كرامةٌ للأردنيين والعرب، جحيمٌ على المعتدين

كرامةٌ للأردنيين والعرب، جحيمٌ على المعتدين

أنَس الطوالبه
نيسان ـ نشر في 2025/03/22 الساعة 00:00
"في فجر ذلك اليوم مشى الصلف والغرور في ألويةٍ من الحديد ومواكب من النار, وكانت الاسود تربض في الجلبات، على اكتاف السفوح وفوق القمم بيدها القليل من السلاح والكثير من العزم وفي قلوبها العميق من الإيمان بالله والوطن, وتفجر زئير الاسود في وجه المد الأسود ..الله اكبر"
تلك كانت كلمات الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه في 21 من مارس عام 1968 في اليوم الذي استعاد فيه الأردن كرامةَ العرب، في الانتصار الأوّل على إسرائيل، يومٌ انتهت فيه اسطورة الجيش الذي لا يُقهَر، على يد المملكة الأردنيّة الهاشميّة.
في صباح يوم 21 آذار 1968، استيقظت بلدة الكرامة الأردنية على أصوات القذائف والانفجارات، إذ شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسعاً في محاولة لضرب المقاومة الفلسطينية وفرض هيمنتها على الضفة الشرقية لنهر الأردن. لكن الجيش العربي الأردني كان على أهبة الاستعداد، وخاض واحدة من أكثر المعارك شراسة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي
بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية، نشطت الفصائل الفدائية الفلسطينية في تنفيذ عمليات عبر نهر الأردن ضد الأهداف الإسرائيلية. وكانت بلدة الكرامة، الواقعة على بعد 5 كيلومترات من النهر، مركزاً رئيسياً لبعض الفدائيين، ما جعلها هدفاً إسرائيلياً. لكن القيادة الأردنية، بقيادة الملك الحسين بن طلال، كانت تدرك خطورة الموقف، ورفضت السماح بأي خرق للسيادة الأردنية.
أعدّت إسرائيل خطة عسكرية بهدف اجتياح الكرامة، تدمير معسكرات الفدائيين، وإجبار الأردن على وقف دعمه للمقاومة الفلسطينية.
لكن الجيش الأردني كان قد رصد التحركات الإسرائيلية واستعد جيداً للمعركة، حيث نشر قواته على المرتفعات وفي مواقع استراتيجية، وجهّز خطة دفاعية محكمة.
في فجر يوم 21 آذار، عبرت القوات الإسرائيلية نهر الأردن من عدة محاور، مستخدمة أكثر من 15 ألف جندي، و250 دبابة، ومئات الآليات العسكرية، بالإضافة إلى غطاء جوي كثيف. ورغم تفوق إسرائيل عسكرياً، إلا أن الجيش الأردني بقيادة اللواء مشهور حديثة الجازي تصدى ببسالة للهجوم.
وبمجرد دخول القوات الإسرائيلية إلى البلدة، اشتبكت مع الجيش الأردني في معارك ضارية استمرت لساعات. دُمّرت عشرات الدبابات الإسرائيلية بنيران المدفعية الأردنية، واضطر الجنود الإسرائيليون إلى القتال في شوارع الكرامة، وهو ما لم يكن متوقعاً في خططهم العسكرية.
مع احتدام القتال، واجهت إسرائيل مقاومة شرسة من القوات الأردنية، التي كانت تستخدم تكتيكات قتالية فعالة، أبرزها استغلال الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وتنفيذ عمليات التفاف ناجحة على القوات الإسرائيلية.
كما لعبت المدفعية الأردنية دوراً محورياً في حسم المعركة، إذ قصفت مواقع الجيش الإسرائيلي بكثافة، مما دفعه إلى الانسحاب. ويذكر أحد الجنود الإسرائيليين الناجين.
وعندما طلبت إسرائيل وقف إطلاق النار، رفض الملك الحسين ذلك إلا بعد انسحاب جميع القوات الإسرائيلية من الأراضي الأردنية، وهو ما تم فعلاً، بعد أن تركت خلفها خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
ورغم أن الفدائيين الفلسطينيين كانوا متواجدين في الكرامة، إلا أن تأثيرهم في سير المعركة كان محدوداً. فقد خاضوا بعض الاشتباكات الأولية، لكن المعركة كانت أساساً مواجهة بين جيشين نظاميين.
ألحقت المعركة هزيمة قاسية بإسرائيل، إذ تكبدت خسائر فادحة قُدرت بـ 250 قتيلاً وجريحاً، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 80 آلية عسكرية. أما الجيش الأردني، فقد خسر حوالي 87 شهيداً، لكنه حقق نصراً عسكرياً وسياسياً كبيراً.
ساهمت المعركة في تعزيز الروح المعنوية للعرب بعد هزيمة 1967، وأظهرت أن الجيش الإسرائيلي ليس قوة لا تُقهر. كما رسّخت مكانة الأردن كدولة ذات سيادة تدافع عن أراضيها بقوة.
في النهاية، تُعد معركة الكرامة رمزاً للصمود الأردني، حيث أثبت الجيش العربي الأردني قدرته على مواجهة أقوى الجيوش في المنطقة، وإجبار إسرائيل على الانسحاب من أرض المعركة مكسورة للمرة الأولى في تاريخها.
    نيسان ـ نشر في 2025/03/22 الساعة 00:00