حين يصبح الناس أداة لمعالجة البيانات فقط !

حسين بني هاني
نيسان ـ نشر في 2025/12/18 الساعة 00:00
ربما يحدث ذلك قريباً، أو ربما حدث فعلا ً، في ظل تسارع الثورة الرقمية التي تجتاح العالم، خاصة عندما أصبح كلّ فردٍ منّا مجرّد رقم بل شريحة في نظر صنّاع نظام البيانات العالمي، أولئك الذين بدأوا يُحَوْسبون كلّ شيء، في إطار تحليلهم للروابط الإنسانية والصناعية والاقتصاديّة وحتى العسكرية ، التي تجمع وتفرّق البشر اليوم، خاصة بعد أن باتت هذه المسألة تسير وفقّ معطيات حرية إنسياب وتدفق المعلومات في كلّ المجالات التي توفرها روابط البيانات المتاحة، التي غزت كل مفاصل الحياة والعمل، وغدت القيمة العليا التي لا غنى عنها، إذا ما أريد إذكاء التفاعل بين الأفراد والشركات والدول ، خاصة بعد أن أصبح الإنسان وفقها مجرًد خوارزمية بسيطة في منظومة بيانات هائلة تجمع الكون كله فيما أصبح يعرف اليوم بشبكة الحياة العظيمة، التي أخذت توفرها خدمات العالم الافتراضي (الإنترنت ) باعتبارها الخير الأسمى ، بنظر الكثير من الناس ، والذي جعل العالم قريةً صغيرة ، وغدا الفرد فيها شريحة صغيرة ، داخل نظام معلومات عملاق ، يستوعب عددا مذهلاً لا يحصى من البيانات ، بشكل تعذّر معه فهم الكيفية التي يعمل بها البشر ، وحتى الاقتصاد العالمي ، وغدت البيانات معها بمثابة عقيدة إنسانية ، يحتاجها الجميع ، إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءاً من الحياة العامة ، التي لم يعد الإنسان فيها أكثر من رقم صغير ، يتم تداوله شخصيا بحرية تامة ، إذا وافق على الانضمام إلى الشبكة العنكبوتية .
لَكُم أن تتخيلوا أيها القرّاء الأعزاء، كيف يتم تحويل تجاربنا وتفاصيل حياتنا، وحتى زلاّتنا إلى بيانات، يرصدها جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرهم الكثير، تلك التي بات يمكنها التعرّف، على ذواتنا ومجمل أنماط تفاعل حياتنا، بشكل يتعذّر على العقل البشري، مهما سما فيه الذكاء أن يتمكن من الإحاطة بها، أو حتى تفسير مفاعيلها بين الناس .
تُرى هل يدفعنا هذا العلم الواسع في المستقبل نحن البشر إلى فهم الحياة على انها مجرد معادلة تقنية لمعالجة البيانات، التي تفضي بالضرورة أيضا إلى صناعة القرارات وفق تفاصيلها ؟ ربما ! ولكن إن صحّ ذلك حسب العلم ، فإن البيانات (عزيزي القارئ) ربما هي التي سوف تقود البشر ، وربما هي التي ستتمكن من السيطرة علينا وعلى العالم ايضا ، وربما هي باختصار ، التي ستجعل الناس وحياتهم ، غابة من الاحتمالات ، التي يصعب التكهن بمآلاتها ، أو شكل ومصير هياكلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
تغيّر العالم بفضل العقل، بسرعة فائقة ، ونحن البشر تغيّرنا معه ايضا ، ولكن الملفت فيه ، أن الآلة التي صنعها ذات العقل، بدأت تتفوّق عليه بصورة كبيرة ، لا تخلو تفاصيلها من المتاعب ، بعد أن وجد الذكاء الاصطناعي ، مكاناً واسعاً له ومساحة تقنية، سوف يكون لها أثر كبير ، على حياة البشر في مستقبل الأجيال .
    نيسان ـ نشر في 2025/12/18 الساعة 00:00