تفريغ وزارة الصحة من الكفاءات ..لمصلحة من ؟؟

حاتم الأزرعي
نيسان ـ نشر في 2025/01/23 الساعة 00:00
يكاد لا يمر يوما ، دون أن تطالعنا الصحف اليومية ، بإعلان فقدان موظفين لوظائهم ، في وزارة الصحة ، لتغيبهم عن مواقع عملهم ، لمدة تزيد عن عشرة أيام ، وذلك استنادا لاحكام المادة ١٧٠ من نظام الخدمة المدنية .
وما يلفت الانتباه في اعلانات فقدان الوظيفة الصادرة عن وزارة الصحة ، أن الغالبية العظمى ، هم من الاطباء عموما ، والاخصائيين خصوصا ، فضلا عن الممرضين والممرضات القانونيين ، ومهن صحية أخرى من الصيادلة والفنيين، وحتى الاداريين ،وإن بإعداد اقل نسبيا ، بالمقارنة مع المهن الأخرى.
ولا يدعو للاستغراب ، هروب كوادر وزارة الصحة ، وتركهم لمواقع عملهم ، فذلك أمر طبيعي ، في ظل بيئة العمل الطاردة ، من الجوانب المادية والمعنوية ، على حد سواء ،
ورغم التحذيرات المتواصلة من مغبة سوء الأوضاع المعنوية قبل المادية ، التي تعانيها هذه الكوادر ، وتدفعهم لهجرة وزارة الصحة ، فإن الأخيرة تضع في اذن طين وفي الأخرى عجين ولا تصغي ، لصوت كوادر الوزارة ، والعقلاء من متابعي شؤونها ، ومطالبتهم المستمرة لتحسين بيئة العمل ، للحفاظ على الكوادر ،وعدم هجرتها .
والغريب المريب أن الوزارة ، تعاند ، وتتخذ إجراءات وقرارات منفرة ، تصب الزيت على النار ، وتزيدها اشتعالا ، دون أن تفكر في وقف نزيف هجرة الأطباء ، وفقدان أطباء الاختصاص الواحد تلو الآخر ، وكان الأمر لا يعنيها .
نعم ، تدفع الوزارة باطبائها وكوادرها التمريضية ، للهرب ، ولو بفقدان الوظيفة ، حين تحصرهم في الزاوية ، وتضيق عليهم الخناق ، بقرارات لا تترك لهم فرص النجاة ، والبحث عن أمل في العمل بظروف ، تراعي احتياجاتهم المادية والمعنوية ، للعيش بكرامة .
وفي هذا السياق ، أشير إلى أحدث تعميم صدر عن الوزارة في الحادي والعشرين من الشهر الحالي ، يدعو فيه مدير إدارة الشؤون الفنية للمستشفيات ، رؤساء الاختصاص ، إلى " عدم الموافقة على منح إجازات بدون راتب للأطباء " ، يقصد تحديدا أطباء الاختصاص.
واذا كانت الوزارة تعتقد أنها بمثل هذه التعاميم ، تحافظ على كوادرها وتمنعهم من هجرتها ، فإنها واهمة ، لا بل إنها تزيد قوائم فاقدي الوظيفة ، وتسهم في إفراغ الوزارة من الكوادر الطبية والصحية ، وتحديدا من الاخصائيين وذوي الكفاءة والخبرة .
وتزيد الوزارة الطين بلة ، بقوائم لا تنتهي من الاحالات على التقاعد وتشمل الاطباء والاخصائيين والمهن الحيوية الأخرى، دون تعويضهم بتعيينات جديدة تسد الفجوة التي تتسع ، وتفيد المعلومات الراشحة من اروقة الوزارة ،الى أن نسبة كبيرة من المرشحين للتعيين لديها ، يستنكفون عن الالتحاق في العمل .
ولعل الأسباب التي تدفع الاطباء والكوادر الأخرى، لخيار فقدان الوظيفة ، للخلاص من بيئة عمل لا توفر أدنى متطلبات العيش الكريم ، هي ذاتها ، الأسباب التي تدفع الاطباء للاستنكاف عن العمل في الوزارة ، وفي مقدمة هذه الأسباب تدني الرواتب ،مقارنة بالقطاعات الطبية داخل المملكة وخارجها .
وللحقيقة ، لا تقتصر الأسباب على الجانب المادي ، وتتعداه الى جوانب لا تقل أهمية، كبيئة العمل في ظل ضعف البنى التحتية للمراكز الصحية والمستشفيات ، وعدم توفر الأجهزة والمعدات بشكل كاف ومناسب ، والإعداد الكبيرة من المراجعين وطوابير الانتظار ، والمواعيد الطويلة ، ونقص الادوية وفقدانها.
وخلاصة القول : تعددت سبل إفراغ وزارة الصحة من كوادرها ، بفقد الوظيفة ، أو الإحالة على التقاعد ، والاستنكاف عن العمل فيها ، والنتيجة واحدة ، انهيار الخدمة الطبية ، والخاسر الأكبر الناس ، حين لا يجدون ملاذهم الآمن لتلقي الخدمة الصحية اللائقة سواء في المركز الصحية أو المستشفيات .
    نيسان ـ نشر في 2025/01/23 الساعة 00:00