الشهر الفضيل .. يا نايم وحد الدايم

حاتم الأزرعي
نيسان ـ نشر في 2025/02/21 الساعة 00:00
شهر رمضان الفضيل ، من احب الشهور الى نفسي ، وأكثرها قربا من نبض قلبي ، وعلى ايقاع دقاته ، لا أكف أردد منذ الطفولة المبكرة ، " يا نايم وحّد الدّايم " وغيرها من العبارات التي كان "المسحراتي " ينشدها لإيقاظ الصائمين لتناول السحور .
في أزقة الزرقاء ،مدينة العسكر أنذاك ، كنا أطفالا نتنافس ببراءة ، من يصحو مبكرا ، ليسبق الآخرين إلى المسحر ، حتى يحظى بالوقوف إلى جانبه كتفا إلى كتف ، لنردد معه ،على ايقاع الطبل " يا نايم وحد الدايم " ، إلى أن ينتهي من مهمته، فنعود إلى بيوتنا تملأنا النشوة ، في ظل تسامح الاب ، وسماحه بالسهر لهذا الوقت المتأخر ، فقط خلال الشهر الفضيل .
وغاب المسحر عن حاراتنا ، بعدما اتسعت لتصبح بحجم همومنا واكبر ، لكن صوته المجلجل لم يغب ، وبقيت انشودته" يا نايم وحد الدايم " حاضرة في العقل والوجدان ، وباتت تلازمني ،وتنطلق على اللسان كلما شعرت بالضيق من ممارسة او سلوك ينم عن صاحب ضمير نائم .
وما أحوجنا اليوم ، وقد تكالبت علينا الهموم والمصائب ،من كل حدب وصوب ، إلى مسحر يدب الصوت عاليا ، وينادي "يا نايم وحد الدايم " عل وعسى ،تصحوا الضمائر التي تغط في سبات عميق ، واخص بالذكر بعض التجار الذين تمادوا في غيهم ، ولا يتورعون عن اطعامنا مواد غذائية فاسدة ، دون أن يرمش لهم جفن .
قبل شهر ، ضبطت الأجهزة المعنية (٢٥) ألف كيلوغرام لحوم مجمدة مستورة منتهية الصلاحية ، تم التلاعب بتاريخ إنتاجها ، والله اعلم كم تسرب منها إلى موائدنا ، وأثارت تلك الضبوطات ردود فعل غاضبة وتعليقات لم تخل من روح النكتة والدعابة الساخرة .
واليوم ، أعلن رئيس بلدية الرصيفة، تمكنها بالتعاون مع المؤسسة العامة للغذاء والدواء والإدارة الملكية لحماية البيئة، من ضبط (٣٣) طنا من الدجاج الفاسد المعد للتوزيع في الاسواق .
ويكاد لا يمر يوم ، دون أن تزف لنا وسائل الإعلام بشرى ضبط لحوم ودجاج وأطعمة وأشربة غير صالحة للاستهلاك ، وتزبد الجهات المعنية وترغي ، فيما جشع بعض التجار لا يقف عند حد ، ويضربون بعرض الحائط القوانين والأنظمة ، ولا يلقون بالا للتصريحات التي تطلقها الجهات الرسمية متوعدة "الفاسدين" بالويل والثبور .
ولست هنا بصدد البحث عن سر قوة هؤلاء التجار واسباب العجز الواضح عن اجتثاثهم من جذورهم ، ولن اجدد هنا المطالبة باعلان اسماء المتورطين بتسويق مواد غذائية فاسدة على الملأ ، ولن ادخل في جدل حول مدى قدرة القوانين والأنظمة على الردع ، ولست مهتما بتبريرات عدم توفر الكوادر الكافية الكفيلة بالرقابة المثلى ، ولن اغامر بالسؤال عن مدى الجدية في الملاحقة والمحاسبة .
ما يهمني اليوم ، حيث لا يفصلنا سوى أيام معدودة عن الشهر الفضيل ، أن تبادر الجهات المعنية بحملة رقابة إستباقية واسعة تشمل جميع منتجي المواد الغذائية والاشربة ومسوقيها ،لضمان سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك ، والحيلولة دون تسرب مواد فاسدة إلى موائد الصائمين القائمين .
ويبقى السؤال برسم الإجابة والفعل في الميدان ، هل تصغي هذه الجهات إلى صوت المسحر " يا نايم وحد الدايم " ؟؟.
    نيسان ـ نشر في 2025/02/21 الساعة 00:00