العنف الجامعي والتحديث السياسي.. علاجاً

د. محمد أبو رمان
نيسان ـ نشر في 2025/10/20 الساعة 00:00
تثير المشاجرة الأخيرة في الجامعة الأردنية هواجس حقيقية لدى العديد من المهتمين والمتابعين من فكرة عودة العنف الجامعي، الذي صعد خلال أعوام سابقة، وأدى إلى تشويه سمعة التعليم العالي، قبل أن يتراجع في المرحلة الأخيرة، بخاصة أنّ هذه الحادثة جاءت في مرحلة تشهد الجامعة تحديثات وتطويراً كبيراً على البنية التحتية، بالإضافة إلى التحسن الملحوظ في التصنيف الدولي للجامعات، والقفز بالعديد من مجالات التدريس والإدارة واستقطاب الطلاب من الخارج، ولا مندوحة من الإشارة هنا إلى أنّ المشهد الذي رأيناه يوم الخميس الماضي، بالرغم من أنّه حالة فردية، لكنه مؤذٍ للجامعة وللتعليم العالي في زمن التواصل الاجتماعي.
لن نخترع العجلة من جديد، ولن نكرر القول في كم كبير من الوثائق والدراسات والخلوات التي عقدت وأطلقت لمحاولة بحث ظاهرة العنف الجامعي، خلال أعوام سابقة، لكن من الواضح أنّه بالرغم من خفوت الظاهرة لحين من الدهر، فإنّها مرشّحة لأن تعود في أي مرحلة طالما أنّ هنالك ديناميكيات رئيسية لا تزال قادرة على توليد هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر؛ الأولى تتعلق بالقبول وقوائم القبول، والمطلوب أن يتم تخفيض الاستثناءات إلى أكبر قدر ممكن، إذ وصلت في مرحلة سابقة إلى مستوى كبير في أغلب الجامعات، الثاني يتعلق بديناميكية التدريس وأنماط التدريس والثالثة مرتبطة بالأنشطة الجامعية والحياة الجامعية والقيم السائدة فيها.
هنا تبدو المفارقة أنّ جميع هذه المشاجرات في العلوم الإنسانية، ليس في الكليات العلمية، بالرغم أنّ الأصل أن تكون هذه الكليات هي مصدر التنوير الفكري والمعرفي والفلسفي للطلاب، وأن تكون مصدر الإشعاع ليس فقط للجامعة، بل للخارج أيضاً، لكن ما يحدث هو العكس تماماً، وهو أمر يستدعي مراجعة حقيقية لمناهج وأدوات التدريس في العلوم الإنسانية ومستويات التدريس في أغلب الجامعات الأردنية، والديناميكية الثالثة تتمثل في الأنشطة الطلابية ومدى توسع الجامعة في هذا المجال وفي خلق مجتمع ثقافي وعلمي مستقل وتجعل من هذه الأنشطة الجامعية مساحة واسعة للطلاب للنشاط والعمل التطوعي والمفيد.
كان يفترض أن يمثّل مشروع التحديث السياسي مفتاحاً رئيساً وذهبياً لتطوير الحياة الجامعية؛ من خلال انخراط الطلاب في أنشطة جامعية متعددة ومتنوعة، وذات أبعاد متعلّقة بالحوار السياسي والمدني والوطني، والانتقال إلى مستوى أعلى من الاهتمام من تلك القضايا الصغيرة والمحدودة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى العنف الجامعي، وأغلبها يرتبط بالهويات الجغرافية والاجتماعية والإقليمية.
إلى الآن لا تزال ديناميكيات التحديث السياسي محدودة وضعيفة في أغلب الجامعات؛ وهنالك ممانعة من العديد من الإدارات الجامعية لهذا المسار الجديد والمهم، بالرغم من وقوف الحكومة معه بصورة كبيرة، وفي دراسة سنقوم بإشهارها قريباً بعنوان «الجامعات والسياسة في الأردن؛ دراسة مقارنة عن التيارات والاتحادات الطلابية»، شارك كاتب هذه السطور مع باحثين شباب بإجرائها (بالتعاون مع معهد السياسة والمجتمع- وتتضمن الدراسة استطلاعاً للرأي ومجموعات مركزة ومقابلات ومراجعة نظرية)، وبعض المعلومات والمخرجات على درجة عالية من الأهمية، منها ما يتعلّق بحالة من العزوف الهائل والكبير من قبل غالبية الطلاب عن العمل الجامعي عموماً (وليس فقط العمل الحزبي والسياسي)، ومنها ما يتعلّق برؤية نسبة كبيرة للطلاب بأنّ التيارات والكتل الطلابية المشاركة في الانتخابات الجامعية تبنى على أسس هوياتية اجتماعية وجغرافية، ومنها ما يتعلّق بتأثير فترة كورونا (كوفيد) على العديد من طلاب الجامعات، وعلى التراكمية في عمل التيارات الطلابية.
إذاً أردنا فعلاً أن نبتعد بجامعاتنا من شبح عودة العنف الجامعي، وأن نستعيد ألق التعليم العالي، الذي كان يميّز الأردن إقليمياً، فإنّ المطلوب المضي قدماً في مجموعة من الإجراءات الجراحية الرئيسية، وفي مقدمتها رد الاعتبار لاستقلالية الجامعات وفتح الباب واسعاً أمام مشروع التحديث السياسي وانخراط الطلاب في أنشطة سياسية وحزبية وطلابية وأندية طلابية، وتعزيز المناهج النقدية والتي تقوم على البحث العلمي، وأن يتم استدخال هذه المفاهيم في بنية الجامعة والمجتمع الجامعي بصورة عامة..
    نيسان ـ نشر في 2025/10/20 الساعة 00:00