بمناسبة احياء الذكرى 35 لمأساة العشرين من يناير 1990

نيسان ـ نشر في 2025/01/16 الساعة 00:00
في منتصف ليلة العشرين من شهر يناير عام 1990، ارتكبت القوات السوفيتية أكبر مجزرة لها في ذلك الوقت بحق المدنيين الأذربيجانيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ ، وفتحوا نيران أسلحتهم في كل اتجاه وأودت المذبحة بحياة 147 شخصا إضافة إلى مئات المصابين والمفقودين خلال الاحتجاجات التي جرت في باكو عاصمة جمهورية أذربيجان ضد الإدارة السوفييتية، والأطماع الأرمينية المتزايدة في الأراضي الأذربيجانية وبحجة “إعادة النظام إلى المدينة” اقتحم الجيش السوفيتى المدينة وبوحشية بالغة لسحق حركة التحرر الشعبية وأبادة الجيش وقتل الابرياء العزل بالدبابات والمدافع الرشاشة . ويعد هذا الاعتداء بمثابة ضربة في حق الحرية وحقوق الإنسان، وقمعاً لإرادة الشعب الأذربيجاني الذي بحث عن استقلاله وحريته وإقامة دولته المستقلة على أسس العدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ،
وفي كل عام يحيي الشعب الأذربيجاني ذكرى ضحايا وشهداء تحرير جمهورية أذربيجان واستقلالها عن الاتحاد السوفيتى ، المسمى “يناير الأسود”. وبالأذرية (Qara Yanvar) ، بحيث يقوم الالاف من الناس بزيارة مقامات وأضرحة الشهداء لوضع باقات الزهورعلى مقابرهم و حمل أزهار القرنفل التي باتت رمزا لهم والوقوف جميعا دقيقة صمت إحياءا لذكرى شهداء 20 يناير، كما وتنطلق صافرات الإنذار في السفن والسيارات والقطارات في جميع أنحاء البلاد، وتقام المراسم التذكارية في كافة المدن والبلدات وينكس العلم الوطني فوق كافة المباني"تعبيرا عن الوفاء لشهداء الوطن الذي أشعلوا فتيل الاستقلال".
لقد أكدت جمهورية أذربيجان مرارا أنه وبالرغم من المآسي والأهوال التي ألمت بها والتي عانى منها شعبها وعلى رأسها أحداث العشرين من يناير عام 1990م ، واحتلال 20% من أراضيها، وتشريد نحو مليون مواطن من الشعب الأذربيجاني من وطنهم وأراضيهم الأصلية. إلا أنها تتميز دائما بسياسة حب السلام وقد تمكنت وخلال فترة وجيزة من بناء نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية وخطت خطوات واسعة نحو تطبيق مبادىء اقتصاد السوق الحر واقامة الدولة المدنية الحقوقية ، وفي سبتمبر 2020 قدمت أذربيجان نموذجا فريدا في استعادة الدول لأراضيها المحتلة ، واستطاعت بذلك من تحرير اراضيها المحتلة من قبل أرمينيا بقوة سواعدها وجيشها ، وذلك خلال الحرب الذي استمرت 44 يوما وانتصرت فيها واستعادت السيطرة على أقاليمها المحتلة ، وقد توصل الطرفان لاتفاق لوقف إطلاق النار وفي شهر سبتمبر عام 2023 ومن خلال عملية دفاعية تكرست لمكافحة الإرهاب استطاعت جمهورية أذربيجان بان تستعيد كامل سيادتها على اراضيها ، أما في 16 مايوعام 2024 ، فقد تم الاتفاق بين الطرفيين على ترسيم 12,7 كلم من حدودهما وإعادة قرى بغانيس ايروم وأشاغي أسكيبارا وخيريملي وغيزيلهاجيلي إلى أذربيجان في إطار جهود إرساء اتفاق سلام دائم بين البلدين.
تحرص الحكومة الأذربيجانية حاليا وبعد تحرير أراضيها ، على تهيئة هذه المناطق واعادة إعمارها وبناء البنى التحتية فيها ، وإزالة الألغام من تلك المناطق ، لتأهيلها للسكن وعودة ابنائها وبكل فخر واعتزاز تشهد أذربيجان اليوم مرحلة جديدة في حياة منطقة كاراباخ وزانجازور الشرقية ، أرض أذربيجان القديمة والتاريخية وهي مرحلة إعادة الإعمار والبناء في المنطقة المحررة ، بحيث يتم العمل لتنفيذ مشاريع لاستعادة المستوطنات في الأراضي التي تم تدميرها خلال اكثر من 30 عاما من الاحتلال، وإنشاء الطرق والجسور والأنفاق والمطارات وغيرها من المرافق الحيوية داخل اقليم كارباخ الذي تم تحريره والذي يحظى بأهمية تاريخية دينية وثقافية لدى أذربيجان إلى جانب أهميته الاقتصادية التي كثيرا ما غطت عليها الحروب والنزاعات المتكررة ، كما وتسعى الحكومة إلى مد خطوط للكهرباء والمياه لتهيئة بيئة ملائمة لسكن النازحيين وعودتهم الى ديارهم، كما يوجد العديد من المشاريع لإعادة بناء المدن التي تم تحريرها مع المحافظة على طابعها التاريخي وتراثها العريق (كمدينة شوشا ) وهذا ما وصى به رئيس الجمهورية الهام علييف ،على اعتبارموقعها الجغرافي الهام وأهميتها التاريخية والثقافية والاستراتيجية.
لقد تم خلال العام الماضي تطوير أجندة التطبيع مع ارمينيا التي تقدمت بها أذربيجان وفقا لمصالح أذربيجان الوطنية عبر المفاوضات الثنائية المباشرة على أمل إنهاء عقود من النزاعات. ولا شك بأن شروع أذربيجان بتوقيع اتفاق سلام مع أرمينيا عقب تحرير أراضيها، يعكس نهجها السلمي في بناء علاقاتها الخارجية ،
ولا بد لنا هنا أن نشيد بالعلاقات الثانية بين جمهورية أذربيجان والمملكة الأردنية الهاشمية والتي ترتبط بعلاقات راسخة وقاعدة متينة متميزة مبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين ، وحماية المصالح المشتركة والتنسيق الدائم في المحافل الدولية والإقليمية على مختلف الأصعدة ، حيث تتواصل تلك العلاقات بنشاط كبيرومتطور كما يسعى البلدين وبجهود مشتركة لتطويرالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات . وإننا لنشيد ونعتز بالموقف الأردني الثابت والداعم لجمهورية أذربيجان وفقا لقرارات مجلس الأمن ومنظمة التعاون الإسلامي والداعي لايجاد حل سلمي يحترم وحدة وسيادة الأراضي الأذربيجانية المعترف بها دوليا ،
ومن الجدير بالذكر فقد تم مجددا تأسيس الجمعية الأردنية الأذربيجانية الثقافية وتم تسجيلها رسميا من قبل وزارة التنمية الاجتماعية وتحت مضلة وزارة الثقافة الأردنية ومقرها الرئيسي في عمان، وهي تهدف لتطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وعلى مختلف الأصعدة. كما تم إنشاء وتطوير مختبر الحاسوب في الجامعة الأردنية من أجل تمكين قدرات الطلاب ذوي الإحتياجات الخاصة بالوصول إلى الأدوات والموارد التعليمية الحديثة ، لتنمية قدراتهم وتأهيلهم للإندماج في المجتمع ، بدعم سخي من قبل الوكالة الأذربيجانية للتنمية الدولية (AIDA) ،وقد باشرت سفارة جمهورية أذربيجان في عمان وبجهود كبيرة في عملية التحديث والتجهيز للمختبر وتزويده بالأجهزة والوسائل التقنية اللازمة،
لقد شارك سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية ، مندوبا عن جلالة الملك في مؤتمر الأمم المتحة للمناخ COP 29، الذي استضافته جمهورية أذربيجان العام الماضي وألقى سموه خلال المؤتمر كلمة الأردن ولفت إلى اطلاق مبادرة جلالة الملك عبدلله الثاني خلال مؤتمر COP27، "مترابطة المناخ - اللاجئين" العالمية التي حظيت بدعم العديد من الدول ، وعلى هامش هذا المؤتمر التقى سمو ولي العهد فخامة الرئيس الهام علييف وقد كان لقاءا هاما وحافزا على صعيد ايجاد كافة السبل التي تدعم تطوير العلاقات بين البلدين وتعزيزها. ويمكن القول بأن هذا المحفل الدولي المهيب كان من أكبر الفعاليات الدولية في تاريخ أذربيجان المستقل وعلى الساحة الدولية .
وأخيرا ، ستبقى مأساة العشرين من يناير عام 1990 ذكرى محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب الأذربيجاني ومحفزا لتخليد ذكرى الشهداء الأبرار الذين سقطوا على أيدي القوات السوفياتية . وسوف تبقى هذه التضحيات نبراسا يستضاء به في سعي الشعوب لنيل حريتها واستقلالها واسترداد حقوقها المغتصبة.
    نيسان ـ نشر في 2025/01/16 الساعة 00:00