'غزة الجوع النبيل'

نيسان ـ نشر في 2025/05/21 الساعة 00:00
في لحظة جوع وكرامة، تجسدت الإنسانية بأجمل صورها، حين مدّ البائع يده لا بالعقاب، بل بالرحمة. الطفلة شهد الصواف، التي سرقت القلوب قبل أن تغادر الحياة، لم تكن "حرامية"، بل كانت جائعة، ضعيفة، تحاول أن تبقى على قيد الحياة بكرامة، والخوف الذي جعلها تسقط مغشيًا عليها، يصرخ بما هو أبلغ من الكلام: كم من أطفال مثلها في هذا العالم يختبئون وراء الخوف والجوع؟طفلة من الشمال رأيتها وقد كان واضحاً عليها أنها ابنة عِزّ، تقدمت أمام أحد العربات، وأخذت منها 3 حبات من الزبيب، وعندما رآها البائع صارت تركض وتصرخ وهي تبكي وتقول: "والله ما انا حرامية، انا جوعانة انا جوعانة"، ركض البائع خلفها وقطع عليها الطريق، ومن شدة خوفها سقطت مغشياً عليها، حملها البائع وحاول إفاقتها، وما إن أفاقت حتى أخرجت من فمها حبات الزبيب التي لم تبتلعها بعد، وصارت تقول للبائع وهي ترتجف خوفاً: "أنا آسفة والله آسفة"، قبّل رأسها وقال لها: "مش رح أسامحك غير لما تجي وناكل أنا وأنتي مع بعض، موافقة؟" نظرت إليه نظرة الناجي من الموت، وعانقته وهي تبكي وتضحك وقد هزّت رأسها موافقة، ثم عادا معاً إلى العربة وفتح علبتان من التونة وبدأ يطعمها بيده، صارت تأكل وتؤرجح قدميها من فوق الكرسي كمن امتلأ قلبه بسعادة لو وُزعت على أهل المدينة لكفتهم..‏قصة حصلت مع الطفلة شهد الصواف قبل ان ترتقي وتصبح في ضيافة الرحمن …
رحم الله شهد، الطفلة التي علمتنا جميعًا درسًا عظيمًا عن الجوع، والكرامة، والرحمة، وعن أن الإنسانية لا تزال حية في قلوب من لا يزالون يُشعلون شموع الدفء في عالمٍ مليء بالبرد.
    نيسان ـ نشر في 2025/05/21 الساعة 00:00