تركيا وإسرائيل: طلاق بائن؟

نيسان ـ نشر في 2025/09/01 الساعة 00:00
أعلن وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، يوم الجمعة الماضي، قطع كافة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل وإغلاق مجالها الجوي وموانئها أمام الطائرات والسفن الإسرائيلية، مستكملا بذلك ما بدأه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حين أعلن في تشرين ثاني/ نوفمبر 2024 عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
قبل أربعة أيام من إعلان وزير الخارجية التركي أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في مقابلة عبر «بودكاست» أمريكي، اعترافه بما يعرف بـ«الإبادة الجماعية» التي يتهم الأرمن الدولة العثمانية بارتكابها في حقهم خلال الحرب العالمية الأولى (وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية التركية «محاولة لاستغلال المآسي الماضية لدوافع سياسية»).
اعترفت تركيا بدولة إسرائيل عام 1949، وكانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تفعل ذلك، وبدأ هذا الحدث مسارا طويلا من التقارب ضمن أهداف جيوسياسية، فجمعتهما اتفاقية تعاون ضد نفوذ الاتحاد السوفييتي (1958) ومهّد هذا التقارب في الأهداف السياسية لعلاقات متميزة على كافة الصعد، وصلت في عام 1996 إلى توقيع اتفاقيات تعاون عسكري، وإلى اتفاقية للتجارة الحرة في عام 2000.
تمثّل زيارة الزعيم التركي اردوغان الرسمية إلى إسرائيل عام 2005 (أي بعد بدئه حكم حزب «العدالة والتنمية» للبلاد بسنتين) إشارة إلى استمرار المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية بما يتجاوز الاختلافات الأيديولوجية بين الحقبة التي تبعت تأسيس النخب العلمانية، بقيادة أتاتورك، والحقبة التي بدأت مع اردوغان.
بدأ بعد ذلك مسار للتوتر إثر حرب إسرائيل على غزة (2008 ـ 2009) وهو ما وصل إلى ذروة كبيرة في عام 2010 مع هجوم قوات خاصة إسرائيلية على سفينة «مافي مرمرة» التركية، المشاركة في حملة «أسطول الحرية» لكسر الحصار عن غزة) والتي قتلت فيها إسرائيل 9 وأصابت 26 من المتضامنين.
ساهمت في تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية تغيّرات سياسية استراتيجية عالمية، كان على رأسها تراجع أهمية وجود جدار دفاع عسكريّ تركي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وهو ما ترافق مع صعود تيارات اليمين العنصري الغربية المناهضة للمسلمين.
وجد هذا الاتجاه، في إسرائيل، وممارساتها ضد الفلسطينيين، نظيره الأكثر توحشا وفظاظة، وتمثّل بصعود الكاهانية الإرهابية الإسرائيلية عبر عقود منذ استلام نتنياهو نفسه للسلطة عام 1996، والذي كان رئيس وزراء خلال أهم الهجمات والحروب على غزة في 2012 و 2014 و2021 و 2022 و2023، وصولا إلى الشراكة الحالية مع قادة الصهيونية اليهودية والتغوّل الإسرائيليّ الهائل المتمثّل في خط ضم غزة والضفة الغربية والتدخّلات الواسعة في سوريا ولبنان واليمن والمنطقة.
يقدّم تصاعد التغوّل الإسرائيلي، وخططه في فلسطين، تحديا كبيرا لبلدان المنطقة ولدول الجوار بما فيها تركيا، وفيما نشهد رعاية أمريكية مباشرة من إدارة دونالد ترامب لخطط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين، فإننا نشهد أيضا عناصر مواجهة قد تكون قاصرة عن احتواء هذه المخاطر ولكنّها قابلة، مع تغيّر الظروف واحتداد الإشكاليات، في العالم، والمنطقة، وداخل إسرائيل نفسها، إلى إنتاج ديناميّات جديدة غير متوقعة يمكن للوجود الاستراتيجي لتركيا دور مؤثر فيها.
    نيسان ـ نشر في 2025/09/01 الساعة 00:00