دونالد ترامب يشن حرباً صريحة على أوروبا

نيسان ـ نشر في 2025/12/19 الساعة 00:00
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة تنظر بغرابة إلى الأوروبيين على أنهم الأعداء الأيديولوجيون الوحيدون
«سندفع أي ثمن، ونتحمل أي عبء، ونواجه أي مشقة، وندعم أي صديق، ونعارض أي عدو لضمان بقاء الحرية ونجاحها».
هكذا أعلن الرئيس جون إف كينيدي أهداف إدارته في خطابه الافتتاحي في 20 يناير1961.
كان ذلك في ذروة الحرب الباردة. لذلك، بالنسبة لسكان أوروبا المنقسمة، كان الخطاب بمثابة صدمة.
وبالنظر إلى الماضي، فقد قاد هذا الطموح الجامح إلى المبالغة في حرب فيتنام، لكنه كان أيضاً مؤشراً على فكرة نبيلة - فكرة قوة عظمى ذات هدف أخلاقي.
ورغم كل الإخفاقات، استمر الناس في الإيمان بالهدف، على عكس النازيين والشيوعيين، آمنت الولايات المتحدة بالحرية والديمقراطية.
لم يكن هذا الالتزام أكثر أهمية لأي شعب منه للأوروبيين، ففي نهاية المطاف، أدى ذلك إلى انهيار الإمبراطورية السوفييتية، وتحرير وسط وشرق أوروبا، وبداية عهد جديد من الوحدة والسلام والازدهار.
وكما هي الحال غالباً في التاريخ، خابت الآمال مع صعود القوى المعادية للأجانب والديمقراطية داخل أوروبا، وعودة روسيا الانتقامية، والعداء الشديد الذي أبدته الإدارة الثانية لدونالد ترامب تجاه الأفكار الجوهرية لأوروبا المعاصرة.
يبدو ذلك جلياً في استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية التي تتصف بالعديد من السمات الغريبة، لكن أغربها، وأكثرها إثارة للقلق بالنسبة للأوروبيين، هو أنهم ينظر إليهم الآن وحدهم على أنهم الأعداء الأيديولوجيون الوحيدون للولايات المتحدة.
كما تصور الوثيقة المصالح على أنها مادية بحتة وليست أيديولوجية. ولم تعد التهديدات للديمقراطية والحرية تأتي إلا من الخصوم داخل الولايات المتحدة وحلفائها المقربين.
وبالتالي، تؤكد الاستراتيجية على أنه «لا يجوز أبداً إساءة استخدام سلطات الحكومة الأمريكية تحت ستار «حماية ديمقراطيتنا».
أسفل ذلك مباشرة (وليس من قبيل المصادفة)، تؤكد الاستراتيجية: «سنعارض القيود التي تفرضها النخب، والتي تعد مناهضة للديمقراطية، على الحريات الأساسية في أوروبا، والدول الناطقة بالإنجليزية، وبقية العالم الديمقراطي، ولا سيما بين حلفائنا».
وتضيف: «ينبغي للدبلوماسية الأمريكية أن تواصل الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية، وحرية التعبير، والاحتفاء الصريح بالهوية والتاريخ المميزين للدول الأوروبية.
وتشجع أمريكا حلفاءها السياسيين في أوروبا على تعزيز هذا الإحياء الروحي». لذلك «يعد النفوذ المتزايد للأحزاب الوطنية الأوروبية سبباً للتفاؤل الكبير».
الدلالة واضحة: الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في أوروبا هو مساعدة «الوطنيين» اليمينيين على الوصول إلى السلطة في جميع أنحاء القارة.
بل وتصر على أن محاولات مقاومة هذه الأحزاب هي في حد ذاتها مناهضة للديمقراطية.
لكن لا بد من التذكير بأنه، على عكس الولايات المتحدة (حتى الآن)، لا يزال الأوروبيون يتذكرون بمرارة كبيرة عواقب منح المتطرفين اليمينيين الحق في السعي إلى السلطة بطريقة ديمقراطية.
ولم ينسوا كيف وصل هتلر إلى السلطة. وللأسف الشديد، يبدو هذا التحالف بين الولايات المتحدة واليمين المتطرف في أوروبا متعمداً تماماً.
كذلك، تؤكد الوثيقة الرغبة في حماية أوروبا من «احتمال محو الحضارة» على يد مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والهجرة الجماعية، وفرض الرقابة على «حرية التعبير»، وقمع المعارضة السياسية.
وتشدد على المغزى بوضوح: «يجب أن يكون هدفنا مساعدة أوروبا على تصحيح مسارها الحالي».
لكن كيف تنوي الولايات المتحدة «تصحيح» هذا المسار؟ من الواضح أنها تنوي مساعدة السلطويين اليمينيين، والفاشيين الجدد، ومؤيدي بوتين على الوصول إلى السلطة.
أرى بعد ذلك أن معظم ما تبقى من هذه الوثيقة كلام فارغ أو مثير للسخرية. ولا أرى، على سبيل المثال، أي استراتيجية متماسكة للتعامل مع الصين.
كما أن الوثيقة تتضمن اعتقاداً راسخاً بأن الدول ستستمر في الثقة بالولايات المتحدة مهما كان سلوكها غير عادل وغير منطقي وغير متوقع، لا سيما فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية وغيرها من وسائل انتزاع التنازلات.
وتوحي بأن الولايات المتحدة قادرة على إخضاع أمريكا الجنوبية، على الرغم من النفوذ الصيني المتزايد.
وهناك اقتناع بأن التفوق التكنولوجي الأمريكي سيصمد رغم الحرب على العلم والعداء العنصري للمهاجرين. كذلك، ثمة تصريح واحد بالغ الأهمية، ألا وهو:
«نرفض أيديولوجيات «تغير المناخ» و«الصفر الكربوني» الكارثية التي ألحقت ضرراً بالغاً بأوروبا، وتهدد الولايات المتحدة، وتدعم خصومنا». إذن، هذه هي الطريقة المثلى لتسليم المستقبل للصين.
رغم كل شيء، تكتسب هذه الاستراتيجية الجديدة أهمية بالغة بالنسبة للأوروبيين فهي تظهر أنهم يقفون وحدهم في الدفاع عن أوكرانيا.
والأسوأ من ذلك، أنها تظهر رغبة الولايات المتحدة في تفكيك الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، ووضع السلطة في أيدي حلفاء ترامب وبوتين.
وأكيد أنه من الصعب للغاية على الأوروبيين - الذين يعانون من العجز المكتسب، والمتشرذمين الذين لا تزال ذكريات الحربين العالميتين تثقل كاهلهم - أن ينهضوا من جديد، لكن لا خيار أمامهم لأن البديل هو الانهيار.
وينطبق جزء كبير من هذا أيضاً على المملكة المتحدة، التي قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي في وقت تبين أنه كارثي.
إذن، ما العمل؟ يجب أن يكون الهدف المباشر هو دعم أوكرانيا، بكل الوسائل اللازمة وبأي طريقة ممكنة، لتحقيق سلام عادل ومستقر.
كما يجب على أوروبا أن تنشئ آلية فعالة لمواجهة التهديدات الروسية. ويعد الاقتراح الممتاز الذي قدمه الخبراء الاقتصاديون فيليب هيلدبراند وهيلين ري وموريتز شولاريك بشأن «إدارة وتمويل الدفاع الأوروبي» وثيق الصلة بالموضوع.
أخيراً، فإنني عندما أعدت قراءة كلمات كينيدي، تخيلت نسخة ساخرة منها على طريقة ترامب تقول:
«سنطالب بأي مبلغ، ونفرض أي عبء، ونلحق أي مشقة، ونعارض أي صديق، ونصادق أي عدو لضمان ثروتي وسلطتي، أنا وعائلتي وأصدقائي».
مع ذلك، حتى لو كان ترامب قد وصل إلى هذا الحد، فإن حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» ليست كذلك. كما أنه إذا أرادت أوروبا الليبرالية اليوم أن تبقى وتستمر، فلا بد لها من مواجهة هذه الأوهام الرجعية وهزيمتها.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/19 الساعة 00:00