ماذا وراء هلع الاحتلال من تعافي سوريا الجديدة؟

نيسان ـ نشر في 2025/12/23 الساعة 00:00
نشرت صحيفة “معاريف” العبرية مقالا للكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري حمل نبرة تحذيرية واضحة، دعا فيه كيان الاحتلال إلى “الاستفاقة السريعة” قبل فوات ما اعتبره فرصة الاستفادة من حالة الفوضى التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وجاء المقال بعد مرور عام على تولي أحمد الشرع الحكم، وفي ظل انفتاح إقليمي ودولي متسارع على دمشق، وهو ما أثار قلقاً متزايداً داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلية.
ولا يخفي كاتب المقال انزعاجه من التحولات الجارية، بل يكشف بشكل صريح خشية الاحتلال من فقدان إحدى أهم أوراقه الاستراتيجية في المنطقة: سوريا الضعيفة والمستنزفة.
وينطلق هراري من مسلّمة غير معلنة لكنها حاكمة للمقال، وهي أن الفوضى في سوريا كانت مكسباً استراتيجياً لـ”إسرائيل”، وأن زوالها يمثل خسارة مباشرة. ويفضح هذا الطرح عقيدة سياسية راسخة لدى الاحتلال تقوم على إدارة المحيط العربي عبر الأزمات، لا عبر التسويات العادلة.
وعليه؛ فإن تحذيره من “تلاشي الفرصة” ليس سوى تعبير عن فشل سياسة طويلة الأمد؛ راهنت على تفكك الدولة السورية وتحويلها إلى ساحة صراعات دائمة تُدار عن بُعد.
ويحاول الكاتب إظهار الانفتاح الدولي على دمشق بوصفه نتيجة كراهية العالم لنظام الأسد، أو براغماتية الحكم الجديد، لكنه يتجاهل عمداً الحقيقة الأهم، وهي أن المجتمع الدولي بات يرى في استقرار سوريا مصلحة مشتركة، بينما يرى الاحتلال في هذا الاستقرار تهديداً مباشراً.
ففي نظر الاحتلال؛ كل خطوة تعيد لسوريا موقعها الإقليمي؛ تُضعف مبررات الاعتداءات الجوية، وتعيد الاعتبار لمبدأ السيادة، وتفتح الباب مجدداً أمام ملف الأراضي السورية المحتلة. ومن هنا؛ فإن القلق الإسرائيلي ليس أمنياً بقدر ما هو سياسي وجودي مرتبط بتغيّر قواعد اللعبة.
ويصف هراري تعامل القيادة السورية الجديدة مع كيان الاحتلال وروسيا بـ”البراغماتية الحكيمة”، إلا أن هذا المديح الظاهري يخفي امتعاضاً حقيقياً من سياسة تحرم الاحتلال من الذرائع التقليدية. فسوريا التي تفاوض ولا تصعّد، وتوازن ولا تستعدي، هي سوريا يصعب اختراقها أو تبرير استهدافها.
واللافت أن الكاتب لا ينتقد هذه البراغماتية لأنها خطيرة، بل لأنها ناجحة، ونجاحها يعني أن مشروع الاحتلال القائم على شيطنة الخصوم يفقد فاعليته.
ويُعيد هراري تدوير خطاب قديم يقوم على تضخيم ملفات الأقليات والتعدد الإثني، في محاولة لإبقاء سوريا في خانة “الدولة غير القابلة للحكم”. وهذا الخطاب ليس جديداً، بل هو جزء من ترسانة سياسية استخدمها الاحتلال تاريخياً لتبرير التدخل غير المباشر ودعم التفتيت.
غير أن الواقع يشير إلى أن هذه الملفات، رغم حساسيتها، باتت تُدار ضمن أطر سياسية ومؤسساتية، وهو ما يقلّص فرص تحويلها إلى أدوات ابتزاز خارجي.
وأخطر ما في مقال هراري يتمثل في دعوته كيان الاحتلال لتحويل تفوقه العسكري إلى تفاهمات سياسية، وهي صيغة ناعمة لسياسة الإكراه وفرض الوقائع بالقوة. وهذه الدعوة لا تعكس حرصاً على الاستقرار، بل سعياً لاقتناص مكاسب قبل أن تُغلق النافذة السياسية.
وحين يحذّر هراري من أن الظهور كطرف يسعى لإدامة الفوضى قد يضع الاحتلال في مواجهة مع القوى الدولية، فإنه يقرّ ضمناً بأن هذه كانت – ولا تزال – إحدى أدوات السياسة الإسرائيلية في الإقليم.
وختاما؛ فإن مقال ميخائيل هراري ليس قراءة مستقبلية، بل وثيقة قلق سياسي تعكس ارتباك الاحتلال أمام مشهد إقليمي يتغيّر بسرعة. فالمشكلة ليست في طبيعة الحكم السوري الجديد، ولا في تاريخه الأيديولوجي، بل في نجاحه في إخراج سوريا من معادلة الفوضى التي شكّلت لعقود رافعة للمشروع التوسعي الإسرائيلي.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/23 الساعة 00:00