عندما يصبح التافهون صناع رأي عام

نيسان ـ نشر في 2025/07/29 الساعة 00:00
ابراهيم قبيلات
عندما سمعتُ الرئيسَ الأمريكيَ "ترامب" يقول إنه قادمٌ إلى البيت الأبيض "بأمر الرب"، ظننتُه يمزح.
وعندما قيل له – تملقا – إنه "نجا من الاغتيال ليخلص العالم من الأشرار"، اعتقدتُ أن الأمر ربما لا يعدو كونه "سُحُجًا" وبلكنة اجنبية، يعني تسيج أمريكي من طراز رفيع. لكن...
أن تنشر تقارير في صحيفة "نيويورك بوست" عن أن "كائنات فضائية ستهاجم الأرض في نوفمبر 2025"، فهذا أمر يفوق حدود المعقول. الصحيفة نقلت عن علماء فيزياء فلكية مزعومين أنهم رصدوا "جسما بين النجوم" غريبا، طوله 24 كيلومترا (أكبر من جزيرة مانهاتن)، يتحرك باتجاه الأرض وسيصل في نوفمبر المقبل.
حتى هذه اللحظة، قد يبدو الخبر عاديا نسبيا، لكن المفارقة أن الصحيفة أضافت: "قد تكون هذه سفينة متخفية من حضارة أخرى تحمل نوايا غير ودية!"
ما الذي يفعله الأمريكيون حقًا؟
إن إحالة صحيفة بهذا الحجم الخبر إلى "علماء فيزياء فلكية" توحي بأن الأمر يناقش بجدية. وكأن الصحيفة تقول للقارئ: "لا تسخَر من الخبر، فقد يكون حقيقيا!" لكن الواقع أنه لا توجد أي تقارير علمية موثوقة، أو أدلة ملموسة، تدعم فكرة أن علماء الفيزياء رصدوا "كوكبا يحمل حضارة فضائية متخفية تستعد لمهاجمة الأرض".
كما ان مصطلحات مثل "حضارة فضائية متخفية" أو "غزو فضائي" تظل حبيسة أفلام الخيال العلمي، وليس لها أي سند في الأبحاث العلمية الحقيقية.
لكن، لماذا يروج الإعلام الأمريكي لمثل هذه الأخبار؟
العقلية الأمريكية التي تخلط بين الخرافة والعلم، وتتعامل مع الأساطير كموضوع بحثي "جاد"، تدفع المؤسسات الإعلامية والسياسية إلى توظيف هذه "الخزعبلات" كلما ضاقت بهم السبل.
فالنسبة الغالبة من الثقافة الأمريكية الشعبية بُنيت على أفلام هوليوود، مما يجعل العقل الجمعي الأمريكي أكثر تقبلا لمثل هذه السرديات، سواء من العامة أو حتى بعض الأكاديميين.
وهنا تكمن المفارقة في ان يُروَّج لمصطلحات ضخمة مثل "حضارات فضائية متقدمة"، "إشارات راديوية غامضة"، أو "تهديدات كونية"، دون أي دليل علمي.
رغم ذلك، يظل هذا العقل (الذي لا يميز بين الخيال والواقع) أحد أكثر العقول تأثيرا في العالم اليوم!
يبدو ان للتفاهة أجنحة وتطير بالسماء محلقة ثم تهبط هناك، في أمريكيا.

الأمر لم يعد مفاجئا في زمن يُفرض فيه على العلماء الصمت، بينما يُفتح الباب على مصراعيه لكل من هبّ ودبّ من "مُلهَمي السوشيال ميديا" ومدعي المعرفة.
هل نحن أمام "هروب من الواقع" أم "صناعة للواقع"؟ السؤال الأهم: إلى متى سيظل العالم يأخذ مثل هذه الأوهام على محمل الجد؟
    نيسان ـ نشر في 2025/07/29 الساعة 00:00