التكنولوجيا.. تبتلع العرف العشائري بلعاً وهي أمنا وأبونا

نيسان ـ نشر في 2025/08/28 الساعة 00:00
إبراهيم قبيلات
مظهر الطرقات وهي تُصبح مسرحاً للفوضى؛ تتعالى فيها أصوات الزعيق في سمفونية نشاز، وتتحول المركبات إلى كاباريهات امر يحيرني.
شباب يتدلّون من النوافذ، يلوّحون بأياديهم التي كان يجب أن تكون ممسكة بدفة مستقبلهم، غير آبهين.
والأسوأ من ذلك، مشهد السيارات التي تُقاد بتهور، وكأنّ فرحة النجاح لا تكتمل إلا بتهديد الأرواح.
هذا المشهد طرح علي سؤالا ملحا: من نحن اليوم؟
اعلم ان علماء الاجتماع يدركون ان المجتمع الاردني منذ عقود يتحرك بدفة لا نعرف اين ستقوده في النهاية.
منذ قرون بني المجتمع على اسس عشائرية من الاعراف والتقاليد. وحتى الان ما زالت هذه الاعراف قائمة لكني ابشركم انها ستصبح هي الغريبة بعد اقل من عشر سنوات.
لا ضير في تغير المجتمع، لكن ما نعاني منه هنا اننا نتغير بلا بوصلة، وننتقل من مجتمع يسوده قيم الاعراف العشائرية التي عرفناها، وعرفتنا منذ قرون الى مجتمع منفلت بلا ضوابط. ليس اردنيا وحسب بل هذا ينطبق على العالم باسره، وإن كانت التفاصيل لكل مجتمع تختلف.
لم تكن العشيرة الأردنية يوما بمعزل عن التغير، لكن دخول التكنولوجيا بأسلحة التواصل الحديثة غير وجهها بسرعة غير مسبوقة. وهنا يكمن الخطر.
المجتمع لم يعد يهضم المتغيرات فيه بهدوء. صار يبلعها بلعا لسرعتها.
فما كان يُحل في دواوين العشيرة ويحسم بكلمة شيخها، بات يطرح للنقاش على صفحات افتراضية، حيث لكل فرد من أفراد المجتمع وجيهه وسفيهه "منبر" يُبدي فيه رأيه.
ان التكنولوجيا هي العرف الوحيد السائد اليوم. هي التي تربي ابناءنا في الغرف المجاورة على غفلة منا. هي التي تحدد القيم والاعراف. هي التي تحكي لهم قصص النوم. هي ابونا وامنا اليوم.
    نيسان ـ نشر في 2025/08/28 الساعة 00:00