تدفقات رأس المال قد تكون الهدف التالي لإدارة ترامب

نيسان ـ نشر في 2025/03/15 الساعة 00:00
يشعر العديد من المستثمرين خلال الفترة الحالية بالذهول والارتباك. ولا عجب في ذلك: فبينما تقترب الحكومة الأمريكية من إغلاق حكومي جديد، ويكثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربه التجارية، ارتفعت مؤشرات عدم اليقين الاقتصادي بشكل كبير متجاوزة حتى فترة جائحة 2020 أو الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وحالة عدم اليقين هذه قد تزداد سوءاً. ففي خضم كل صدمات الرسوم الجمركية، يقفز سؤال آخر إلى السطح: هل يمكن أن يؤدي هجوم ترامب على التجارة الحرة إلى هجمات أيضاً على تدفقات رأس المال الحرة؟ وهل يمكن أن تكون التعريفات الجمركية على السلع مقدمة لرسوم على الأموال؟
حتى وقت قريب، كانت هذه الفكرة تبدو ضرباً من الجنون. ففي النهاية، لطالما اعتبر معظم الاقتصاديين الغربيين تدفقات رأس المال أمراً جيداً لأمريكا، لأنها ساعدت في تمويل ديونها الوطنية البالغة 36 تريليون دولار ومشاريعها التجارية.
وعلى سبيل المثال، استفاد إيلون ماسك، مستشار ترامب، من الاستثمارات الصينية، وبعضها استثمارات خاصة. لكن بعض الاقتصاديين المتمردين، مثل مايكل بيتيس، خالفوا هذه النظرة التقليدية منذ فترة. يرى بيتيس أن تدفقات رأس المال هذه ليست مجرد نتيجة حتمية ومفيدة للعجز التجاري الأمريكي، بل هي نقمة.. ومنهكة.
ويرى أن ذلك يعود إلى أن هذه التدفقات تعزز قيمة الدولار، وتعزز التمويل المفرط، وتضعف القاعدة الصناعية الأمريكية، مما يعني أن «رأس المال أصبح بمثابة الذيل الذي يحرك كلب التجارة»، وهو ما يسبب العجز في النهاية.
لذا، يريد بيتيس فرض قيود على التدفقات المالية، مثل الضرائب. وقبل ست سنوات، أصدرت السيناتور الديمقراطية تامي بالدوين ونظيرها الجمهوري جوش هاولي مشروع قانون في الكونغرس، هو قانون الدولار التنافسي للوظائف والازدهار، والذي دعا إلى فرض ضرائب على تدفقات رأس المال وسياسة الاحتياطي الفيدرالي لضعف الدولار.
وبدا أن مشروع القانون قد تلاشى. لكن خلال الشهر الماضي، أعلنت «أمريكان كومباس»، وهي مؤسسة فكرية محافظة مقربة من نائب الرئيس جيه دي فانس، أن الضرائب على تدفقات رأس المال يمكن أن تجمع تريليوني دولار خلال العقد المقبل.
ثم أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً بعنوان «سياسة الاستثمار الأمريكي أولاً» تعهد فيه «بمراجعة ما إذا كان سيتم تعليق أو إنهاء» معاهدة عام 1984 التي ألغت، من بين أمور أخرى، ضريبة سابقة بنسبة 30% على تدفقات رؤوس الأموال الصينية.
ولم يحظ هذا الأمر باهتمام كبير، لأن ترامب كان «يغرق» الجميع بمشتتات أخرى، لا سيما فيما يتعلق بالرسوم الجمركية. ولكن هذا الأمر أثار قلق المراقبين الآسيويين بصفة خاصة وربما ساهم في هبوط سوق الأسهم الأمريكية في الآونة الأخيرة، حيث فر بعض المستثمرين بشكل استباقي.
وفي الواقع، قد لا يحدث تحول ضريبي - أو يؤثر على أي شخص آخر غير الصينيين. ولأن ترامب متقلب (أو غير متقلب) بشكل كبير، فذلك يجعل التنبؤ بالسياسة المستقبلية أمراً صعباً، خصوصاً وأن حاشيته منقسمة إلى ثلاثة فصائل متحاربة على الأقل:
الشعبويون القوميون (مثل ستيفن بانون)، والليبراليون التقنيون (مثل ماسك)، والجمهوريون المؤيدون لـ «ماغا» في الكونغرس. وقد يحارب الفصيلان الأخيران قيود رأس المال، بسبب المخاوف من زعزعة استقرار أسواق الخزانة.
لكن ترامب حريص أيضاً على استخدام جميع الأدوات المتاحة لتعزيز نفوذه على الساحة العالمية. ويبدو أن أفكار بيتيس مؤثرة بين بعض المستشارين، مثل وزير الخزانة سكوت بيسنت، وستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، إلى جانب نائب الرئيس فانس.
ويبدو أن هذا الثلاثي مصمم وبقوة على إعادة ضبط التجارة والتمويل العالميين، من خلال اتفاقية مارالاغو المزعومة، على الرغم من أن طموحاتهم أوسع نطاقاً بكثير من اتفاقية بلازا لعام 1985.
ولكن هذا الأخير «أضعف» الدولار «ببساطة» من خلال التدخل المشترك في العملة، لكن رؤية ستيفن ميران لاتفاق مارالاغو تتضمن إعادة هيكلة محتملة للديون الأمريكية أيضاً، وهو ما من شأنه أن يجبر بعض حاملي سندات الخزانة الأمريكية على مبادلتها بسندات دائمة.
ويتوقع بعض أبرز المحللين الماليين، مثل مايكل ماكنير، إنشاء صندوق ثروة سيادي، مدعوم باحتياطيات الذهب الأمريكية، يشتري أصولاً غير دولارية لموازنة تدفقات رأس المال (موارد غرينلاند، على سبيل المثال).
أما الفكرة الثالثة فهي فرض ضرائب على تدفقات رأس المال بمفهوم أوسع. وقد يصبح هذا النهج هو المفضل إذا دفعت فكرة مبادلات الديون وكالات التصنيف الائتماني إلى التهديد بخفض تصنيف الدين الأمريكي.
ويقول مايكل ماكنير: «الهدف النهائي «للثلاثي» ليس مجرد سلسلة من الصفقات التجارية الثنائية، بل إعادة هيكلة جذرية للقواعد التي تحكم التجارة والتمويل العالميين (إزالة تدفقات رأس المال المشوهة)». ويضيف: «يبقى أن نرى ما إذا كان هذا النهج سينجح أم لا، لكن الاستراتيجية نفسها أكثر تماسكاً وأبعد مدى مما يدركه معظم المراقبين».
إنني لا أؤيد هذا، ولا أتوقع أنه سيحدث بالفعل. كما أن نظريات بيتيس تثير غضب الكثير من الاقتصاديين. لكن بيتيس نفسه لا يشعر بأي ندم. كما ينبغي على المراقبين والنقاد أيضاً ملاحظة أن مشروع قانون بالدوين-هاولي لعام 2019 لم يحظ فقط بإشادة الجماعات المحافظة مثل «أمريكان كومباس»، بل حظي أيضاً بالإشادة من بعض الأصوات النقابية. وبما أنه يتمتع بجاذبية شعبوية، فقد ينجح.
على أية حال، فإن النقطة الأساسية التي يجب فهمها هي أن تحولاً في الفلسفة الاقتصادية آخذ في البروز، وقد يكون عميقاً مثل العملية الشاملة لإعادة التفكير التي أطلقها جون ماينارد كينز بعد الحرب العالمية الثانية أو التي دفع بها الليبراليون الجدد في ثمانينيات القرن الماضي. وكما قال جريج جنسن من صندوق التحوط «بريدج ووتر» أخيراً: «لا تتوقعوا أن ينعكس هذا المسار في أي وقت قريب».
    نيسان ـ نشر في 2025/03/15 الساعة 00:00