الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (37) حين تُحاكَم الذاكرة… ويُستدعى التاريخ للشهادة

د. وليد العريض
نيسان ـ نشر في 2025/12/13 الساعة 00:00
...
في هذه الحلقة لا تخوض الغابة حربًا على الأرض
بل مواجهةً على المعنى؛
حيث تتحوّل الذاكرة إلى متّهم،
ويُستدعى التاريخ لا ليُروى… بل ليُحاكَم.
الشرخ الأول
لم يكن العثور على الكتاب الممنوع تفصيلًا هامشيًا،
بل صدعًا صغيرًا في جدار الصمت.
بدأ الهمس عند الحواف،
ثم زحف نحو قلب القصور،
كأن الحقيقة لا تدخل إلّا
من مواضع التصدّع.
استيقظت الثعالب على خبرٍ ثقيل:
نسخٌ ناقصة من تاريخ الغابة الحقيقي
تتنقّل خفية بين الحيوانات.
لم تكن كثيرة
لكنها كانت كافية
لإرباك خرائط السيطرة.
إعلان الطوارئ الفكرية
قال كبير الثعالب وهو يدير ذيله بضيق:
هذا ليس كتابًا…
هذا تمرّدٌ على النظام المعرفي.
وفي الحال
أُعلنت حالة طوارئ فكرية
ونُصبت في الساحة محكمة عاجلة
حملت اسمًا منمّقًا:
محكمة حماية الذاكرة الوطنية.
هيئة المحكمة
جلس الثعلب القاضي في الصدارة،
إلى جواره قردٌ خبير بصناعة الرأي العام،
وخلفهما حمارٌ شاهدٌ دائم،
يحضر بلا سؤال،
ويشهد بلا فهم.
لائحة الاتهام
نودي على المتّهمين تباعًا:
البومة:
بتهمة نشر الشكّ في الرواية الرسمية.
الغراب:
بتهمة حمل رماد الماضي دون تصريح.
السلحفاة العجوز:
بتهمة امتلاك ذاكرة أطول من المسموح.

كانت التهم جاهزة،
قبل أن تبدأ الجلسة.
محاكمة بلا نص:
لم يُعرض الكتاب.
لم تُقرأ صفحة.
قال القاضي بثقة:
لسنا بحاجة إلى قراءة ما كُتب،
يكفينا أنه كُتب خارج الإذن.
اعترضت البومة بهدوءٍ جارح:
وكيف تُدان ذاكرة
لم تُسمَع؟
ابتسم القرد وقال للجمهور:
الحقيقة قرار،
وما نقرّره اليوم
يصبح تاريخ الغد.
صفّقت الحمير بإخلاص.
بعضها شعر بثقلٍ غامض
لكن التصفيق كان أسهل
من التفكير.
شهادة لم تُدرج
من الصفوف الخلفية
تقدّم ظلٌّ غير متوقّع:
الشجرة المقطوعة.
لم تكن خشبًا
بل ذاكرة واقفة.
قالت بصوتٍ لا يسمعه
إلّا من خسر جذوره:
تحت ظلالي عُقدت العهود،
وعلى جذعي حُفرت الأسماء
قطعتموني
لأن الذاكرة لا تنحني.
ارتبك القاضي
تلعثم القرد
وسقط الحمار عن كرسيه
فالحقيقة
أثقل من مقاعد الزيف.
حكم بلا قرار:
لم يصدر الحكم.
أُجّل بحجّة
مزيد من الدراسة.
لكن الغابة فهمت الرسالة:
حين تتردّد السلطة
تكون الذاكرة قد بدأت تتقدّم.
إشارة أخيرة
في تلك الليلة
استدار القمر قليلًا.
لم يكتمل
لكنّه لم يعد مشوَّهًا.
قالت السلحفاة العجوز:
التاريخ لا يطلب الإذن
ليعود.
أمّا الغراب
فطار وهو يقول:
الحلقة القادمة…
حين ينقسم القطيع
بين ذاكرةٍ تخاف،
وذاكرةٍ تقاتل.
وكان الظلام،
هذه المرّة،
يتراجع…
خطوتين.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/13 الساعة 00:00