“حماس” في ذكرى تأسيسها .. فكرة لا تموت

علي سعادة
نيسان ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 00:00
حكاية بدأت رسميا مع “انتفاضة الحجارة” السلاح السري الذي اكتشفه الفلسطينيون في انتفاضتهم الأولى، لكنها سبقت ذلك بكثير مع اشتعال شرارة ثورة فلسطين الكبرى التي للمصادفة شهدت تطريز المجاهد عز الدين القسام اسمه في فضاء البطولة.
فقبل 38 عاما وزعت حركة المقاومة الإسلامية) حماس( بيانها التأسيسي رغم أن جذورها تعود إلى الأربعينات من القرن الماضي، فهي امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وقبل الإعلان عن الحركة استخدم الإخوان المسلمون أسماء أخرى للتعبير عن مواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية منها “المرابطون على أرض الإسراء” و”حركة الكفاح الإسلامي” وغيرها.
نشأت “حماس” نتيجة تفاعل عوامل عدة عايشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948، ومع تعرض برنامج الثورة الفلسطينية في الثمانينات إلى سلسلة انتكاسات داخلية وخارجية عملت على إضعافه وخلخلة رؤيته.
وكان حصار بيروت إهانة كبرى للأمة العربية رغم الصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية، إذ تم حصار عاصمة عربية لمدة ثلاثة أشهر دون أي رد فعل عربي حقيقي، وقد نتج عن ذلك إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها من لبنان، وتراجع إستراتيجية الكفاح المسلح داخل المنظمة .
ومع نهايات عام 1987 كانت الظروف قد نضجت بما فيه الكفاية لبروز مشروع جديد يواجه المشروع الصهيوني وامتداداته، ويقوم على أسس جديدة تتناسب مع التحولات الداخلية والخارجية، فكانت “حماس” التعبير العملي عن تفاعل هذه العوامل.
وأسهمت المواجهات الطلابية مع سلطات الاحتلال في جامعات النجاح وبيرزيت في الضفة الغربية والجامعة الإسلامية في غزة، في إنضاج الظروف اللازمة لانخراط الجماهير، وكان الحادث الذي نفذه سائق شاحنة إسرائيلي في 1987، ضد سيارة كان يستقلها عمال عرب وأدى إلى استشهاد أربعة من مخيم جباليا بغزة، إعلانا بدخول مرحلة جديدة من تاريخ فلسطين الحديث، حيث اجتمع 7 معظمهم من الدعاة العاملين في الساحة الفلسطينية، وهم: أحمد ياسين، وإبراهيم اليازوري، ومحمد شمعة (ممثلو مدينة غزة)، وعبد الفتاح دخان (ممثل المنطقة الوسطى)، وعبد العزيز الرنتيسي (ممثل خان يونس)، وعيسى النشار (ممثل مدينة رفح)، وصلاح شحادة (ممثل منطقة الشمال)، وكان هذا الاجتماع إيذانا بانطلاق “حماس” وبداية الشرارة الأولى للعمل الجماهيري الإسلامي ضد الاحتلال.
وصدر البيان الأول عن “حماس” في 15 كانون الأول/ديسمبر1987 أبان الانتفاضة الأولى (1987-1994) لبدء مرحلة مهمة في نضال الشعب الفلسطيني، وهي مرحلة يمثل التيار الإسلامي فيها رأس الحربة في المقاومة.
وأعلنت “حماس” عدم اعترافها بأي حق لليهود في فلسطين، لكنها لا تمانع في القبول مؤقتا وعلى سبيل الهدنة بحدود 1967، ولكن دون الاعتراف لليهود الوافدين بأي حق لهم في فلسطين التاريخية.
وتعتبر صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي “صراع وجود وليس صراع حدود”. وتنظر إلى دولة الاحتلال على أنها جزء من مشروع استعماري غربي صهيوني يهدف إلى تمزيق العالم الإسلامي وتهجير الفلسطينيين من ديارهم وتمزيق وحدة العالم العربي. وتعتقد بأن الجهاد بأشكاله المختلفة هو السبيل لتحرير فلسطين، وتردد بأن مفاوضات السلام مع الإسرائيليين مضيعة للوقت ووسيلة للتفريط في الحقوق.
بدأت ” حماس” بالعمل العسكري قبل الإعلان الرسمي عن انطلاقتها، فقد أسس الشيخ صلاح شحادة أول جهاز عسكري للحركة والذي كان يعرف حينها باسم “المجاهدون الفلسطينيون” عام 1984، وغيرت “حماس” اسم جهازها العسكري في عام 1991، إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو عالم ومجاهد سوري ولد في جبلة بمحافظة ‏اللاذقية واستشهد في أحراش يعبد بجنين عام 1935.
وساهمت الحركة في تعزيز قوتها وعملها العسكري من خلال تنفيذ عمليات استشهادية نوعية بقيادة المهندس الشهيد يحيى عياش في تسعينيات القرن الماضي، ومع بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000، طورت “حماس” ذراعها العسكري فحولته من مجموعات صغيرة إلى جيش حقيقي، وبدا تطور صاروخ القسام، حيث أطلق أول صاروخ محلي الصنع “قسام1” في عام 2001، وتلا ذلك تطور بشكل ملحوظ في الصناعات العسكرية حتى صناعة أول طائرة استطلاع حربية عربية “أبابيل”.
واستطاع الجهاز العسكري صناعة صواريخ ذات قدرة تفجيرية عالية، استخدمتها إبان معركة الفرقان (الرصاص المصبوب) عام 2008، وفي معركة حجارة السجيل (عامود السحاب) في عام 2012، وفي معركة العصف المأكول (الجرف الصامد) 2014، و ومعركة سيف القدس (حارس الأسوار) 2021، واستخدمت في معركة طوفان الأقصى (السيوف الحديدية) في أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي لا تزال تدور رحاها حتى اليوم.
وللتغلب على سلاح الجو الإسرائيلي ابتكرت تحصينا دفاعيا وهجوميا وهي الأنفاق القتالية والدفاعية، وبدأت “حماس” حفر الأنفاق مطلع عام 2003 ووسعت عملها لاحقا لتبني أكبر حصن دفاعي وهجومي تحت الأرض على مساحة عشرات الكيلومترات.
وقدمت حماس العشرات من قادتها العسكريين وأبنائهم شهداء منذ بداية انطلاقتها ولازال العشرات من أبرز قادتها يقودون الجناح العسكري للحركة بوصفهم مشاريع شهداء.
سياسيا، قررت “حماس” المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، بقائمة “كتلة التغيير والإصلاح”، وتمخضت الانتخابات عن فوز كبير للحركة في المجلس التشريعي بواقع 76 مقعدا من أصل 132 مقعدا، مما أعطاها أغلبية في المجلس، وشكلت حكومة برئاسة إسماعيل هنية.
واندلعت بينها وبين حركة فتح صراعات دموية انتهت بحسم قطاع غزة لحكم “حماس”، الأمر الذي دفع الرئيس محمود عباس إلى الإعلان عن حل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد اتفاق مكة، وتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة طوارئ، وإقالة هنية.
وفرض الاحتلال والعرب حصارا على غزة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
وضعت الولايات المتحدة الأميركية “حماس” على قائمتها للإرهاب معتبرة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي عملا “أرهابيا”.
لقد تجاوزن “حماس” بمقاومتها وصمودها وعملياتها التي تنفذها من المسافة صفر في علية “طوفان الأقصى” إعجاب الملايين في العالم الذين يرون فيها فكرة تتجاوز التنظيم العسكري والقيادي. وبأنها فكرة تتصاعد لتصبح أملا ورمزا عالميا في التحرر، وأصبحت عنوانا للصمود والبطولة وملاذا ليس للعرب فقط وإنما للعالم، فهي تدير معركتها العسكرية والإعلامية بنجاح كبير.
لقد أجمع قادة إسرائيليون وسياسيون عرب وحتى قيادات في “حماس” على أنها فكرة وليست تنظيما، والأفكار لا تموت ولا يمكن اغتيالها وهزيمتها، لأنها ستكبر مع كل طفل فلسطيني يرى هذه الحرب الوحشية فيقف بثبات فوق بيته الذي تحول إلى ركام رافعا راية النصر.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/16 الساعة 00:00