الحسن ومراكز التفكير وضرورة التغيير

د. محمد أبو رمان
نيسان ـ نشر في 2025/12/22 الساعة 00:00
لطالما كان – ولا يزال- الشاغل الرئيس للأمير الحسن بن طلال هو الهاجس المعرفي والفكري المرتبط بأهمية المعرفية في صوغ السياسات العامة والتنموية وتصميمها، وقد حظي العلم باهتمامه الكبير والرئيس، منذ مراحل مبكرة من شبابه، وكان له الفضل في تأسيس العديد من المؤسسات العلمية الرائدة والمهمة التي قامت بدور كبير في التنمية الوطنية وربطها بالمعرفة والعلم، مثل الجمعية العلمية الملكية (1970) والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا ومؤسسة آل البيت ومنتدى الفكر العربي والمعهد الملكي للدراسات الدينية، والعديد من المؤسسات الأخرى، التي كانت سبّاقة عربياً وعلامة مسجّلة للسياسات الأردنية في مستوى الاهتمام المبكر بالعلم والمعرفة والفكر.
الفكرة التي تمثّل مصدر الاهتمام الأكبر في فكر الأمير تتمثّل بضرورة بناء السياسات والتوجهات السياسية على أساس المعرفة العلمية، وبأهمية التخطيط الاستراتيجي في مجالات التنمية الوطنية والتنمية المستدامة، وهو الأمر الذي ما يزال يشغل بال الأمير حتى اليوم، وكان هو الموضوع الرئيس الذي ناقشه مع نخبة من مدراء وخبراء في مراكز الأفكار والأبحاث الموجودة في الأردن، في الأسبوع الماضي في معهد السياسة والمجتمع.
الفكرة التي يدفع نحوها الحسن تكمن في شقين رئيسين، متكاملين ومهمين، الأول ضرورة أن تطوّر مراكز التفكير والأفكار في الأردن من إنتاجها وعملها المعرفي والفكري ليكون على مستوًى عالٍ من الجودة والقيمة المضافة، وهذا يرتبط ببناء القدرات المطلوبة من بينها تطوير نخب من الباحثين والخبراء والمتخصصين وربطهم بمراكز التفكير والأفكار، بما يخدم السياسات الوطنية بمجالات متنوعة ومتعددة، والثاني تطوير شبكة من مراكز التفكير تعمل بصورة متكاملة وتنسيقية ومتخصصة، بما يؤول في المحصلة إلى تطوير الدور الرئيس والمهم لمراكز الأفكار في السياسات المختلفة.
المشكلة أو الفجوة الرئيسية اليوم تتمثّل في أنّه بالرغم من الكم الكبير من خرّيجي الجامعات الأردنية ومن حملة الشهادات العليا في مختلف التخصصات في العلوم التطبيقية والإنسانية والاجتماعية إلاّ أنّ ذلك لم ينعكس على قيمة البحث العلمي وأهميته في هذه المجالات، بصورة عامة، بل هنالك تركيز أكبر على جانب الشهادة والمعرفة النظرية من المعرفة التطبيقية والعملية، وحتى مراكز الأفكار والدراسات، إلاّ من رحم ربي، في الجامعات لا يزال دورها محدوداً ومساهمتها قليلة أو ضعيفة في مجال تطوير وتعزيز السياسات الوطنية.
من المهم أن يكون هنالك تفكير استراتيجي مختلف بين الجامعات والمراكز العلمية ومراكز التفكير والدراسات والأبحاث وأصحاب المصلحة والقطاع الخاص في مجال تطوير القدرات المتعلقة بالبحث العلمي في الأردن والمعرفة ودورها في السياسات والصناعات والربط بين مراكز البحث والجامعات والابتكار والصناعات، فمثل هذه الحلقة بمثابة مفتاح رئيس للمستقبل، في وقت أصبحت فيه المعرفة العلمية هي الثروة الحقيقية التي تقوم عليها اقتصادات الدول والصناعات والسياسات وهي التي تميّز الأمم الغنية والمتطورة عن الأمم والمجتمعات الأخرى.
المطلوب اليوم في جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا بناء نقطة تحول حقيقية وجوهرية تتمثّل بربط المعرفة بالعائد العملي والواقعي منها، والمطلوب بناء جيل من الباحثين المتخصصين في مختلف المجالات القادر على توظيف المعرفة والبحث العلمي فيما يخدم المجتمع والدولة والسياسات الوطنية، وهو أمر يتطلب تطويراً في أهداف وفلسفة التعليم العالي في الأردن، فكم من رسائل ماجستير ودكتوراه وكم من أبحاث ترقية في مختلف المجالات العلمية لا تؤثر بأيّ شكل من الاشكال على السياسات الوطنية، وكأنّها معزولة تماماً عن الواقع المحيط!
عندما أسس الدكتور عدنان البخيت جامعة آل البيت في منتصف التسعينيات، بإشراف مباشر ورعاية من الأمير حسن ودعم كبير، كانت فعلاً نموذجاً فريد، ليس فقط أردنياً، بل عربياً وإسلامياً، وكانت سياسات الجامعة تقوم على تأطير الأولويات البحثية في الرسائل الجامعية وربطها بالمشكلات الواقعية، واليوم نجد هذا التوجه بدأ في الجامعة الأردنية، لكنه يحتاج إلى أن يتحول إلى سياسة وأن يتغلغل في فلسفة التدريس وتطوير المساقات الدراسية والتفكير في البحث العلمي بصورة موازية للجانب الأكاديمي أو المعرفي البحث في إعداد الطلاب، بخاصة الطلاب الذين يمكن أن يكون لهم اهتمام وقدرات فاعلة في مجال البحث العلمي.
هذا التحول المنشود مطلوب اليوم على مستوى وطني ومن الضروري الاهتمام به، وسيشكل نجاحه نقطة تحول حقيقية للمرحلة القادمة وفي تطوير التعليم العالي والبحث العلمي والسياسات الوطنية بصورة متكاملة.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/22 الساعة 00:00