عن العشائر والعنف الجامعي و(فشخات) رأسي.. لا تحيلوا أسوار جامعاتنا إلى أسواق لبيع الملابس والأحذية

نيسان ـ نشر في 2025/10/21 الساعة 00:00
إبراهيم قبيلات
حين أتفقد رأسي أمرر اصبعي على عدد من (الفشخات) مُنيت بيها حين كنت طالباً جامعياً، لكن لم يكن لقبيلتي أو لعشيرتي دوافع خفية وراء (معارك) شبابية خضناها لأسباب لم نعد نذكرها، وإن بقيت ندبها ماثلة على رؤوسنا.
أعترف بهذا، وأنا أرى حالة (التطهر) من المشاجرات الجامعية، وكيفية الزج بالعشائر ودواوينها وفناجين قهوتها العربية، وإغراقها في وحل من الطين، لا ينفع معه إلا المكاشفة دون حياء أو مواربة.
ما أعرفه ويعرفه الجميع أن السباح الماهر سيغرق إذا وُضع في بركة طين، ولن تُجديه مهارته الاحترافية في النجاة.
بالقياس على ذلك يمكننا القول، إنه حين تقدم للطالب المدرسي أو الجامعي أدوات العبث كلها - من مناهج لا تشبه أي شيء في الواقع، أو حين تشتري برأس المال صفة "العالم" أو "الأكاديمي" لشخص – أو حين تملأ قاعات الدراسة بحملة شهادات مزورة، أو جاءوا بمحض الصدفة والواسطة، فإنك حينها ستحصل على جامعات وقد تحولت أسوارها إلى أسواق لبيع الملابس والأحذية.
الفساد لا يحمل بصمة اجتماعية محددة؛ إنه هو مادة لزجة يطمح الفاسدون من خلالها إلى جعل الجميع مثلهم. وبعد أن استفحل الفساد بين أضلعنا، صار هؤلاء يرون أن نجاتهم لن تكون إلا بإغراق الجميع في بركة طينهم.
أتحدث هنا عن اتهام العشائر الأردنية بالعنف الجامعي.. إن القول إنها ستسعى لاحتواء المشاجرات في الجامعة الأردنية بـ"فنجان قهوة" هو ظلم لا يعكس حقيقة المشهد.
فالمشكلة ليست في العشائر، إنما في المنظومة التي بُنيت عليها أركان العمل، كما أن الأنظمة السياسية والاجتماعية في الأردن لم تخلقها العشائر، بل صنعها "الرسمي" على مدى عقود طويلة.
الفاسدون ليسوا فئة واحدة محددة، بل إن فاسدا واحدا قادر على قلب كل الطاولات فوق رؤوسنا، من دون أن نعثر له على بصمة.
أما العنف الجامعي، فهو ليس مرتبطا بمكون اجتماعي دون آخر، بل هو نتاج منظومة من القواعد المشوّهة، أفرزت لنا مئات الحفر التي لا يكاد أحدنا ينهض من إحداها حتى يقع في التي تليها.
إن هذا البناء الأعوج الذي نعيش تحت سقفه منذ عقود، يتفاعل باستمرار منتجاً المزيد من العبث والفساد والإفساد. وهذا هو السبب الأول والرئيسي لكوارثنا، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أكاديمية.
وهذا البناء نفسه يريد اليوم أن يشيد لنا هرما حزبيا جديدا. وبعد سنوات، سنرى العجب العجاب، عجَباً سيُتهم فيه بعضنا العشائر مرة أخرى، وسيكون اتهاما ظالما وسنجد من يصفق له.
    نيسان ـ نشر في 2025/10/21 الساعة 00:00