المتنمّرة

اسماعيل الشريف
نيسان ـ نشر في 2025/07/31 الساعة 00:00
عندما ترتكب إسرائيل جرائم، يُطلب منا «فهم السياق». لكن عندما يُقتل فلسطيني، يُطلب منا «إدانة الإرهاب».- الروائية التركية إليف شافاق.
يعمد الصهاينة، واللوبيات الموالية لهم، والساسة الفاسدون، ووسائل الإعلام المنحازة، إلى تصوير أي انتقاد للإبادة الجماعية الجارية في غزة، أو أي تعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، على أنه معاداة للسامية، أي كراهية لليهود. وفي الوقت ذاته، تغدق منظمة إيباك، إلى جانب لوبي «الرافعة الوطنية للبنادق» ولوبي تجارة السلاح في الولايات المتحدة، الأموال على أعضاء الكونغرس، كلٌّ خدمةً لمصالحه، من أجل دعم الإبادة الجماعية وتزويد الصهاينة بالسلاح لقتل الفلسطينيين.
غير أن هذه اللوبيات باتت تواجه تحديات متصاعدة، أبرزها تنامي وعي الشعوب الغربية بما يجري في فلسطين، ورفضها منح الصهاينة تفويضًا مفتوحًا للقتل أو تسليحًا بلا شروط. لقد أحرقت صور الأطفال الجوعى والشهداء قلوب الشعوب، ولم تعد دول العالم قادرة على التزام الصمت، إذ باتت هي الأخرى ترزح تحت ضغط شعبي متزايد يطالب بالتحرك ووقف المجازر.
لكن، وبدلًا من أن تنصاع هذه الدولة المارقة لقرارات الشرعية الدولية، وتستجيب لنداءات الدول الداعمة لها بوقف المجزرة ورفع الحصار وهي التي لا تملك مقومات العيش دون دعمهم نجدها تتنمر عليهم وتتمادى في غطرستها.
ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن وزراء في الحكومة الصهيونية حذروا بعض الدول الأوروبية من أن اعترافهم بالدولة الفلسطينية سيُقابل بضم أجزاء من الضفة الغربية، وقد سبق أن استخدمت الحكومة الصهيونية هذا الأسلوب مع كلٍّ من سويسرا وإيرلندا. كما نقلت صحيفة هآرتس عن دبلوماسي أجنبي أن وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الصهيونية حذّر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لاي، ووزير الدولة الفرنسي جان نويل بارو، من أن اعتراف بلديهما بالدولة الفلسطينية سيقابله الكيان بضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، ردًا على هذا الاعتراف.
ولا تتورّع هذه الدولة المارقة عن التنمّر على الدول والمنظمات التي تتخذ قرارات سلبية بحقها؛ فعندما منعت هولندا دخول الإرهابيَين بن غفير وسموتريتش إلى أراضيها، جاء الرد بأن أوروبا اضطهدت اليهود تاريخيًا. وحين استُدعي السفير الصهيوني هناك لجلسة توبيخ، ردّ الكيان باستدعاء السفير الهولندي لتوبيخه!
وعندما أصدرت لجنة تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة تقارير تتهم الكيان بارتكاب جرائم حرب، منعت محققي الأمم المتحدة من دخول أراضيها. وفي عام 2009، طردت مدير مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في القدس المحتلة، بسبب اتهام المنظمة لها بانتهاك حقوق الإنسان، كما رفضت التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها بشأن جرائم حرب محتملة ارتُكبت في فلسطين.
بل وتتجاوز ممارساتها ذلك إلى التدخل في سياسات الدول المؤيدة لها، ساعية لإلغاء الفعاليات الداعمة لفلسطين، وسنّ القوانين التي تجرّم المنظمات السلمية المدافعة عن الشعب الفلسطيني. فهي تضغط على منصة نتفليكس لإيقاف عرض فيلم فرحة الذي يوثّق مجزرة دير ياسين، وتمنع نوابًا أمريكيين منتقدين للكيان من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمضي في اغتيال الصحفيين الفلسطينيين وعمال الإغاثة دون رادع.
لم يكن الكيان ليجرؤ على هذا التنمّر على حلفائه لولا المواقف المتراخية لتلك الدول في التعامل مع جرائمه. ولنعقد مقارنة: بعد ساعات فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، سارع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات صارمة على روسيا، كان أبرزها طرد البنوك الروسية من نظام سويفت وهو إجراء لم يُتخذ حتى عندما اجتاح هتلر نصف أوروبا. كما جرى تزويد كييف بمليارات الدولارات، واستُقبل اللاجئون الأوكرانيون بالترحاب.
أما فيما يخص غزة، فبعد نحو عام من بدء المجزرة، وبلوغ عدد الشهداء ثلاثين ألفًا، واستشهاد عشرات الصحفيين، وتدمير أكثر من 60% من القطاع، صدر أول تصريح من بروكسل يُعرب عن «القلق» ويدعو إلى وقف الحرب بعد عامٍ كامل من الدعم. ومع ذلك، لم يفرض الاتحاد الأوروبي حتى الآن أي عقوبات على الكيان، ولم يُحدث أي تغيير يُذكر في طبيعة علاقته به، بما في ذلك استمرار تزويده بالسلاح.
يتنمر الكيان على دول العالم ومنظماته، مدركًا أن أهدافه تتقاطع مع أهداف الغرب في الهيمنة على المنطقة وإضعاف الدول العربية، فهو يمثل القاعدة المتقدمة للمشروع الغربي في الشرق الأوسط. تتشابك المصالح الاقتصادية، ويُستغل شبح الهولوكوست الذي لا يزال يُلقي بظلاله هناك، فضلًا عن التأثير العميق لأدبيات الغرب المبنية على صراع الحضارات ورُهاب الإسلام.
    نيسان ـ نشر في 2025/07/31 الساعة 00:00