب مرّ بها، كتب عبد الحي دياب بعد وفاة العقاد بأربع سنوات كتابا بعنوان «المرأة في حياة العقاد»، ثم صدر للكاتب والصحافي عامر العقاد ابن أخ عباس محمود العقاد كتابا عن قصص حب عمه بعنوان «غراميات العقاد»، إضافة إلى ما ورد في كتاب أنيس منصور الشهير «في صالون العقاد كانت لنا أيام»، أو كتاب صديقه ومستودع أسراره محمد طاهر الجبلاوي «من ذكرياتي في صحبة العقاد»، دون إغفال عشرات المقالات التي تناولت حياة عباس محمود العقاد العاطفية. ورغم غراميات العقاد المتعددة، التي سنعرض لأشهر ثلاثة منها لم يرتبط بطريقة رسمية بأيٍّ من عشيقاته، وقد سئل مرارا في ندوته الأسبوعية في بيته، لماذا لم يتزوج؟ فكان يجيب بعد ضحكة مجلجلة بأنه «حينما أراد الزواج لم يجد الوسيلة، وحين توفرت الوسيلة انعدمت الإرادة». وبعكس ما يشاع عنه من كرهه للمرأة – وهو قد أنكر هذه التهمة مرارا- يجمع عارفوه، أن نفسه «كانت تنطوي على قلب رقيق نابض بالحب.
وأنه عاش أياما من حياته ذاق فيها طعم الهجر وقاسى خلالها من الشك ما قاسى»، كما يخبر عنه ابن أخيه عامر العقاد، وهذا ما أكده أيضا أنيس منصور حين كتب «ولكن العقاد كان محبا، وكان عاشقا، وعرف البكاء، وعرف جروحا عميقة في كبريائه وتعذب من الشك». ولفظة الشك التي اشترك فيها عامر العقاد وأنيس منصور هي المفتاح الذي يدخلنا إلى نفسية العقاد. فعلاقاته الثلاث التي اشتهرت كلها، أفسدتها الغيرة والشك وهي من أخص خصائص الشخصية الشرقية، وقد التقط واسيني الأعرج هذا المفتاح في شخصية العقاد، حين كتب مقاله «العقاد ضحية شرقيته» ولخص ذلك في جملة ترسم خريطة لنفسية للعقاد، حين كتب «كان متملكا أكثر منه محبا». يبدو ذلك جليا في حبه الأول لمي زيادة، رغم أنه كان شابا يومها في السابعة والعشرين من عمره ومي في الواحدة والعشرين، ورغم أن الحب بينهما كان إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح، إلا أن الغيرة كانت تنتابه من عاشقيها. ولا ننسى أن مي زيادة كانت في صالونها الأدبي نقطة جذب لكل أدباء مصر والعالم العربي يومها، فتلك البنت النحيلة الحالمة، التي تتكلم همسا كانت تجمع عندها كل ثلاثاء مروحة واسعة من المعجبين منهم أحمد شوقي ومصطفى عبد الرازق وخليل مطران وإسماعيل صبري الذي كان رئيس صالونها، وقال فيها البيت الذي اشتهر على الألسنة: إِنْ لَمْ أُمتِّع بمَيٍّ ناظريَّ غدا/ أَنْكرتُ صُبْحكَ يا يوم الثُّلاثاءِ، إضافة إلى من كانت تراسلهم ويراسلونها من مختف أرجاء العالم.
وحتى نبتعد عن التخمين والتكهن، نجزم بأن عباس محمود العقاد أحبّ مي زيادة باعتراف صريح منه لصديقه الأديب طاهر الطناحي حين قال: «لقد أحببت في حياتي مرتين سارة ومي» كما أفرد عامر العقاد في كتابه الذي ذكرناه فصلا من خمسين صفحة بعنوان «الآنسة مي» وثق فيه هذا الحب من خلال أشعار العقاد ورسائلهما المتبادلة، وإن بقي هذا الحب محتشما بعيدا عن البوح، ولعل طبيعة مي زيادة المحافظة هي التي كانت تفرض هذه المسافة، وإلا فأي بوح بين عاشقين هذا؟ وهو يخاطبها في رسائله بـ»سيدتي الآنسة النابغة» أو «صديقتي الآنسة الفضلى»، ولعل جبران خليل جبران كان متقدما على العقاد خطوة في علاقته بمي حين كان يدبج رسائله بـ»عزيزتي»، أو «يا صديقتي يا مي».
بدأت علاقة العقاد بمي كجميع من عرفوها قبله وبعده بالمراسلة، فكتب لها رسائل غزلية، ولكنها لم تُبدِ له أنها قرأتها فيضطر كما كتب مرة «إلى مغازلتها فتقابل غزله بإيماءة من إصبعها كالمنذرة المتوعدة، ينظر إلى عينيها ويطيل النظر إليها فتزداد حيرته لأنه لا يدري إن كانت تستزيده، أم تنهاه». والحقيقة أن مي زيادة أتقنت التحكم في المسافة بينها وبين جميع عاشقيها: فكلٌّ يدَّعي وصلا بـ(مَيٍّ)/ و(ميٌّ) لا تقرّ لهم بذاكا.
فهي حين اللقاء المباشر تبقي الحديث تلميحا وكناية، حتى إن التقيا على انفراد، لذلك شبهها العقاد براهبة في دير، ولكنها حين تكتب تنطلق قليلا كأن تراسله قائلة «سأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان، ثم أبكي أمامك وأنت لا تدري.. في حضورك سأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك، وفي غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك». لكن مشكلة هذا الحب تكمن في طبيعة العقاد التملكية، وفي تحفّظ مي على العلاقة الجسدية، فلم يكن لرجل بشخصية العقاد المعتزة بنفسها والموغلة في كبريائها أن يقبل أن يكون له شركاء في حب مي، خاصة أن بعضهم كان من ألد خصومه مثل الرافعي، بل انتقد جبران خليل جبران مرة في إحدى مقالاته وما ذاك في رأيي إلا غيرة من علاقته بمي، ولعلها أشارت إلى هذا بطرف خفي حين كتبت له مرّة «والآن عرفت شعورك، وعرفت لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران.. لا تحسب إنني أتهمك بالغيرة من جبران، فهو في نيويورك لم يرني ولعله لن يراني، كما أنني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف».
وأصر العقاد أن يلتقيها وحده في يوم الأحد لا أن يكون رقما ضمن المعجبين في صالون الثلاثاء. وكان يحاول لفت نظر مي إليه بأي وسيلة، ولو بتعريض نفسه للخطر فقد روت الأديبة جاذبية صدقي، أن عباس العقاد أخبرها أنه كان حين يتشاجر مع مي يتهور ويهاجم خصومه السياسيين بشدة، حتى تأتي إليه مستعطفة أن يكف عن مهاجمة الحكومة خوفا عليه، وتنقل جملة طريفة على لسانه «كم من مرة ظلمت إسماعيل صدقي وثروت (كانا رئيسي وزراء في العهد الملكي) لا لشيء إلا لكي تجيئني مي تبدأني بالحديث وتنهي الخصام». وما كان لهذا الحب أن يستمر فهو يريد من مي ما لا تقدر أن تعطيه إياه، بل كان كما وصف علاقتهما «أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين يتلاقيان وكلاهما على جذوره»، إلى أن شعرت مي زيادة أن هناك من تنافسها على قلبه، فزارته دون موعد مسبق في مكتبه في جريدة «البلاغ»، وحين سألها عن سبب الزيارة المفاجأة أجابت: لست زائرة ولا سائلة، وانحدرت من عينيها دمعتان، وحين هم بتقبيل يدها قالت: دع يدي ودعني، وانصرفت هي للمتاعب التي لاحقتها حتى أدخلتها العصفورية وأوصلتها إلى حافة الجنون، وهو إلى قصة حب جديدة عنيفة هي النقيض مع حبه العذري الحالم مع مي زيادة، ولحسن حظنا أن عباس محمود العقاد خلد قصة حبه الثانية بتفاصيلها في روايته الوحيدة «سارة».
شاعرة وإعلامية من البحرين
قبل ستين سنة من الآن بتمامها في عام 1964 توفي الأديب والمفكر المصري عباس محمود العقاد، بعد أن كان ملء السمع والبصر في الحياة الأدبية والفكرية العربية في القرن العشرين، ولا نذكره إلّا وترد على الخاطر سلسلة عبقرياته وموسوعيّته ومعاركه الأدبية مع صديقه اللدود طه حسين ومع الرافعي وغيرهما. وحين نقارن بين الاحتفالات التي أقيمت هذه السنة للذكرى الثمانين لوفاة أنطوان دو سانت إكزوبيري أو مئوية وفاة فرانز كافكا وقد كتبتُ عنهما في الأسبوعين الماضيين، نرى الفارق جليا بين أمم تقدر مبدعيها وتعيد طباعة أعمالهم، وعالمنا العربي الذي تمر فيه ذكرى وفاة مبدعيه الكبار وكأنها لا حدث، وإلّا من تذكر بدر شاكر السياب مثلا وهذه السنة أيضا هي الذكرى الستون لوفاته؟
وعباس محمود العقاد لفت الأنظار إليه بكتاباته لا شك في ذلك، ولكن أيضا بحياته الشخصية، خاصة علاقاته الغرامية، وهو الذي عاش أعزب طيل حياته. وأذكر حين كتبت كتابي «أبصرت بعينيها.. المرأة في حياة طه حسين أدبه» عانيت في لملمة شتات الموضوع، فقد فوجئت أنه لم يكتب فيه من قبل سوى شذرات بسيطة، ولولا سيرته الذاتية «الأيام» ومذكرات زوجته سوزان «معك» لفقدنا الكثير من قطع البازل في قصة حبهما الملهمة، بعكس العقاد فقد كَتبَ هو وكُتِبَ عن المرأة في حياته، بل صدرت كتب كاملة في الموضوع، فإضافة إلى روايته الوحيدة «سارة» التي وثق فيها قصة حب مرّ بها، كتب عبد الحي دياب بعد وفاة العقاد بأربع سنوات كتابا بعنوان «المرأة في حياة العقاد»، ثم صدر للكاتب والصحافي عامر العقاد ابن أخ عباس محمود العقاد كتابا عن قصص حب عمه بعنوان «غراميات العقاد»، إضافة إلى ما ورد في كتاب أنيس منصور الشهير «في صالون العقاد كانت لنا أيام»، أو كتاب صديقه ومستودع أسراره محمد طاهر الجبلاوي «من ذكرياتي في صحبة العقاد»، دون إغفال عشرات المقالات التي تناولت حياة عباس محمود العقاد العاطفية. ورغم غراميات العقاد المتعددة، التي سنعرض لأشهر ثلاثة منها لم يرتبط بطريقة رسمية بأيٍّ من عشيقاته، وقد سئل مرارا في ندوته الأسبوعية في بيته، لماذا لم يتزوج؟ فكان يجيب بعد ضحكة مجلجلة بأنه «حينما أراد الزواج لم يجد الوسيلة، وحين توفرت الوسيلة انعدمت الإرادة». وبعكس ما يشاع عنه من كرهه للمرأة – وهو قد أنكر هذه التهمة مرارا- يجمع عارفوه، أن نفسه «كانت تنطوي على قلب رقيق نابض بالحب.
وأنه عاش أياما من حياته ذاق فيها طعم الهجر وقاسى خلالها من الشك ما قاسى»، كما يخبر عنه ابن أخيه عامر العقاد، وهذا ما أكده أيضا أنيس منصور حين كتب «ولكن العقاد كان محبا، وكان عاشقا، وعرف البكاء، وعرف جروحا عميقة في كبريائه وتعذب من الشك». ولفظة الشك التي اشترك فيها عامر العقاد وأنيس منصور هي المفتاح الذي يدخلنا إلى نفسية العقاد. فعلاقاته الثلاث التي اشتهرت كلها، أفسدتها الغيرة والشك وهي من أخص خصائص الشخصية الشرقية، وقد التقط واسيني الأعرج هذا المفتاح في شخصية العقاد، حين كتب مقاله «العقاد ضحية شرقيته» ولخص ذلك في جملة ترسم خريطة لنفسية للعقاد، حين كتب «كان متملكا أكثر منه محبا». يبدو ذلك جليا في حبه الأول لمي زيادة، رغم أنه كان شابا يومها في السابعة والعشرين من عمره ومي في الواحدة والعشرين، ورغم أن الحب بينهما كان إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح، إلا أن الغيرة كانت تنتابه من عاشقيها. ولا ننسى أن مي زيادة كانت في صالونها الأدبي نقطة جذب لكل أدباء مصر والعالم العربي يومها، فتلك البنت النحيلة الحالمة، التي تتكلم همسا كانت تجمع عندها كل ثلاثاء مروحة واسعة من المعجبين منهم أحمد شوقي ومصطفى عبد الرازق وخليل مطران وإسماعيل صبري الذي كان رئيس صالونها، وقال فيها البيت الذي اشتهر على الألسنة: إِنْ لَمْ أُمتِّع بمَيٍّ ناظريَّ غدا/ أَنْكرتُ صُبْحكَ يا يوم الثُّلاثاءِ، إضافة إلى من كانت تراسلهم ويراسلونها من مختف أرجاء العالم.
وحتى نبتعد عن التخمين والتكهن، نجزم بأن عباس محمود العقاد أحبّ مي زيادة باعتراف صريح منه لصديقه الأديب طاهر الطناحي حين قال: «لقد أحببت في حياتي مرتين سارة ومي» كما أفرد عامر العقاد في كتابه الذي ذكرناه فصلا من خمسين صفحة بعنوان «الآنسة مي» وثق فيه هذا الحب من خلال أشعار العقاد ورسائلهما المتبادلة، وإن بقي هذا الحب محتشما بعيدا عن البوح، ولعل طبيعة مي زيادة المحافظة هي التي كانت تفرض هذه المسافة، وإلا فأي بوح بين عاشقين هذا؟ وهو يخاطبها في رسائله بـ»سيدتي الآنسة النابغة» أو «صديقتي الآنسة الفضلى»، ولعل جبران خليل جبران كان متقدما على العقاد خطوة في علاقته بمي حين كان يدبج رسائله بـ»عزيزتي»، أو «يا صديقتي يا مي».
بدأت علاقة العقاد بمي كجميع من عرفوها قبله وبعده بالمراسلة، فكتب لها رسائل غزلية، ولكنها لم تُبدِ له أنها قرأتها فيضطر كما كتب مرة «إلى مغازلتها فتقابل غزله بإيماءة من إصبعها كالمنذرة المتوعدة، ينظر إلى عينيها ويطيل النظر إليها فتزداد حيرته لأنه لا يدري إن كانت تستزيده، أم تنهاه». والحقيقة أن مي زيادة أتقنت التحكم في المسافة بينها وبين جميع عاشقيها: فكلٌّ يدَّعي وصلا بـ(مَيٍّ)/ و(ميٌّ) لا تقرّ لهم بذاكا.
فهي حين اللقاء المباشر تبقي الحديث تلميحا وكناية، حتى إن التقيا على انفراد، لذلك شبهها العقاد براهبة في دير، ولكنها حين تكتب تنطلق قليلا كأن تراسله قائلة «سأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان، ثم أبكي أمامك وأنت لا تدري.. في حضورك سأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك، وفي غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك». لكن مشكلة هذا الحب تكمن في طبيعة العقاد التملكية، وفي تحفّظ مي على العلاقة الجسدية، فلم يكن لرجل بشخصية العقاد المعتزة بنفسها والموغلة في كبريائها أن يقبل أن يكون له شركاء في حب مي، خاصة أن بعضهم كان من ألد خصومه مثل الرافعي، بل انتقد جبران خليل جبران مرة في إحدى مقالاته وما ذاك في رأيي إلا غيرة من علاقته بمي، ولعلها أشارت إلى هذا بطرف خفي حين كتبت له مرّة «والآن عرفت شعورك، وعرفت لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران.. لا تحسب إنني أتهمك بالغيرة من جبران، فهو في نيويورك لم يرني ولعله لن يراني، كما أنني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف».
وأصر العقاد أن يلتقيها وحده في يوم الأحد لا أن يكون رقما ضمن المعجبين في صالون الثلاثاء. وكان يحاول لفت نظر مي إليه بأي وسيلة، ولو بتعريض نفسه للخطر فقد روت الأديبة جاذبية صدقي، أن عباس العقاد أخبرها أنه كان حين يتشاجر مع مي يتهور ويهاجم خصومه السياسيين بشدة، حتى تأتي إليه مستعطفة أن يكف عن مهاجمة الحكومة خوفا عليه، وتنقل جملة طريفة على لسانه «كم من مرة ظلمت إسماعيل صدقي وثروت (كانا رئيسي وزراء في العهد الملكي) لا لشيء إلا لكي تجيئني مي تبدأني بالحديث وتنهي الخصام». وما كان لهذا الحب أن يستمر فهو يريد من مي ما لا تقدر أن تعطيه إياه، بل كان كما وصف علاقتهما «أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين يتلاقيان وكلاهما على جذوره»، إلى أن شعرت مي زيادة أن هناك من تنافسها على قلبه، فزارته دون موعد مسبق في مكتبه في جريدة «البلاغ»، وحين سألها عن سبب الزيارة المفاجأة أجابت: لست زائرة ولا سائلة، وانحدرت من عينيها دمعتان، وحين هم بتقبيل يدها قالت: دع يدي ودعني، وانصرفت هي للمتاعب التي لاحقتها حتى أدخلتها العصفورية وأوصلتها إلى حافة الجنون، وهو إلى قصة حب جديدة عنيفة هي النقيض مع حبه العذري الحالم مع مي زيادة، ولحسن حظنا أن عباس محمود العقاد خلد قصة حبه الثانية بتفاصيلها في روايته الوحيدة «سارة».
شاعرة وإعلامية من البحرين
نيسان ـ نشر في 2024/12/16 الساعة 00:00