سمن لبن خاروف بلدي

ميسر السردية
نيسان ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 00:00
لم يمضِ وقت حتى تبيّن لنا أن في القصة قصة أخرى، وأنها ليست اهمالا أو عدم انتباه لإرشادات الدفاع المدني المكررة شتاء كل سنة، فدخلنا الخطبة الأولى من أضيق أبوابها، وغرقنا في فوضى رسائل واتصالات مع أهالينا وأصدقائنا لنخبرهم عن بيان الأمن العام المحذّر من استخدام "الصوبة الملعونة"، مع معرفتنا أن أحدًا منهم لم يشترِ مدفأة هذا العام. وكما قال نزار قباني رحمه الله لحبيبته: "لن نشتري هذا العيد شجرة، ستكونين أنتِ الشجرة..."، كذلك وبكل رضى خاطر "سنكون نحن الصوبة" بلا قافية.
ولأننا "عوام" أيضًا وعلى باب الكريم، لم نتفلسف ولم نبحث عن الأسباب، وحتى عندما نعرف – وعليها يمين الله – لن نطالب بمحاسبة الغول والمسؤول، واتهام الفاعل وتبرئة المفعول. فنحن ببساطة رمينا "عصَانا"، ورفعنا أيدينا، وسلمنا أمرنا لصاحب الأمر، ولن يجرؤ مشاغب منفلت من بين صفوفنا على حتى الهمس بعبارة الرفيق ماركس رحمه الله: "إن الحكومة في يد الطبقة المهيمنة". كل ما نقدر عليه هو نشر البيان لأخذ الحيطة والحيطان.
الخبطة الثانية، وهذه إيجابية بطبيعة حالها ومآلها، بل نعدّها ليلة من ليالي العرب، ليلة مباراة منتخبنا البطل مع منتخب السعودية. حيث بدأت الجارات بالتوافد إلى بيتنا كمركز وطني قبيل المباراة بنصف ساعة، والشهادة لله جاءت كل واحدة منهن حاملة ما تيسّر من تسالي وزواكي، شاي قرفة على صينية حلبة، بحيث لا تمر دقيقة من المنازلة الكروية دون أن تظل أحنَاكُنا مشغولة "درم وفرم وبرم" أثناء المتابعة، وزجر مجاميع "الدَّقدق" التي تمر بيننا فتحجب عنا الشاشة كل لحظة. "الدَّقدق" مفردة أردنية قديمة يمكن إدراجها ضمن "سردية المليون سنة"، حيث تشير تحديدًا لكثرة العيال في مكان واحد، والذين لم تتجاوز أطوال قاماتهم حد منطقة الركبة بعد.
الحمد لله أولًا، ولأصحاب الفضل والجهد ثانيًا، لقد فزنا وقفزنا وزغردنا وهتفنا وسجدنا، وخرجنا إلى الشارع نتفرج على مواكب الفرح، ونالنا من الكنافة نصيبًا، ثم عدنا وانصرفنا إلى غرف نومنا راشدين مؤدبين باسمين.
الخبطة الثالثة جاءت كالصاعقة في الصباح التالي للفوز، وهذه ذات "بُقّين" إذا شئت. أول "بُقّ": كما قرأت لنا أم عبدالمهيمن أن الزلمة أبو "الصوبة" يهدد وسوف "يشتكي على كل من يجيب سيرة صوبته على لسانه بالعاطل".
لله الحمد من قبل ومن بعد، فكل نشاطاتنا كانت ضمن دائرة مغلقة، لم نكتب أو نستهجن أو نستغرب، بل حتى لم نترحم على شهداء الاختناق... وعليه لم تنخرط "خلية" عمارتنا لا بالحكي، لا سرًا ولا علنًا، سواء عن الترخيص أو التخبيص، ولا المواصفات والمقاييس، ولا حتى أمممم... طوط... يخزيك يا إبليس.
قالت نجوى: "برضو... لا تكونن علّقتن أو تحمّستن وحطيتن لايك أعجبني أو أضحكني على منشور حدا... تفقدن صفحاتكن... أحيانًا الإصبع بحط اللايك وأنت بتقرأ التعليقات بدون ما تنتبه... اشطبن... وهون حفرنا وهونا طمرنا يا حبايب". كركرت أم عبدالمهيمن: "كمليها... وهون دقرنا".
الشق الثاني جاءت به أم محمد، التي يكاد لا يقع التلفون من يدها، قالت: "لا لا، مش ممكن... ولو... معقول..." سألنا – كسعلة رجل يكاد يختنق – "ما الأمر؟" فردّت رافعة الحاجبين: "أشي بحط العقل بالكف... قال في زلمة كاتب أنه كان يتمنى فريق السعودية يفوز على فريقنا... تخيلوا".
"جد ولا بتمزحي؟!"
"والله جد... هي الفيس مطبول طبل بيحكي عنه".
وتأكدنا أن الخبر من هم و سم، وأن "هذاك" ساق عدة مبررات لأمنيته، من بينها هواه السعودي. بالطبع كل إنسان حُر بهواه، يُذرّيه حيثما يشاء، إلا الوطن يستحيل أن يخضع لهبات الهوى أو روائح الغاز والكاز، حتى وإن كان الموت فيه خنقًا أو شنقًا. تنهدت أم جميل: "فعلاً هذا أمره عجيب". قلت لها كي نرفع الجلسة ونكفّي الفناجين ونقرأ سوء طالعنا: "مرة قرأت يا أم جميل أن رئيس وزراء رافق الملك طلال رحمه الله في زيارة 'صدّ ردّ' إلى دولة خليجية، وقد ذهب ذاك الرئيس مرتديًا بدلة رسمية وربطة عنق، إلا أنه عاد آنذاك مرتديًا 'دشداشة' وغترة وعقال، حتى" أشكل شكله" جراء تغير هواه السريع على المستقبلين للوفد عند سلم الطائرة".
ناولتني الفنجان: "خذي 'أضمري... بعدين أبصمي تنشوف'".
    نيسان ـ نشر في 2025/12/17 الساعة 00:00