لماذا لا يخشى ترامب تداعيات الركود الاقتصادي؟

نيسان ـ نشر في 2025/03/16 الساعة 00:00
ساهم جيل الألفية في إثراء قاموس اللغة بمصطلح «التأقلم مع الواقع» (cope) كاسم. ويشير هذا المصطلح إلى محاولة تصوير الأوضاع بصورة أقل سوءاً مما هي عليه في الواقع، وهو ما يفسر انتشاره الواسع في هذه الأوقات العصيبة. فعندما يقول البعض: «على الأقل سيكون دونالد ترامب مفيداً للاقتصاد» - فهذه محاولة للتأقلم مع الواقع. وقولهم: «إذا كان هناك شيء واحد يهتم به دونالد ترامب، فهو أداء البورصة» - هو محاولة تأقلم من الطراز الرفيع، أما افتراض أن «دونالد ترامب لا يستطيع تجاهل الأرقام السيئة»، فهو أبرز محاولة للتكيف مع الواقع شهدناها هذا الشهر.
لكنه في حقيقة الأمر يستطيع تجاهلها. فالحقيقة الأساسية حيال ولاية ترامب الثانية هي أنه لا يمكنه الترشح لولاية ثالثة. ويعني هذا أنه قد تحرر فعلياً من قيود الرأي العام، الذي كان له دور فاعل نسبياً في ضبط سلوكه خلال ولايته الأولى. فإذا أدت سياساته الخاصة بالتعريفات الجمركية إلى حدوث ركود اقتصادي، أو تسببت سياساته الخارجية في أزمة عالمية، وأفضى ذلك إلى هبوط معدلات القبول الشعبي له إلى مستويات متدنية بشكل غير مسبوق، فما الذي سيخسره؟ في أسوأ الأحوال، سيمنى الحزب الجمهوري - الذي لا يبدي ترامب ولاءً كبيراً تجاهه - بهزيمة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (وهي الانتخابات التي تجرى في منتصف الفترة الرئاسية الأمريكية)، وبعدها يصبح أي رئيس في فترته الثانية في وضع «البطة العرجاء» بصرف النظر عن الظروف.
لقد ظللت أكرر هذا الطرح منذ نوفمبر. وهناك احتمالان: الأول أن ترامب يريد تقديم جي دي فانس أو ربما أحد أقاربه كمرشح للحزب الجمهوري في 2028، ولذلك لن يرغب في إفساد فرصهم المستقبلية بالتسبب في فوضى اقتصادية وسياسية عالمية. لكن هذا افتراض بعيد عن المنطق، فحتى القادة التقليديين مثل أنجيلا ميركل، وتوني بلير، وجو بايدن لم يولوا اهتماماً كبيراً بخطط الخلافة. فهل من المعقول أن نتوقع من شخصية مثل ترامب أن تقيد نفسها بدافع الاهتمام الاستراتيجي بمستقبل شخص آخر بعد ثلاث سنوات من الآن؟ (وللمفارقة، غالباً ما يظهر السياسي بصورة أفضل، وليس أسوأ، عندما يفشل خليفته في الحصول على ثقة الناخبين).
الاحتمال الآخر الذي يطرحه البعض هو أن ترامب قد يتجاوز القيود الدستورية ويسعى للترشح مرة أخرى، أو حتى إلغاء الانتخابات القادمة تماماً. ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بشكل قاطع، لكنه يتطلب انهياراً كاملاً للنظام الدستوري الأمريكي العريق - وهو احتمال ضئيل للغاية. المنطق يقول إذن إن ترامب سيغادر الرئاسة في موعده المحدد عند بلوغه 82 عاماً، وهو يعي ذلك جيداً. لذا، قد لا يخشى احتمالات الركود وفقدان الشعبية في السنوات المقبلة بالقدر الذي يعتقده المحللون.
والوضع في الحقيقة ربما يكون أسوأ من ذلك، فمن بين السياسات الثلاث الأكثر خطورة التي ينتهجها ترامب - تقليص الدعم لأوكرانيا، وإضعاف المؤسسات الداخلية، وفرض الرسوم الجمركية - قد يدفعه الركود الاقتصادي للتشدد أكثر في السياستين الأوليين. فكلما ساء الاقتصاد، ازدادت مبررات حجب الموارد الأمريكية عن الدعم العسكري للحلفاء الأوروبيين، وكلما تدهورت المؤشرات المالية، تعززت حجج تقليص حجم الحكومة الفيدرالية والمؤسسات العامة. ومن ثم، قد يشكل الركود الاقتصادي عاملاً محفزاً لاتخاذ مواقف أكثر تطرفاً، وليس عاملاً يدفع نحو الاعتدال.
في جوهر الأمر، تحول ترامب الآن إلى شخصية تتجاوز المفهوم السياسي التقليدي، قادرة على اتخاذ إجراءات باعتبارها غايات في حد ذاتها، دون الاهتمام بتحليل تأثيرها على فرصه الانتخابية. وفي ولايته الأولى، كان أكثر حذراً في تصريحاته، ولم يكن ليعترف مثلاً بأن التعريفات الجمركية تسبب «اضطراباً»، إذ كان ذلك سيؤثر سلباً على شعبيته. أما الآن، فلم يعد يهتم بإرضاء الناخبين المتأرجحين، بل يركز على تأمين دعم قوي من قاعدة «ماغا». وإذا كانت إدارته الأولى ضمت رجال أعمال تقليديين من أمثال مديري إكسون موبيل، فإن إدارته الحالية باتت تضم شخصيات ذات توجهات أكثر جموحاً وطموحات مالية غير محدودة. وإذا كان نهجه الأول شعبوياً مألوفاً، فإن نهجه الحالي يميل إلى ما قد يوصف بـ«العدمية السياسية».
هناك ادعاء واحد فقط بشأن ترامب يحتوي على عنصر من الحقيقة، وهو أنه لا يزال يستجيب للتنازلات من الأطراف المعارضة، سواء أكانت مديحاً شخصياً أم مكاسب مادية ملموسة. وللتدليل على هذه المرونة التفاوضية، لاحظ الطريقة التي يفرض بها الرسوم على كندا تارة ويلغيها تارة أخرى، أو كيف يشارك المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا بشكل متقطع، وكأن الأمر مرهون بمدى خضوع هذه الدول لمطالبه في أسبوع معين. أما الناخبون؟ والالتزام بمراعاة مصالح الناخبين المترددين؟ فقد تخلص من هذا العبء منذ فوزه في نوفمبر.
إن الدستور البريطاني ونظراً لأنه يضع حدوداً قليلة مكتوبة على السلطة التنفيذية، يُقال إنه يمثل، في جوهره، رهاناً كبيراً على النوايا الحسنة للسياسيين. وهناك جانب مشابه في النظام الأمريكي - الفترة الرئاسية الثانية، وخصوصاً العامين الأخيرين. في هذه المرحلة، يعرف الرئيس موعد رحيله، لكنه يظل أقوى شخص في العالم. ورغم وجود المحكمة العليا وضوابط أخرى، يعتمد الكثير على ضمير الرئيس (وخوفه من أن يصبح منبوذاً بعد تقاعده).
والآن تخيل شخصاً في هذا الموقع لا يمتلك شعوراً بالمسؤولية تجاه النظام الجمهوري الأمريكي، ولا يقلقه، وهو يدخل العقد التاسع من عمره، كيف سيقضي سنوات طويلة من التقاعد. فلا يمكن أن تكون الظروف أكثر ملاءمة لخروج ترامب من الحياة السياسية بطريقة تمثل النقيض التام لكل ما هو مجيد.
ومنذ شهر نوفمبر الماضي، أصبح من الصعب تجنب الاعتقاد بأن الكثيرين، الذين ظنوا أنهم بالغوا في القلق بشأن ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، لا يشعرون الآن بالقلق الكافي. نرى ذلك في حالة اللامبالاة الكبيرة التي تمثل الخطاب الديمقراطي في الوقت الحالي. أراه بشكل خاص بين قادة الأعمال، مع إيمانهم المؤثر دائماً بأن الجميع في النهاية يشاركونهم نظرتهم العملية للأمور. ويبدو أن الرهان الآن يعتمد على أن ترامب، الذي يخشى كأي سياسي من الركود الاقتصادي والاستياء العام الناتج عنه، سيعيد النظر في أسوأ أفكاره عندما تتضح آثارها الاقتصادية. وقد يبدو هذا تحليلاً متأنياً وعميقاً للرجل – لكنني أرى أنه كان صالحاً قبل ثماني سنوات وليس الآن.
    نيسان ـ نشر في 2025/03/16 الساعة 00:00