الهوية والسياسة والأمن في وثيقة ترامب الجديدة
نيسان ـ نشر في 2025/12/08 الساعة 00:00
تعكس استراتيجية الأمن القومي الأميركي للعام 2026، التي أعلنها البيت الأبيض مؤخراً، النزعة المحافظة واليمينية وتأثير هذه التيارات العميق على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه السياسي والأيديولوجي، وتحمل الوثيقة – كذلك- تصوراً استثنائياً مغايراً للغة التقليدية المحافظة في الوثائق السابقة؛ وهنا تكمن المفارقة وثيقة تحمل أيديولوجيا محافظة لكنها ثورية في نقد السياسات الأميركية السابقة وفي التعبير عن التوجهات الجديدة التي تحدث ما يشبه القطيعة مع الوثائق السابقة للأمن القومي الأميركي.
أبرز ما يمكن ملاحظته أنّ الوثيقة تعلن التزامها بمبادئ «أميركا أولاً» وبالعودة إلى مبدأ مورنو في العام 1823 (الذي يعطي الأولوية لنصف الكرة الغربي من العالم- الأمريكيتين) ضمن نطاق المصالح الحيوية الأميركية وكامتداد للأمن القومي الأميركي، وتعكس العودة الصريحة لهذا المبدأ اليوم أولوية قضايا مثل مواجهة الهجرة الجماعية (حيث تعلن الوثيقة بأن عصر الهجرة الجماعية لأميركا انتهى)، وتجارة المخدرات والهوية الثقافية الأميركية المهددة وأمن الحدود وحماية الطبقة الوسطى العاملة الأميركية، فمن الواضح أنّ هذه القضايا الداخلية هي التي تتصدر اهتمامات إدارة ترامب والبنية المركزية لخطابها الأيديولوجي ولا تمثل فقط الأولوية الرئيسية بل تعيد من خلال هذا المنطور صوغ التصورات الأميركية للعلاقة مع الأقاليم الأخرى من العالم، مثل آسيا وأوربا والشرق الاوسط وأفريقيا..
تخلو الوثيقة بصورة كاملة ومطلقة من أي حديث عن الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والرسالة الأميركية في العالم، بل هنالك إعادة لتعريف مفهوم القوة الناعمة الأميركية بصورة مختلفة عما ساد سابقاً من قبل المنظّرين الأميركيين أنفسهم؛ بجعل هذا المفهوم مرتبطاً بالمصالح الوطنية الأميركية المرتبطة بما تصفه الوثيقة «عظمة بلدنا وكرامته الأصيلة»، والتركيز على الصحة الروحية والثقافية للأميركيين والاعتزاز بالماضي وأبطاله..
أمّا الصين التي شكّلت في وثائق الأمن القومي الأميركية الأخيرة التحدي الأكبر والعدو الرئيس، فإنّها ستبقى على رادار الاهتمام الأميركي، لكن هذه المرة ليس بوصفها دولة شمولية وقمعية، بل منافس اقتصادي جدي وخطير يهدد المصالح الاستراتيجية والوطنية للمواطنين الأميركيين، وهنا يعود مبدأ «أميركا أولاً» ليتغلغل في الرؤية الجديدة نحو الصين، إذ إنّ الهدف الرئيس للسياسة الخارجية الأميركية حماية الطبقة الوسطى الأميركية، التي تمثل مصدر الكفاءة والفعالية وتشكل في هذا المنظور الأيديولوجي والفكري لتيار ترامب وأميركا أولاً القاعدة الاجتماعية الصلبة التي من المفترض أن تحميها المصالح الأميركية بعيداً عن المثاليات المفرطة التي حمت السياسة الأميركية سابقاً، ووجهت لها الوثيقة انتقاداً حاداً، والتي تقوم على مبادئ العولمة والحريات الاقتصادية والتجارة العالمية الحرة، وهي التي أدت إلى الإضرار بهذه الطبقة الرئيسية والمهمة في المجتمع الأميركي.
يمكن بسهولة أن نجد تأثيراً ضخماً عميقاً لأفكار صموئيل هانتنجتون على الأفكار الحاكمة للوثيقة، بخاصة كتابه الشهير «من نحن؟ مناظرة أميركية كبرى»؛ الذي يتناول فيه هذه القاعدة الاجتماعية الرئيسية التي تمثّل بالنسبة له – وعلى ما يبدو لجماعة أميركا أولاً- الهوية الأميركية ذات الطابع الأنجلوساكسوني، الأبيض البروتستانتي، وهي الطبقة نفسها التي تمثل القوى العاملة في الشركات الصناعية والتكنولوجية، وهي التي من المفترض أن تحميها السياسات الأميركية، بمعنى أنّ المصالح الاستراتيجية الأميركية هي مصالح هذه الطبقة التي تمثل الهوية والتاريخ والعظمة، قبل موجات الهجرة الجماعية التي أضرت بالمجتمع الأميركي وأصبحت تهدد هويته الثقافية، استناداً إلى هذه النظرية المهيمنة اليوم في الأوساط اليمينية والمحافظة الأميركية.
ماذا عن الشرق الأوسط؟.. يمكن القول إنّه لا جديد، وإن كانت لغة الصراحة والوضوح في الوثيقة بادية للعيان، فالمنطقة لم تعد بالأهمية نفسها التي شكلتها خلال العقود السابقة، نتيجة تحول أميركا إلى منتج ومصدّر للطاقة، مع ذلك تبقى هنالك مصالح حيوية أميركية مرتبطة بسلاسل التوريد وأمن المضائق والملاحة البحرية ومنع قوة معاية من الهيمنة على المنطقة وضمان استقرارها وأمن إسرائيل بوصفها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية يجب أن يبقى محتفظاً دوماً بالتفوق التكنولوجي..
الوثيقة تكشف أيضاً النظرة الفوقية الترامبية تجاه أوربا، التي تبدو وكأنّها قارة عجوز مهددة بهويتها الثقافية بسبب الهجرات والتساهل مع المهاجرين، وبالرغم من التأكيد على التحالف لكن من الواضح أنّ هنالك إعادة تعريف للأدوار والمهمات والعبء المالي المطلوب في هذا التحالف..
الوثيقة على درجة عالية من الأهمية توضح لنا كيف من المفترض أن نقرأ التوجهات الأميركية في العالم القادم، وانعكاساتها على السياسات العالمية والإقليمية، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي من الواضح أنّ هنالك قدراً من الغموض وعدم اليقين فيما يتعلق بالمرحلة القادمة وصراعاتها، مع تغييب الوثيقة لأي جهود أميركية جوهرية تجاه ما يسمى السلام الإقليمي!
أبرز ما يمكن ملاحظته أنّ الوثيقة تعلن التزامها بمبادئ «أميركا أولاً» وبالعودة إلى مبدأ مورنو في العام 1823 (الذي يعطي الأولوية لنصف الكرة الغربي من العالم- الأمريكيتين) ضمن نطاق المصالح الحيوية الأميركية وكامتداد للأمن القومي الأميركي، وتعكس العودة الصريحة لهذا المبدأ اليوم أولوية قضايا مثل مواجهة الهجرة الجماعية (حيث تعلن الوثيقة بأن عصر الهجرة الجماعية لأميركا انتهى)، وتجارة المخدرات والهوية الثقافية الأميركية المهددة وأمن الحدود وحماية الطبقة الوسطى العاملة الأميركية، فمن الواضح أنّ هذه القضايا الداخلية هي التي تتصدر اهتمامات إدارة ترامب والبنية المركزية لخطابها الأيديولوجي ولا تمثل فقط الأولوية الرئيسية بل تعيد من خلال هذا المنطور صوغ التصورات الأميركية للعلاقة مع الأقاليم الأخرى من العالم، مثل آسيا وأوربا والشرق الاوسط وأفريقيا..
تخلو الوثيقة بصورة كاملة ومطلقة من أي حديث عن الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والرسالة الأميركية في العالم، بل هنالك إعادة لتعريف مفهوم القوة الناعمة الأميركية بصورة مختلفة عما ساد سابقاً من قبل المنظّرين الأميركيين أنفسهم؛ بجعل هذا المفهوم مرتبطاً بالمصالح الوطنية الأميركية المرتبطة بما تصفه الوثيقة «عظمة بلدنا وكرامته الأصيلة»، والتركيز على الصحة الروحية والثقافية للأميركيين والاعتزاز بالماضي وأبطاله..
أمّا الصين التي شكّلت في وثائق الأمن القومي الأميركية الأخيرة التحدي الأكبر والعدو الرئيس، فإنّها ستبقى على رادار الاهتمام الأميركي، لكن هذه المرة ليس بوصفها دولة شمولية وقمعية، بل منافس اقتصادي جدي وخطير يهدد المصالح الاستراتيجية والوطنية للمواطنين الأميركيين، وهنا يعود مبدأ «أميركا أولاً» ليتغلغل في الرؤية الجديدة نحو الصين، إذ إنّ الهدف الرئيس للسياسة الخارجية الأميركية حماية الطبقة الوسطى الأميركية، التي تمثل مصدر الكفاءة والفعالية وتشكل في هذا المنظور الأيديولوجي والفكري لتيار ترامب وأميركا أولاً القاعدة الاجتماعية الصلبة التي من المفترض أن تحميها المصالح الأميركية بعيداً عن المثاليات المفرطة التي حمت السياسة الأميركية سابقاً، ووجهت لها الوثيقة انتقاداً حاداً، والتي تقوم على مبادئ العولمة والحريات الاقتصادية والتجارة العالمية الحرة، وهي التي أدت إلى الإضرار بهذه الطبقة الرئيسية والمهمة في المجتمع الأميركي.
يمكن بسهولة أن نجد تأثيراً ضخماً عميقاً لأفكار صموئيل هانتنجتون على الأفكار الحاكمة للوثيقة، بخاصة كتابه الشهير «من نحن؟ مناظرة أميركية كبرى»؛ الذي يتناول فيه هذه القاعدة الاجتماعية الرئيسية التي تمثّل بالنسبة له – وعلى ما يبدو لجماعة أميركا أولاً- الهوية الأميركية ذات الطابع الأنجلوساكسوني، الأبيض البروتستانتي، وهي الطبقة نفسها التي تمثل القوى العاملة في الشركات الصناعية والتكنولوجية، وهي التي من المفترض أن تحميها السياسات الأميركية، بمعنى أنّ المصالح الاستراتيجية الأميركية هي مصالح هذه الطبقة التي تمثل الهوية والتاريخ والعظمة، قبل موجات الهجرة الجماعية التي أضرت بالمجتمع الأميركي وأصبحت تهدد هويته الثقافية، استناداً إلى هذه النظرية المهيمنة اليوم في الأوساط اليمينية والمحافظة الأميركية.
ماذا عن الشرق الأوسط؟.. يمكن القول إنّه لا جديد، وإن كانت لغة الصراحة والوضوح في الوثيقة بادية للعيان، فالمنطقة لم تعد بالأهمية نفسها التي شكلتها خلال العقود السابقة، نتيجة تحول أميركا إلى منتج ومصدّر للطاقة، مع ذلك تبقى هنالك مصالح حيوية أميركية مرتبطة بسلاسل التوريد وأمن المضائق والملاحة البحرية ومنع قوة معاية من الهيمنة على المنطقة وضمان استقرارها وأمن إسرائيل بوصفها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية يجب أن يبقى محتفظاً دوماً بالتفوق التكنولوجي..
الوثيقة تكشف أيضاً النظرة الفوقية الترامبية تجاه أوربا، التي تبدو وكأنّها قارة عجوز مهددة بهويتها الثقافية بسبب الهجرات والتساهل مع المهاجرين، وبالرغم من التأكيد على التحالف لكن من الواضح أنّ هنالك إعادة تعريف للأدوار والمهمات والعبء المالي المطلوب في هذا التحالف..
الوثيقة على درجة عالية من الأهمية توضح لنا كيف من المفترض أن نقرأ التوجهات الأميركية في العالم القادم، وانعكاساتها على السياسات العالمية والإقليمية، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي من الواضح أنّ هنالك قدراً من الغموض وعدم اليقين فيما يتعلق بالمرحلة القادمة وصراعاتها، مع تغييب الوثيقة لأي جهود أميركية جوهرية تجاه ما يسمى السلام الإقليمي!
نيسان ـ نشر في 2025/12/08 الساعة 00:00