مارلي ايها الكلب الشقي..

محمد المحيسن
نيسان ـ نشر في 2025/10/07 الساعة 00:00
بينما كانت غزة تقصف بوابل من النيران وتتقطع اوصالها في واحدة من أكثر لياليها دموية حيث لم يغمض هناك جفن وتبعثرت الجدران والاشلاء تتطاير، قررت واحدة من أشهر المحطات العربية ألمساهمة في دعم المعنويات لكن ليس في غزة طبعا، بل عرضت فيلما أمريكيا عن كلب "لطيف" يدعى مارلي يثير الفوضى ويبعثر الاثاث والاشياء، ويبعثر معه قلوب العائلة الأمريكية الحنونه.
مشهدان متوازنان ولكنها لا يلتقيان ابدا، أحدهما يموت اطفالها جوعا وحرقا وفي الاخرى يربت على راس كلب، كلاهما يذرف الدموع ولكن شتان بين دمعة انتزعت من قلب محاصر غطت عيونه دخان القذيفة ودمعةٍ تهطل من عيونٍ زجاجة مياه معدنية.
السؤال الأكثر عمقا كيف يمكن لمجتمع يظهر عاطفة عميقة تجاه كلب أن يغض الطرف عن حروب تقتل فيها آلاف العائلات البشرية؟ وكيف يمارس الغرب انسانيته ورفقة المزيف مع كلب بينما يتجاهل معاناة انسانية كبيرة في عزة مثلا.
فهل أصبحت الإنسانية سلعة ثقافية تسوق في الأفلام، بينما تنتهك في الواقع السياسي؟
هذا لا يعني لا سمح الله أن الرحمة للحيوانات أمر سيء، بل على العكس، هي قيمة نبيلة. لكن المشكلة تظهر حين يقدم الكلب كرمز للتعاطف الانساني، بينما يختزل "الإنسان الآخر" إلى رقم في نشرة أخبار.
هذا الفيلم الطويل والمحزن يذكرني بما قاله الدكتور مصطفى محمود الغرب يعطف على قطة بينما يضرب هيروشيما بقنبلة نووية .
فالغرب كما يضيف الدكتور مصطفى، هو ذالك الكائن الحضاري الحنون، يربت على قطة ضالة في زقاق أنيق، يطعمها، يكتب عنها قصة ملهمة، ثم يذهب بكامل إنسانيته ليقصف هوريشيما ونجازاي بقنبلة نووية اذابت لحمهم وعظمهم، ويحول مدينة كاملة إلى ظلال على الحائط. لا مانع لديه أن يذرف دمعة على كلب أضاع طريقه، لكنه لا يرف له جفن حين تتيه أمة بأكملها في صحراء القصف والتجويع.
قد لا تخلوا نشرة إخبارية للحديث عن، مشهد مؤثر لطفل أمريكي انقذ سلحفاة من بركة مياه عادمة، لكن خلف هذه الصور، طائراتهم تعبر المحيط لتجعل من مدينة أخرى "درسا في الديمقراطية". إنهم شعب يقرأ لشكسبير، ويحفظ غاندي ووصايا السيد المسح عن ظهر قلب، ثم يمضي ليرسم حدود العالم بالبارود، والاف 35 وصواريخ التوماهوك
المشكلة ليست في أنهم بلا مشاعر، بل في أنهم وفروا كل مشاعرهم للحيوانات الأليفة، واحتفظوا بالبارود لكل من لا يشبههم ، مثل الدلافين والديناصورات المنقرضة.
اما المحطة العربية فلا لوم عليها، لأنها مجبرة على ان تكون كذلك ، مصداقا لقوله جل في علاه (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)..
    نيسان ـ نشر في 2025/10/07 الساعة 00:00