مفاهيم نقدية وقضايا أخرى كتاب جديد للناقد إبراهيم خليل

نيسان ـ نشر في 2025/02/11 الساعة 00:00
صدر عن دار الخليج للطباعة والنشر والتوزيع الجزء الثاني من الكتاب الذي صدر جزؤه الأول في العام 2022 وعنوانه « مفاهيم نقدية وقضايا أخرى « الذي تناول فيه المؤلف عددا من الإشكالات التي تواجه المهتمين بالأدب العربي الحديث أو القديم ونقده.
فمن المفاهيم التي توقف لديها في هذا الجزء مفهوم التناص، مؤكدا أن التناص شيء مختلف عن المعارضة أو السرقة أو الاقتباس، وأنه شيء كلي يشمل النص تاما لا جزءا منه. وأن لدى أدونيس وجهة نظر جديدة في الشعر الجاهلي لكن هذه الجدّة مزعومة، فهو بعد البحث والتحري ينتهي إلى أن امرأ القيس شاعرٌ تشبيهيٌ، استعاري، وهذا شيء سئم المتقدمون من الحديث عنه، وفيه. وأن التمرد في الشعر العربي القديم اقتصر على التمرد السياسي، والأخلاقي، أو التمرد على ما هو شائع، ولم يعرف الشعر القديم تمردًا نفسيًا، أو فلسفيا، إلا نادرًا كالذي نجده لدى المعري.
وأما ما ثقفناه من إشكالية الموشح، فيتلخَّص في كونه صنعة أندلسيّة خاصة في رأي الشاعر الناقد محمد زكريا عناني، انتقلت من الأندلس للمشرق والمغرب، وأن لهُ قواعد، وأصولا، ومعايير نقدية، ينماز بها عن القصيدة. وأن الفنتاستيك لون من ألوان السرد يتجاوز به الكاتب محاكاة الحياة اليومية، ويتخطّى الواقع للغرائب، والعجائب، التي لا تصدق. وأن موباسان الفرنسي هو أحد رواد هذا الفن من الأدب القصصي الذي يُعنى به المحدثون عنايةً شديدةً، ويتكلمون في دراساتهم عن مزاياه، ظنًا منهم أنه من مبتكرات العصر الحديث.
ويتوقف المؤلف إزاء التفريق بين السيرة الذاتية التي تقترب من الأدب، وتلك التي تحسَبُ في التاريخ. ومن هذا القبيل ينبغي لنا أن نفرق بين النقد الذي يكتبه نقاد أدبيّون، والنقد الذي يكتبه الصحفيون، فهذا ضربٌ لا ينبغي أن يُحمل – في رأي المؤلف- على محمل الجد. فهو في الغالبِ، والأعمّ، والأرجح، ركيكٌ، مملوءٌ بالأخطاء التي تنتهي بنتائج تضلّل القارئ، وتسيء للتلقي. وكان بعض الباحثين قد تناولوا الشاعر ناقدًا، والناقد شاعرًا، ولكنهم قلما توقفوا إزاء الصحفي ناقدًا. مما ُيحسب للمؤلف في هذا الكتاب. فالخلط بين الناقد، والصحفي، يشبه الخلط بين الروائي وشخصياته، إذ ينبغي ألا يعتقد الدارس اعتقادًا جازمًا، أو شِبْه جازم، بأنَّ هذه الشخصية، أو تلك، هي التي تمثل المؤلف، أو تعبّر عن رأيه، ووجهة نظره. وهذا الوهم شائع جدًا لدى الكثرة من الدارسين، ولا سيما الباحثين في الأطاريح الجامعية.
ولا يخفى على القارئ، ولا على الدارس، أن الشعر يتسامح في بعض الأحايين إزاء الحدود التي تميز بين نوع سردي وآخر غنائي، أو نوع أدبي ونوع آخر كالدرامي. ولهذا ساد التداخُل الأجناسي بين القصة والرواية والمسرحية والحكاية والأسطورة، والشعر، مما أسفر عن شيء يُعرف بتهجين الأنواع. وقد يكون هذا التهجين من الأسباب التي تدعو بعض الروائيين للخلط بين الحكاية، والرواية، التي ينبغي لها أن تخضع لقواعد أساسية لا تُشترطُ في الحكايات، وإلا خرَجَتْ من عباءة الرواية لشيءٍ آخر، يمكن أن يسمى حكاية، أو لغوًا.
وفي أحد فصول الكتاب توضيحات تتعلق بريادة الأدب المقارن، عربيًا، والتدقيق في مفهومات متعددة جرى تداولها، مثل: المقابلة والموازنة والاحتذاء، والشيء نفسه يلاحظ على شيوع اللبس في مفاهيم الحداثة، والحداثية، وما بعد الحداثة. ولجوء بعضهم لاستخدام ألفاظ أعجمية منها: المودرنيّة، والمودرنزم، فالمنطق المعقول، والمقبول، هو الذي لا يفرق بين حداثة، وحداثية، وتحديث، وحداثي، وما بعد الحداثة. وهذا الخلط يقع أيضا في التجنيس، والتفريق بين السرد، والشعر الغنائي. فالمؤلف في هذا الكتاب لا ُيخفي ما ينماز به بعض الشعر، في العادة، من ميل إلى السرد، دون أن يخل هذا بطابعه الغنائي، ولا سيما إذا كان في النصّ الشعري ما يضفي عليه طابع الذكريات، أو السِيَر، سيرة الشاعر نفسه، أو سيرة أَحَدٍ غيره. وقد أوضح ذلك في دراسته لديوا «القصائد الخمس» للشاعر الكبير علي جعفر العلاق. وهي قصائد تلتقي فيها السمة الغنائية مع السرد الذي تحتاج إليه السيرة، فجاءت سردًا كأنه غنائي، وغناءً كأنه سرد. ومن المفاهيم التي توقف لديها مفهوم البطولة في الأدب الفلسطيني وهو تعبير استخدمه كاتب عبري يدعى داني روبنشتاين واصفا به الكاتب الشهيد غسان كنفاني في كتاب صدر له قبيل عامين بعنوان « لماذا لم يدقوا جدران الخزان «. فغسان كنفاني في رأيه، وبالنظر لكتاباته القصصية، والروائية، وفي كتاباته الأخرى، وفي سيرته، وفي استشهاده 1972، وما لقيته آثاره من الشيوع فلسطينيا، وعربيا، جعلت منه كاتبًا جديرا بلقب بطل الثقافة الفلسطينية.
يذكر أن بعض هذه الفصول كتبتْ، ونشرت، في مناسبات متعددة، وأوقات متباعدة.
    نيسان ـ نشر في 2025/02/11 الساعة 00:00