ميزان الاعتدال الجديد: اخلع حذاءك عند باب الظلم

محمد المحيسن
نيسان ـ نشر في 2025/07/12 الساعة 00:00
يقول المفكر وعالم اجتماع المصري عبد الوهاب محمد المسيري "حين يشترط التنازل عن الحقوق لتوصف بالاعتدال، يتضح أن الميزان لم يعد ميزان عدل، بل ميزان قوة يُعيد تعريف المفاهيم على هواه. وعندما يُطالَب صاحب الحق بالتراجع ليُقال إنه معتدل، فليعلم أن الاعتدال قد غدا غطاءً للضعف، وأن الحقوق لا تُمنح لمن اعتاد التفاوض عليها".
فقد بات الاعتدال اليوم اشبه ببطاقة عضوية في ناد للنبلاء الجدد، نبلاء يتنازلون عن كل شيء مقابل لقب لا يسمن ولا يغني من كرامة، ولا حتى من جوع "مجرد لقب وما أكثر الألقاب هذه الأيام.
يريدونك أن تكون معتدلًا، هذا سهل وبسيط جدا فقط تنازل عن نصف حقوقك، وقل "أنا من دعاة السلام". وإن طلبوا منك الباقي، فابتسم وقل: "نحن أمة الحوار، او اذا اردت التمويه فقل "سلام الشجعان "الذي لم يبقي من الضفة الا ربعها وستباح القطعان القدس ..
وبما اننا نعيش في مرحلة لم يعد فيه الحق يُؤخذ بالقوة كما تعلمنا في المدارس، بل يسلب منك باسم "الاعتدال"، ظهر كائن جديد يُدعى "المعتدل". لا هو منتصر، ولا هو مهزوم، بل مفعول به ويعيش ويتغذى على العشم.
أما العدالة التي لم تعد عمياء فقط، فقد استقالت من وظيفتها منذ أن دخل الاقوياء غرفة الميزان ووضعوا إصبعهم وقدامهم فوق كفتها. ليتحول الظالم الى معتدل لأنه "يعرف متى يضرب"، وصاحب الحق يوصف بالمتشدد لأنه "لا يعرف متى يسكت".
تخيل معي النظرية التي نعيشها حاليا يجري الدفاع عنها، إذا دافعت عن حقك، فأنت تزرع الكراهية. وإذا طالبته، فأنت خطر على الاستقرار. أما إذا جلست متأملا تنهيدات الأمم المتحدة وشعور رئيسها الدائم بالقلق، فأنت رجل المرحلة.
"في سلَّم الاعتدال الجديد، ما عاد السكوت ذهبا… بل صار أول درجة في بطولة الكتمان. بعدها تبدأ بالتصاعد: تتسامح، تتنازل، تصبح معتدلًا جدا حتى تعطيك " السوشل ميديا" وسام (نسي نفسك)، ثم تصل إلى القمة: تصفق لمن سرقك، وتعتبره كريما لأنه خلى لك شيء تحكي عنه."
ولذلك، عزيزي المواطن الصالح، إذا أردت أن تصبح معتدلًا في هذا العصر، عليك أن تخلع نعليك عند باب الظلم، وتمشي حافيا على أشواك المبادئ، ويمكنك الابتسام أمام الكاميرا، ثم تقول:
"أنا بخير… فقد تعلمت أن الحق ثقيل، ومن الأفضل أن أتنازل عنه كي أرتاح "
ووفق رواية بعض المشايخ "كفى الله المؤمنين شر القتال"..
    نيسان ـ نشر في 2025/07/12 الساعة 00:00