بغدانوف هبط في دمشق .. كيف نقرأ الخبر؟

د.حسام العتوم
نيسان ـ نشر في 2025/02/02 الساعة 00:00
شخصيا من خلال كتاباتي و لقاءاتي مع الدبلوماسية الروسية في شأن السياسة الروسية و الدولية و التي تراقب تغيرات المشهد الروسي عموما ، كنت أشير لضرورة التقارب الروسي – السوري بعد حادثة سقوط نظام الأسد بتاريخ 8 ديسيمبر 2024 ، وبعد محاولات لصنوف الثوار، و غيرهم في المقابل أتباع الإرهاب من 80 دولة مع تطور مسار الحرب الأهلية منذ عام 2011 . و مخائيل بغدانوف هو نائب وزير الخارجية الروسي ، و الذي تعتمد عليه الدبلوماسية العربية في موسكو لكونه خبيرا في السياسة الروسية و الدولية ، ومقربا من قصر " الكرملين " الرئاسي ، و لمعرفته أيضا باللغة العربية . وسبق زيارة بغدانوف اتصال هاتفي ليوري أوشاكوف مسشتار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 23 ديسيمبر 2024 مع القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع ممثل هيئة تحرير الشام و جبهة النصرة ، التي أكدت بدورها أهمة ديمومة العلاقات الروسية – السورية من منظور طويل استراتيجي ، وصرح الرئيس بوتين حينها بأن بلاده روسيا لم تهزم في سوريا بل حققت أهدافها . وبين زيارة بغداونوف لدمشق بتاريخ 28 تشرين الثاني 2025 ، و اتصال أوشاكوف قبلها ، وصل إلى دمشق وزير خارجية أوكرانيا ( كييف ) بالتنسيق مع الادارة الأمريكية السابقة التي مثلت عهد الرئيس جو بايدن ، وعرض على دمشق مساعدتها في مجال تزويدها بالقمح ، وطالب وقتها بطرد روسيا من سوريا ، في خطوة وصفها الرأي العام بالغبية .
و العلاقات الروسية – السورية تاريخية تعود لزمن الحقبة السوفيتية عام 1944 وسط سعير الحرب الباردة و سباق التسلح مع الغرب ، وتعززت مع قدوم حافظ الأسد عام 1970 ، و تواصلت في ترسيخ أقدامها بقدوم بشار الأسد الأبن عام 2000 . و سجل الاتحاد السوفيتي موقفا مع روسيا في حربيها عامي 1967 و 1973 مع فارق النتيجة الخاسرة و الرابحة ، و على مستوى بناء البنية التحتية السورية المدنية و العسكرية . و ستبقى روسيا حليفا استراتيجيا لسوريا و العكس صحيح ، و لا مساس بقاعدتي طرطوس 1971 و حميميم 2015 العسكريتين كما يحلم البعض في منطقتنا ، و في ( كييف ) ، و في الغرب ، ولقد أكدت زيارة بغدانوف لدمشق ولقاء أحمد الشرع ذلك .
ومسألة طلب القيادة السورية الجديدة عبر شخص رئيسها المؤقت أحمد الشرع - و الذي نبارك له - من مبعوث روسيا بغدانوف تسليم بشار الأسد لدمشق ، و هو الذي منحته موسكو لجوءا إنسانيا يعتبر في التفكير الروسي موضوعا مستحيلا ، كيف لا وهو الصديق السابق الاستراتيجي لروسيا كما والده حافظ الاسد ، وهنا لم تتدخل روسيا في تفاصيل سلوك نظام الأسد السابق و اللاحق السلبي بالنسبة للشعب السوري و الدولة السورية . وكلنا نعرف ، أو بعضنا ، بأن روسيا – بوتين هي من عرضت سابقا عام 2003 على الرئيس صدام حسين التنحي عن السلطة و القدوم إلى روسيا ، أوقيادة حزب البعث و الابتعاد عن سلطة بغداد لأن " "الناتو" قادم لا محالة ، و أدانت إعدامه لاحقا . و الاختلاف في تفاصيل الموقف بين موسكو و دمشق بشأنه لا يفسد في الود قضية و لا يؤثر على قضية بقاء القاعدتين العسكريتين بسبب حسابات الشأن الدولي حولهما ، و بالنسبة لتركيا المجاورة أيضا ،و المفيدتان لها ، و الأصل المطالبة بأموال سوريا المنهوبة من قبل نظام الأسد التي أكدها الوسيط السابق بين ماهر الأسد و إسرائيل السياسي اللبناني -وئام وهاب - ، والتي هي من اهتمامات أحمد الشرع نفسه أيضا . ومائة مليار استثمارات السوريين في الخارج حسب قناة سكاي نيوز عربي .
زيارة - بغدانوف - الميدانية لسوريا و نظامها الجديد غاية في الأهمية ، في الوقت الذي اعتادت فيه روسيا على مدى أكثر من 54 عاما على التعامل مع نظام الأسد الأب و الأبن ، وقابله على متن طائرة العودة لموسكو بعد أكثر من ثلاث ساعات حوار متتالية و غداء عمل ، الإعلامي العربي العراقي المعروف سلام مسافر العامل في قناة ( ارتي) الروسية في موسكو الذي رافقه في الرحلة ، وهو الذي سبق أن التقيته هنا في عمان ،و عرف من رئيس الدولة السورية المؤقت و في مرحلة انتقالية أحمد الشرع بأنه يجهز لمجلس تشريعي مصغر ، و لحكومة جديدة ، و سلم أهلي ، وفرض سيادة الدولة ، واقتصاد قوي ، و فرص عمل ، و لدستور جديد بعد ثلاث سنوات ، ولانتخابات رئاسية بعد أربع سنوات . و أصبح معروفا في المنطقة العربية و الشرق أوسطية و على خارطة العالم ، بأن الشرع قادم لخدمة سوريا و الشعب السوري أولا ، و المحافظة على علاقات متوازنة مع دول الجوار و أبعد ، ومع كبريات دول العالم ، وطالب بقوات أمم متحدة لحراسة الحدود السورية مع إسرائيل ، و لكي يتفرغ لبناء سوريا و جيشها ، و أجهزتها الأمنية . و أول رئيس عربي وصل إلى دمشق قبل يومين هو الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر الشقيقة ، وهي زيارة غاية في الأهمية .
وروسيا قطب عالمي عملاق أكبر من دولة ، وهي الأولى عالميا من حيث المساحة ، أكثر من 18 مليون كلم2 ، وفي القوة النووية العسكرية تحتل الرقم 1 في العالم ، و الأولى على مستوى اقتصاد أسيا ، و متفوقة في المجلات الأكاديمية وفي مقدمتها الطب و الهندسة النووية ، و تتميز بجيش قوي و بحرية فولاذية كذلك ، و علاقة تكنولوجية متطورة مع الفضاء ، و على مستوى الصناعات السلمية النووية ، و الأولى في العالم على مستوى المصادر الطبيعية من نفط ، وغاز ، و خشب ، و معادن ، و ذهب ، و الماس ، ومساحات ضخمة من البحار و المحيطات و الأنهار ، و لذلك من مصلحة سوريا الجديدة التمسك بالورقة الروسية بانية سوريا المعاصرة منذ بدايات القرن الماضي .
وسوريا قطر عربي يقع في صدارة المنطقة الشامية ،و يتمتع بموقع جيوسياسي هام مطل على البحر المتوسط ، تراجع مع قدوم نظام هيئة تحرير الشام الجديد عن التمسك بإيران ، و لا تشكل روسيا خطرا على أمن سوريا كما كانت تشكل ايران بحكم الجوار مع إسرائيل ، التي كانت تلاحق الخلايا الإيرانية داخل سوريا . و تستطيع أن تكون سوريا مفيدة لروسيا و لكل دول العالم ، كما أن روسيا مفيدة لسوريا و لديها حزمة من المشاريع التنموية التي أعلن عنها نائب وزير الخارجية الروسي بغدانوف . و العلاقة بين روسيا و سوريا على مر التاريخ المعاصر عضوية متينة ، الواجب الاستمرار بتطويرها ، و في زمننا هذا نلاحظ التقلبات الأمريكية على منطقتنا و تبنيها للرواية الإسرائيلية ، وكيف أن إسرائيل وافقت على وقف اطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة بعدما فشلت بقوة النار في تحرير أسراها ، وها هي تمارس الاغتيالات من جديد في زمن السلام و الهدنة و عينها على العودة للقتال و التهجير ، و تحويله من قسري إلى طوعي و بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تعد تختلف عن إسرائيل بشيء يذكر . ولازالت إسرائيل تماطل في مغادرة الاراضي العربية المحتلة عام 1967 ضاربة بعرض الحائط القانون الدولي.
    نيسان ـ نشر في 2025/02/02 الساعة 00:00