تبعية ديوان المحاسبة لمجلس الأمة: ضرورة قانونية لتعزيز الرقابة على المال العام

الدكتور معن نصر العليان
نيسان ـ نشر في 2025/12/24 الساعة 00:00
يشكّل ديوان المحاسبة إحدى الدعائم الأساسية لمنظومة النزاهة والرقابة المالية في الدولة، إذ يضطلع بدور محوري في تدقيق الإيرادات والنفقات العامة، والتحقق من سلامة التصرف بالمال العام وفق أحكام القانون. غير أن موقع الديوان ضمن البنية المؤسسية للدولة ما يزال محل نقاش قانوني، ولا سيما فيما يتصل بتبعيته للسلطة التنفيذية، في وقتٍ تبرز فيه الحاجة إلى تعزيز استقلاله وربطه بالسلطة التشريعية.
من الناحية الدستورية، يقوم النظام السياسي على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها، بحيث لا يجوز أن تجتمع سلطة الإنفاق وسلطة الرقابة في يد جهة واحدة. وبما أن الحكومة هي الجهة المختصة بإدارة المال العام وتنفيذه، فإن إخضاع جهاز الرقابة المالية الأعلى لها، ولو إداريًا، يثير تساؤلات مشروعة حول مدى تحقق الاستقلال الرقابي الكامل، ويحدّ من الأثر العملي للتقارير الصادرة عنه.
ويُعدّ مجلس الأمة، بوصفه السلطة الدستورية المختصة بالرقابة على أعمال الحكومة، الجهة الطبيعية التي ينبغي أن يتبع لها ديوان المحاسبة. فالديوان يقدّم تقاريره السنوية والدورية التي تشكّل الأساس القانوني والفني لممارسة الدور الرقابي البرلماني، سواء عبر مناقشة الموازنات، أو مساءلة الوزراء، أو تشكيل لجان التحقيق النيابية. ومن ثم، فإن تبعية الديوان لمجلس الأمة من شأنها أن تُحدث انسجامًا مؤسسيًا بين أداة الرقابة والجهة المخوّلة باستخدام نتائجها.
كما أن الاستقلال الحقيقي لديوان المحاسبة لا يقتصر على النصوص القانونية، بل يتطلب ضمانات مؤسسية واضحة، في مقدمتها الاستقلال المالي والإداري، وحماية القائمين على العمل الرقابي من أي تأثير أو ضغط. وتبعيته لمجلس الأمة تسهم في توفير هذه الضمانات، وتعزّز حياديته، وتمنحه مساحة أوسع لأداء مهامه بكفاءة وموضوعية.
وتشير التجارب المقارنة في العديد من الدول إلى أن ربط الأجهزة العليا للرقابة المالية بالسلطة التشريعية يُعد من أفضل الممارسات المعتمدة دوليًا، لما يوفّره من شفافية، وفاعلية في متابعة الملاحظات الرقابية، وتحويلها إلى إجراءات مساءلة وتصويب حقيقية، بدل الاكتفاء بتقارير تُحفظ دون أثر ملموس.
إن إعادة النظر في تبعية ديوان المحاسبة تمثّل خطوة إصلاحية ضرورية لتعزيز منظومة الحوكمة الرشيدة، وترسيخ مبدأ سيادة القانون، وحماية المال العام. فربط الديوان بمجلس الأمة لا يُعد مساسًا بدور الحكومة أو انتقاصًا من صلاحياتها، بل يعكس تنظيمًا مؤسسيًا سليمًا يضمن الرقابة المتبادلة بين السلطات، ويعزّز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وشفافية إدارتها للموارد العامة.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/24 الساعة 00:00