دولة فلسطينية

اسماعيل الشريف
نيسان ـ نشر في 2025/09/29 الساعة 00:00
لا حلول حقيقية قائمة على دولتين؛ على الأكثر ما يوجد هو شعارٌ سياسي يدعو إلى هذا الحلّ- جدعون ساعر ، وزير خارجية الكيان.
لعلَّ أول فائدةٍ حقيقية جنتها فلسطين من اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية أنّها كشفت بوضوح أنّ الكيان الصهيوني، بمختلف أطيافه السياسية والإيديولوجية، يرفض وجود دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب معه.
يكتب بيني غانتس، وزير الدفاع الصهيوني السابق المستقيل من حكومة نتن ياهو مقالة في صحيفة نيويورك تايمز، والذي يُنظر إليه على أنه «ليبرالي»: أنّ كثيرين من القادة الغربيين ينظرون إلى سياسات «إسرائيل» في هذه الحرب من زاويةٍ أمنيةٍ ضيقة تقتصر في الغالب على مصالح رئيس الوزراء. وغالبًا ما ينصبّ النقاش على ما يلائم رئيس الوزراء بدلًا من منظور الأمن القومي الشامل، وكأنّ الأمن القومي محصور في فردٍ واحد. هذا التوجّه خطأ جسيم يهدّد الاستقرار العالمي ويقوّض فرص التهدئة الإقليمية، بل ويعرّض أمن إسرائيل ذاته للخطر. ويضيف غانتس: «لقد كنتُ ناقدًا صريحًا لنتن ياهو، لكن مصالح الأمن القومي الأساسية لا يملكها أي حزب؛ واليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، تستند هذه المصالح إلى إجماع وطني راسخ في معطيات الواقع الإقليمي، ويكمن جوهر هذا الإجماع في رفض الاعتراف بدولة فلسطينية».
ويصرّح نتن ياهو بوضوح: «لن تكون هناك دولة فلسطينية». ويؤكّد يوآف غالانت، وزير الحرب السابق شريك نتنياهو في جرائم الحرب أيضا مستخدما نفس العبارة، «لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا».
منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي تكشف الوثائق السوفييتية السرية أنّ دوافعها الحقيقية كانت تعبئة العالم العربي للمشاركة في غزو العراق وتجنّب تصوير ذلك الغزو على أنّه «حرب صليبية جديدة»، تُجمِع الأدبيات اللاحقة على أنّ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم تكونا يومًا جادَّين في أي مفاوضات؛ بل كان الهدف الدائم لتلك المفاوضات، وأي مفاوضات تلتها، انتزاع المزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني.
نحن أمام مجتمعٍ صهيونيٍّ متطرّفٍ يعكس إرادته في انتخاب نتن ياهو ووزرائه الارهابيين. فالتقارير والدراسات تكشف أنّ الغالبية العظمى من الصهاينة تعارض إقامة دولة فلسطينية: تُظهر إحدى الدراسات أن 71% يرفضون قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، و82% يؤيدون التهجير القسري لسكان غزة. وقد أُجري هذا الاستطلاع في عام 2025، بعد أن استُنفدت أهداف الحرب وشاهد العالم جرائم القتل والتجويع في غزة، ومع ذلك لم يحرّك ذلك ضميرهم. بل إنّ 68% يعارضون إدخال المساعدات الإنسانية، أي يؤيدون عمليًا سياسة التجويع، فيما صرّح 79% بأنّهم غير مبالين بتقارير المجاعة والمعاناة؛ وقبل أسابيع قليلة صدر استطلاع آخر أظهر أنّ 64% يوافقون إلى حدّ كبير على مقولة: لا يوجد أبرياء في غزة.
وتنسجم هذه الاستطلاعات مع الخطاب السياسي الذي يُسقط تبريراتٍ وأُطرًا دينية على حرب الإبادة الجارية في غزّة؛ إذ جرى توصيف أهلها بكلماتٍ مهينة بوصفهم «حيوانات بشرية»، ووصلت بعض المطالب إلى حدّ الدعوة لإسقاط قنبلة نووية على القطاع. تكشف مثل هذه التصريحات أنّ معظم الساسة متفقون عمليًا على الإبادة والتهجير، ولا يختلفون إلا في تفاصيل ثانوية؛ أمّا الاختلاف المعلن فيكمن في ملف المحتجزين لدى حماس، فمَن يدعو إلى وقف المجزرة إنّما يفعل ذلك للإفراج عن المحتجزين، ثم العودة إلى المجزرة من جديد.
الكيان الصهيوني، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، هو المعرقل الوحيد لقيام الدولة الفلسطينية؛ فليست حماس ولا نتن ياهو وحدهما، ولا حتى فشل المفاوضات المزعوم، هي السبب المحوري. الحقيقة أنّ الغرب ساهم في إقامة كيان استعماري عنصري على أرضٍ اعتُبر سكّانها الأصليون أقلّ من البشر، محرومين من ممارسة حقوقهم الإنسانية الأساسية.
وبهذا الإجماع على رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يتبيّن أنّ نتن ياهو ليس وحده المسؤول عن معاناة الشعب الفلسطيني؛ فالحجّة القائلة إنّ رحيله سيُنهي المأساة ليست سوى رواية تروّجها الأوساط الصهيونية وساسة متواطئون في الغرب، لتبرير الإبادة وإلقاء المسؤولية على شخصٍ واحد ليكون كبش فداءٍ لاحقًا.
لذلك، برأيي، كسبنا المعركة السهلة بالحصول على اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية؛ لكن المعركة الأصعب بدأت للتو: تنفيذ هذا الاعتراف على الأرض وتأسيس دولة فلسطينية قائمة بمؤسساتٍ عادلة وقادرة. هذه المهمة ستتطلّب بلا شكّ دماءً وتضحياتٍ وتغييراتٍ جوهرية داخل المجتمع الصهيوني، وفي المجتمعات الغربية، وفي العالم العربي أيضًا.
    نيسان ـ نشر في 2025/09/29 الساعة 00:00