البيوت مريضة بلا كتب

رمزي الغزوي
نيسان ـ نشر في 2025/11/02 الساعة 00:00
ما زالت ترن في أذن التاريخ صرخة كليوباترا من شرفة قصرها: «مكتبتي، مكتبتي!» حين أتت ألسنة النيران على ما يزيد على 700 ألف كتاب عام 48 قبل الميلاد، على يد يوليوس قيصر الذي أراد أن يحرق أسطول أعدائه، فانفلتت النيران والتهمت مكتبة الإسكندرية العريقة. كليوباترا، ورغم انشغالها بالحب والحروب والسياسة، لم تنس الكتب والحروف، لأن الحضارة تُبنى من الورق لا من السيوف.
ونحن، رغم ما يحيط بنا من حروب وكروب، لم ننس الكتاب أيضاً. والدليل حي في مشروع مهرجان القراءة، تلك المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة، فكبرت مثل شجرة ضوء تمد جذورها في كل بيت، وتثمر في كل عام عناوين جديدة. وإذا كان من الجميل أن تفقس بيضة الأحلام مرة واحدة، فالأجمل أن تراها تكبر وتدرج وينبت لها الريش، فتطير كعصافير البهجة. وهكذا يسعدني أن أرى هذا المشروع وقد وصل إلى نسخته 19، محلقاً حاملاً بذور الخير والمعرفة.
قال لي رجل مسن التقيته في احد مراكز بيع الكتب للمشروع العام الماضي: «البيوت مريضة بلا كتب.» ثم أضاف بابتسامة هادئة: البيت الذي يضم مكتبة، ولو كانت بحجم بكسة تين، هو بيت يمتلك بذرة التغيير وصناعة الحياة. صدق الشيخ الحكيم، فالمكتبة الصغيرة ليست رفاً من الورق، بل قلب نابض في جسد البيت، ونافذة يطل منها الأبناء على العالم.
تأتي إصدارات مشروع مكتبة الأسرة متنوعة في موضوعاتها، من التاريخ إلى الأدب، ومن التراث إلى العلوم، مع تركيز جميل على الكاتب الأردني والعالمي. أما الأسعار، فهي تكاد تكون رمزية، إذ لا يتجاوز ثمن الكتاب الواحد 25 إلى 35 قرشاً، ومن المبشر أن بين تلك الإصدارات أكثر من 10 عناوين موجهة للطفل.
وإذا كانت العقبة التي تواجهنا كمواطنين هي صعوبة الوصول إلى الكتاب، فها هو المشروع يأتي إلينا في كل محافظة. وإذا كانت الكلفة المادية جداراً يحول بيننا وبين القراءة، فها هي تتلاشى ضمن هذه المبادرة الريادية. تبقى الكرة الآن في ملعبنا نحن، فلا أجمل من أن تزور الأسر، بكل أفرادها، هذه المعارض التي تفتح أبوابها حتى نهاية الأسبوع في كل محافظات الوطن. وتذكروا دائماً أن بمبلغ لا يتجاوز 20 ديناراً يمكنكم تأسيس مكتبة بيتية تظل لأحفاد أحفادكم، شاهدة على شغفكم بالمعرفة.
تحية محبة لوزارة الثقافة بانطلاق هذا الموسم الجديد من مكتبة الأسرة، وتهنئة لكل الزملاء الكتّاب والمثقفين الذين أسسوا لهذا المشروع الكبير، ولكل أسرة أدركت أن بناء الوعي لا يقل قداسة عن بناء الجدران.
فالبيت الذي يحتضن كتاباً، يحتضن روحاً. فهو بوابة الروح، يجيء على مقاس اليدين ليكون وجهاً ثانياً لنا، ويداً ثالثة، وسماء نحلّق فيها كلما ضاق بنا الواقع.
    نيسان ـ نشر في 2025/11/02 الساعة 00:00