النكتة.. فضفضة ام تفريغ شحنات؟

محمد المحيسن
نيسان ـ نشر في 2025/11/19 الساعة 00:00
مع تراكم الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحولت النكتة إلى متنفس بدل أن تكون مبادرة للتغيير، فكان الميدان الاسهل للتعبير عن هذا الإخفاق المساحات الحرة والفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي فانتقل النكات من المجالس الخاصة إلى الانترنت. على سبيل الفضفضة او تفريع شحنات.
ولعل من أكثر النكات تعبيراً عن هذا الازدواج قول أحدهم: "نحن شعب لا نعرف اليأس اليأس هو الذي يعرفنا".
وعندما تتلاحق الهزائم فأنها تخلف لدى المهزومين حالة تجعلهم يستمرئون عض الذات وهجاءها بل والسخرية من أنفسهم. ومن هنا، يغدو الضحك في تلك المرحلة فعلا غامض أو غير واضح أو مشكِل، فهو مقاومة من جهة، واستسلام من جهة أخرى.
ومن النكات المتداولة في هذا السياق قولهم: "بلدنا فيها حريات كاملة… حرية أن تسمع، وحرية ألا يجيبك أحد".
وفي التاريخ العربي ما يشير هذه التمازج ولكنها بدت اكثر وضوحا في القرن العشرين، ففي الوقت الذي كانت فيه الأمم تتقدم نحو المستقبل، كان العرب يتقدمون نحو تبادل النكات السوداء. نكات كثيرة، تكاد تحتاج إلى ديوان وزارة خاصة لتوثيقها.
يقول احدهم "سأل المواطن العربي: ما هو مستقبل البلاد؟ فأجابه المسؤول: سري للغاية"
وبدا واضحا ان الشعوب العربية لجأت الى النكتة والسخرية من أوضاعها المزرية، بديلا عن الانفجار والانغماس في التفكير بمآسيها، التي كان الحكام سببا فيها، ما دفعهم إلى السخرية من مصدر آلامهم، جاعلين منه مادة خصبة لإطلاق النكات، لكن المفارقة ان النكتة تعترف بالهزيمة لكنها أيضاً تمنح سلطة رمزية ضد الواقع.
ومن تلك النكات الساخرة قولهم: "الحكومة قررت محاربة الفساد… فهرب الفساد خوفاً من توريطه بالحكومة".
الشعب المصري المعروف بخفة الظل كان له نصيب الأسد من النكات التي أطلقت على الحكام ونظم الحكم بشكل عام، وهذا ما دفع بعض الكتاب لان تكون النكتة السياسية مادة خصية لمؤلفاتهم ومنهم محمد الباز الذي أفرد قسما في كتابه «زعماء وعملاء» تحدث فيه عن سخرية الشعوب العربية من حكامها.
ومن أمثلة النكات المصرية التي أصبحت تعبيراً اجتماعياً: "واحد سأل موظف كبير: إنت بتشتغل إيه؟ قاله: ولا حاجة… مجرد منصب".
النكتة السياسية ليست مجرد «مزحة» تقال في المجالس، وليست ترفاً لغوياً يلجأ إليه الناس للتمضية الوقت او للتسلية.
هي في الحقيقة أداة تعبير اجتماعي وسياسي تولد عادة في اللحظات التي تختنق فيها وسائل التعبير المباشر، فتنتشر عبارات ساخرة مثل: "المواطن يطالب بحقه… والمسؤول يطالبه بالصبر. وفي النهاية لا الحق يتحقق ولا الصبر ينفد"
فهل ما زالت النكتة بديلا عن الفعل السياسي اوفضقضة لتفريغ الهم ، أم أنها أصبحت شكلاً جديداً من الاحتجاج.
    نيسان ـ نشر في 2025/11/19 الساعة 00:00